تفاقمت الأزمة الدبلوماسية بين الجزائر والمغرب بعد محاولات ثنائية لطي قضية قنصل المغرب في وهران الجزائرية (400 كيلومتر غرب العاصمة) في "هدوء"، إثر تصريحات جانبية له وصف فيها الجزائر بأنها "بلد عدوّ". وتجادل البلدان خلال الساعات الماضية حول الجهة التي طلبت إنهاء مهام القنصل، أحرضان بوطاهر، في أعقاب إعلان الخارجية المغربية أن عودة السفير "مبادرة صرفة منها"، ما جعل الجزائر تنفي وتوضح أنها خاطبت الرباط لإنهاء مهام القنصل "بلغة لا تحتمل التأويل".
استشارة الرئيس تبون
في يوم الحادثة تلقى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون تقريراً من معاونيه يصف تصريحات القنصل بوطاهر بأنها "تفتقد للباقة"، واختارت الرئاسة الجزائرية مخاطبة نظرائها في الرباط بشكل يسحب "أي تداعيات على العلاقات الثنائية بين البلدين".
وكلفت الرئاسة الجزائرية في اليوم نفسه، الذي ظهر فيه التسجيل المصور للقنصل وهو يخاطب رعايا بلاده في وهران قائلاً "كما تعلمون نحن في بلد عدو"، وزير الخارجية صبري بوقادوم باستدعاء السفير المغربي وإبلاغه طلب إبعاد القنصل في أقرب وقت ممكن، وتحققت السلطات الجزائرية من صحة التسجيل الذي بثه أحد الرعايا المغاربة.
وفعلاً، استدعت الجزائر سفير المغرب لديها في 13 مايو (أيار) الماضي وتم إبلاغه بأن "توصيف القنصل العام المغربي في وهران، للجزائر، إذا ما تأكّد حصوله، على أنها بلد عدو، هو إخلال خطير بالأعراف والتقاليد الدبلوماسية لا يمكن بأي حال من الأحوال قبوله"، كما جاء في بيان نشر في اليوم التالي.
لم نتلق طلباً من الجزائر
في تطورات أفسدت الرغبة في طي صفحة القنصل في "هدوء" من الجانبين، ردت السلطات المغربية على تصريحات للناطق باسم الرئاسة الجزائرية باستدعاء عبد الحميد عبداوي، السفير الجزائري بالرباط. وقال وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة إن بلاده "تتساءل عن الدوافع الحقيقية وراء هذا التصعيد الجديد والإرادة المستمرة للجزائر في تغذية مناخ من الارتياب يسير عكس كل قواعد حسن الجوار"، قاصداً قول الناطق باسم الرئاسة الجزائرية إن القنصل المغربي "ضابط استخبارات".
وتابع الوزير أن "المغرب يرفض هذه الادعاءات السخيفة التي لا أساس لها من الصحة. فالقنصل العام للمملكة في وهران هو إطار بالوزارة، وله مسار مهني يمتد لـ28 سنة، سواء في المصالح المركزية أو في مناصب عدة في الخارج".
وفي هذا الصدد، ذكر بوريطة أنه "وحرصاً منا على الحفاظ على الهدوء في العلاقات الثنائية، لا سيما في خضم السياق الإقليمي والدولي الصعب في ظل تفشي جائحة كوفيد-19، بادرت إلى الاتصال بنظيري الجزائري لأبلغه أنه بغض النظر عن مدى صحة الأقوال المنسوبة إلى القنصل، فقد قرر المغرب استدعاءه فوراً".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعليه، يوضح وزير الخارجية والتعاون الدولي، بأن "استدعاء القنصل جاء بمبادرة حصرية من المغرب ولو أن القنصل بقي يؤدي مهامه بطريقة مناسبة ومهنية تماماً"، مؤكداً أن "المملكة لم تتلق في أي وقت أي طلب رسمي من السلطات الجزائرية باستدعاء قنصلها العام".
ولعل الفقرة الأخيرة من بيان الخارجية المغربية هو ما دفع نظيرتها الجزائرية لإصدار بيان جديد عصر الخميس. إذ قال الناطق باسم وزارة الخارجية الجزائرية، السفير بن علي الشريف إن "الجزائر تعاملت وفقاً للأعراف الدبلوماسية المعمول بها دولياً في قضية الانزلاق الخطير الذي أقدم عليه القنصل العام المغربي. الجزائر خاطبت الطرف المغربي بلغة مناسبة لا تحتمل تأويلاً آخر، غير إنهاء مهام قنصل المغرب وعودته إلى بلاده"، موضحاً أن هذا الرد جاء على "خلفية تصريحات وزير الخارجية المغربية".
فترة شحن
تبادل البيانات واستدعاء السفراء بين الجزائر والمغرب لا يوحي بـ"تطبيع" وشيك للعلاقات الثنائية المتوترة منذ عقود بسبب نزاع الصحراء الغربية واستمرار غلق الحدود البرية بين الدولتين منذ عام 1994. يقول الوافي بوشماخ، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية لـ"اندبندنت عربية" إن "العلاقات الجزائرية المغربية لطالما ميّزها تنافس وشحن دبلوماسي يُترجم إعلامياً في العادة، وما يحدث هو استمرار في مستوى نفسه من العلاقات، أي أن انتخاب رئيس جديد في الجزائر لم يغيّر أي معطى".
المستجد وفق بوشماخ هو أن "الجزائر حالياً تقوم بإعادة هندسة علاقاتها المغاربية والإقليمية، وهناك عملية إعادة تموقع في الملف الليبي، وفي تونس وموريتانيا ومنطقة الساحل وداخل الاتحاد الأفريقي. وهذه العملية تتم بسرعة ملحوظة، ضف إليها حدوث تغييرات في السياسة الخارجية وحتى في عقيدة الجيش بشأن المشاركة في عمليات خارج الحدود".
ويضيف أن "المغرب يلاحظ هذه التغييرات، لذلك من الطبيعي أن تظهر مؤشرات تنافس إقليمي، لا سيما أن الرباط استفردت بكثير من النفوذ في سنوات سابقة، مستفيدة من انكماش الدبلوماسية الجزائرية بسبب مرض الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة وتركيزه على استرضاء عواصم غربية كبرى مقابل تزكية استمراره في الحكم لا أكثر".
شروط "التطبيع"
يتوقع الكاتب والباحث في التاريخ السياسي للمغرب العربي عمراوي زين الدين، في حديث إلى "اندبندنت عربية"، "عودة التشاور ولو على صعيد بعض القطاعات الوزارية بين الجزائر والمغرب في وقت ما على المدى القريب أو المتوسط"، لكنه يستعبد "تطبيعاً كاملاً أو انفراجاً في أزمة الحدود البرية المغلقة. فالرئيس الجزائري وضع شرطاً أمام هذا المسعى يتعلق باعتذار مغربي رسمي عن أحداث سبقت إغلاق الجزائر حدودها البرية بعد فرض التأشيرة على الجزائريين من قبل الرباط".
ويلحظ عمراوي أن "السلطات المغربية لم تولِ هذا الشرط أدنى انتباه، بل تعامل الإعلام المغربي معه باستخفاف وأحياناً بتهكم. وأعتقد بأن الجزائر فهمت ذلك على أنه رفض مطلق وهي اليوم تُخرج الملف المغربي من نطاق الاستعجال في بناء سياستها الخارجية الجديدة إقليمياً".