أكد نقيب الفنانين التشكيليين في موريتانيا خالد مولاي إدريس، ترشحه للانتخابات الرئاسية المقررة في بلاده، في يونيو (حزيران) المقبل، ويعتبر إدريس نفسه مرشحاً غير تقليدي، نظراً إلى دخوله حلبة السياسة من بوابة الفن. واشار إلى أنه، في إطار مساعيه الهادفة إلى تقلد منصب الرئاسة الموريتانية، عقد العديد من اللقاءات والمشاورات مع مختلف النخب السياسية والحقوقية، ونقل عن هؤلاء ارتياحهم لفكرة ترشحه إذ يعتبرونه إضافة نوعية مهمة بالنسبة إلى المعارضين لنظام الرئيس المنتهية ولايته محمد ولد عبد العزيز، على حدّ وصفه.
أحزاب جهوية وقبلية
ويضيف مولاي إدريس أنه بدأ خلال الأشهر الأخيرة، التنسيق مع العديد من قادة الأحزاب السياسية استعداداً للانتخابات الرئاسية المقبلة، على الرغم من مآخذه الكثيرة على التنظيمات الحزبية في بلاده إذ قال "لم أقتنع يوماً بالتنظيمات الحزبية المشكلة لمنظومتنا السياسية لأسباب عدة، منها الديكتاتورية الحزبية، وضعف المؤسسية، وغياب الرؤية وضعف منطق الاستشراف، وعدم وطنية الأحزاب لكونها أحزاباً جهوية قبلية، وضعف المساهمة الاجتماعية، ولأنها أحزاب مواسم سياسية وليست أحزاب برامج، وارتهانها للمجتمع التقليدي وسيرها في فلكه.
الفقراء والمهمّشون
وقال إدريس إن ترشحه لأرفع منصب في البلاد يأتي على خلفية احتكاكه بالفقراء، والمنسيّين، في أحياء الصفيح، مضيفاً أنه يطمح للوصول إلى كرسي الرئاسة من أجل هؤلاء. وذكر أنه مدفوع أيضاً بضرورة تحمل المسؤولية تجاه الوطن في هذه الظروف الخاصة، وهو يتسلح لذلك بما يصفه بالقبول الذي يحظى به في أوساط الشاب، ويقول "هناك تقبل واهتمام من النخب الشبابية، نلمسه في التعاطي والتجاوب مع أعمالنا الفنية والإبداعية، ومن خلال احتكاكي المباشر معها أدركت أنني قد أكون مؤهلاً لرفع مستوى التعاطي مع القضايا الاجتماعية والسياسية، إلى مستوى آخر غير المستوى الفنّي الذي ولجنا عبره إلى المجتمع في الفترات السابقة، وهذا ما أذكى لديّ الطموح إلى رئاسة البلد".
تغيير العقليات
وبالفعل، فإن كثيرين من الشعب الموريتاني عرفنا من خلال صفحات التواصل الاجتماعي، ومن خلال الأعمال الفنية التي نحاول عبرها تغيير العقليات، ورفع سقف الوعي لدى الموريتانيين، ونعوّل على هذا الجانب لأنه الجانب الذي شكّل بوابة التعارف لنا مع النخب الموريتانية، لكن عملي كمتخصّص في التنمية القاعدية سمح لي كذلك بزيارة كل أنحاء موريتانيا ما منحني رؤية شاملة، حول المشاكل الأساس التي يعاني منها البلد".
الفنّ رافعة التنمية
رسام الكاريكاتور إدريس يرى أنه "ليس فقط بالفنّ التشكيليّ يمكن بناء الدولة، لكنه قد يشكّل رافعة على الأقل تسمح بترجمة بعض القضايا وبعض الأمور الملحّة داخل نظامنا المجتمعي. والفنّ التشكيليّ كغيره من الفنون يمكن أن يلعب أدواراً اجتماعية وتربوية وثقافية وسياسية واقتصادية، تدخل في صميم متطلبات الحياة اليومية، ولهذا سيكون تطوير الفنّ التشكيليّ في صميم برنامجي الانتخابي ضمن مقاربة تعتبر النهوض بالثقافة وتكريس حرية التعبير صمام الأمان الرئيس، كما سنعمل كذلك على تطوير المنظومتين الأمنية والاقتصادية وتعزيزهما". وقال إنه، عبر مقاربات فنية وثقافية يمكننا إرساء دعائم المصالحة الوطنية، وبذلك يكون التنوّع العرقيّ واللغويّ الذي نتمتّع به عامل ثراء وتنمية ورخاء، لا بؤرة خلاف وتوتر وتشرذم".
