لو طبّق دومينيك كامينغز منذ يوم السبت، بعد أول خبر عن رحلته إلى دورهام Durham، إحدى قواعد التواصل الخاصة بـآلاستير كامبل (المستشار الإعلامي السابق لرئيس الوزراء السابق توني بلير) التي تنصح بالكشف عن جميع الحقائق في أسرع وقت ممكن، لكان قد جنّب رئيس الوزراء الكثير من المتاعب.
فمن خلال التأخير، سمح كامينغز بترسيخ رأي لدى الجمهور يعتبر ما قام به خرقاً لقواعد الحظر التي اعتقد معظم الأشخاص أنهم يتّبعونها، بكلفة كبيرة على أنفسهم في كثير من الأحيان.
وكانت روايته عن "قيادة السيارة إلى كوخ ريفي منعزل في مزرعة" والده متماسكة، وقد نجح في تحصين عددٍ من نقاط الضعف في السرد. وتشير الرواية إلى أنه لم يتوقف على الإطلاق أثناء القيادة من لندن إلى دورهام، وحافظ على مسافة بينه ووالديه وأخته وبنات أخته في المزرعة. كما أبقى هو وزوجته وابنه على مسافة من الناس عندما ذهب لاستلام ابنه من المستشفى وعندما ذهب في اختبار القيادة بعد انتهاء الحجر الصحي، إذ كان يرغب في معرفة ما إذا كان قادراً بما يكفي على القيادة في رحلة العودة إلى لندن.
لكن مهما كانت تلك الفقرات الفردية مقنعة، إلّا أنّ الرواية في مجملها تُصوّر أحد أعضاء النخبة الحاكمة وقد أخذ على عاتقه مسؤولية الحسم في كيفية تطبيق القواعد على حالته الخاصة. لذا فقد ذهب كثيرون من الناس، الذين كانوا ربما سيتعاطفون معه لولا ذلك، إلى إرسال حكمهم إلى رئيس هيئة المحلفين مفاده بأنّ كامينغز مذنب بتبنّي معايير مزدوجة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من ناحية أخرى، أحدث كامينغز ثغرات جديدة في القصة ستغذّي هيجان الإعلام لأيام أخرى. فعندما كانت زوجته مريضة، هرع إلى المنزل، راكضاً أمام الكاميرات، ثم عاد إلى العمل في ذلك المساء، بينما كانت تقتضي النصيحة أن يدخل في العزلة الذاتية على الفور. قال إنها لم تظهر أعراض فيروس كورونا المعروفة، ولكن في الوقت ذاته كان قلقاً من احتمال إصابته هو الآخر. فلماذا إذاً عاد إلى المكتب؟ لماذا "اختبر بصره" في القيادة لمدة 30 دقيقة وهو في السيارة مع طفله وزوجته؟
ومع ذلك، فعل ما كان عليه فعله لوقف موجة الرأي التي كانت تتّجه للاصطدام به بقوة. فقد أعطى مؤيدي رئيس الوزراء - الذين تضاءلت أعدادهم خلال الأيام القليلة الماضية - ما يكفي من المعلومات للدفاع عن سلوكه والسماح له بالبقاء في داونينغ ستريت.
وفي هذا الأمر، تجدر مقارنة أدائه بأداء أليستر كامبل (عندما كان متحدثا باسم حكومة توني بلير)، الذي ظهر على القناة الرابعة للأخبار عام 2003 للدفاع عن نفسه ضد مزاعم "بي بي سي" بأنه بالغ في أهمية المعلومات الاستخباراتية المتوفرة آنذاك حول العراق. فهناك تشابه لافت بين الرجلين، إذ عمل كل منهما مستشاراً سياسياً مقرّباً جداً من رئيس الوزراء. كما تعرّض كلاهما للحصار وقرّرا الخروج عن المألوف والدفاع عن قضيتهما أمام الكاميرا.
لكن كامينغز حظي بوقت أطول لتحضير الدفاع عن قضيته، وكان أفضل من كامبل في السيطرة على أعصابه. كانت ربما لديه طريقة ما كعادة كامبل في وخز نفسه باستخدام مشبك ورق للتحكّم في غضبه. وفي الحالتين، شعر الرجلان بالإساءة من قبل وسائل الإعلام. فقد اتّهم كامينغز يوم الاثنين مراراً الصحافيين بنشر قصص غير صحيحة عنه، واشتكى من أنه كان غير قادر على تصحيحها لأن ذلك كان سيؤدي فقط إلى مزيد من التشويش.
وفي حين لم يخدم كامبل نفسه جيداً بالظهور على التلفاز، وهو ما فعله خلال مهلة قصيرة في تلك اللحظة، نجح كامينغز في تقديم نفسه بشكل أفضل، لكنه لم يتمكّن من توضيح سبب عدم قيامه بذلك في وقت مبكر، حتى إنّه استهلّ كلامه بالاعتراف أنه "بالعودة إلى الماضي، كان علي أن أدلي بهذا التصريح في وقت مبكر".
في حالة كامبل، كان الجمهور قد حكم سلفاً بوجود مشكلة ما في قضية الانضمام إلى حملة غزو العراق، ولم يكن هناك الكثير مِمّا يمكن فعله لإقناع الناس بأن الحكومة كانت صادقة.
وقد حدث الأمر ذاته مع كامينغز، إذ اقتنع الجمهور مسبقاً بأن بوريس جونسون يرى أن قواعد الناس الضعفاء لا تنطبق على فريقه. لذا فإنّ كامينغز فعل ما يكفي لإنقاذ وظيفته. لكن ذلك قد يكون أسوأ نتيجة للحكومة والبلاد. ربما يكون هذا مجحفاً في حقه، لكن كامينغز بحاجة إلى الرحيل إذا أراد رئيس الوزراء إعادة بناء الثقة مع الشعب – وهي الثقة التي ستكون مطلوبة أكثر من أي وقت مضى وهو يحاول إخراج البلاد من حالة الإغلاق.
© The Independent