الفن والسياسة
على المسار السياسي والمهني لهذا الشاب الطموح، يعلّق وزير الإعلام الأسبق محمد ولدأمين بالقول "إدريس السياسي شاب بسيط وعلى مستوى كبير من الوضوح. إدريس الفنان إنسان يتلاعب بالدلالات ويسخّر فنّه للجدل السياسيّ العابر. لقد أصبح ملفتاً للانتباه بفضل "فيسبوك". ويضيف الصحافي أحمد محمود "موريتانيا تحتاج إلى فنان مبدعٍ أكثرَ مما تحتاج إلى سياسيّ محنّك. الساحة متخمة برجال السياسة، والعرض بات أكثرَ من الطلب، لهذا أنصح إدريس بالتفرغ لفنه الجميل".
حملة مبكرة ولكن
مولاي إدريس يقول، إنه ماضٍ في تذليل كل العراقيل والصعاب التي تعترض سبيله على الدرب السياسيّ، مؤكداً أنه اتخذ كل الإجراءات من أجل دخول الحملة الانتخابية المرتقبة كمرشح جديّ ووازن، فهو أول من أعلن الترشح لهذه الاستحقاقات العام الفائت، ويعوّل على المثقفين والكتاب والأدباء والشعراء، وكذلك على الجمعيات الشبابية والأندية الثقافية والمنظمات النقابية والحقوقية التي تربطه علاقات واسعة معها، على حد قوله، كما ينتظر مساندة جمهور عريض من الشباب الطامحين إلى مستقبل أفضل وفئات معتبرة كذلك ممن يصفهم بالمهمّشين والمنسيّين.
بيد أن تعقيدات المشهد السياسيّ، وهيمنة الجيش وبعض التشكيلات الوازنة في الساحة، إلى جانب دور المال السياسيّ في حسم مثل هذا النوع من المعارك الانتخابية، كلها أمورٌ ستجعل من هذا الفنان التشكيليّ، وفق المراقبين، مرشحاً ضعيفاً في استحقاقات العام 2019.
ثقافة النقد
الفنان التشكيليّ مولاي إدريس، حاول بريشته تسليط الضوء على معاناة البسطاء، وكان نقده لاذعاً للسلطات التي ردّت عليه أحياناً بجفاء كما يقول "تعرّضت للعديد من المضايقات، فمُنعت من المشاركة في بعض المعارض، وصودرت أعمالي أكثر من مرة في معارض الكاريكاتور ومعارض الفنّ التشكيليّ فقط لأنها تحمل شحنة دلالية معينة، أحياناً تكون سياسية وأحياناً اجتماعية". أضاف "طبعاً نحن مجتمع مجامل بالفطرة، والنقد مسألة جديدة نسبياً علينا ولم تأخذ مكانها بعد في منظومتنا السياسية والثقافية، وكل من يحاول أن ينتقد أوضاعاً سياسية أو اجتماعية معرض لأن يكون في عين العاصفة، ربما يتعرّض للمضايقات من السلطات وحتى الأفراد والمجتمع، وبالتالي، فإن وجودي كرسام كاريكاتور ينتقد الممارسات السياسية، وبعض الاختلالات الموجودة في المجتمع، ستبقيني عرضةً للمضايقات، وحتى التهديد الشخصي لي، ولأفراد أسرتي، لكن هذا يزيدني إصراراً وشعوراً بأن رسائلي قد وصلت إلى مقصدها".
سيرة ومسيرة
ولد خالد مولاي إدريس في العاصمة نواكشوط في العام 1973، وهو حاصل على شهادة الإجازة في الفلسفة وعلم الاجتماع، وشهادة الإجازة في علم النفس التربوي، وهو كذلك خبير في المقاربات التشكيلية ذات الطابع التنموي، واستطاع في بداية تسعينيات القرن الماضي، مع مجموعة من رفاقه، تأسيس اتحاد الفنانين التشكيليين الموريتانيين، قبل أن يصبح نقيب الفنانين التشكيليين، ورئيس رابطة رسّامي الكاريكاتور الموريتانيين.
هو الفنان، الذي يعتبر أنه رسّخ ثقافة الكاريكاتور في الصحافة المحلية، وشارك في 98 معرضاً وطنياً ودولياً، كما نظم 60 معرضاً للوحاته الخاصة، كما يقول.
وقد بدأ تعلّقه بالفنّ التشكيليّ في مراحل مبكرة من حياته حينما استهواه هذا الفنّ، فبدأ يرسم على الجدران، وهو في المرحلة الإعدادية، ويسعى مولاي إدريس إلى خلق فضاءات أكبر للرسم في موريتانيا حيث يعاني الفنّ التشكيليّ من الكساد ونقص الرعاية والاهتمام، ويحارَب أحياناً باسم الدين والتقاليد.