للحرب في اليمن انعكاساتها المباشرة التي طاولت كل فئات الشعب، ونال العاملون في المجال الإعلامي منها نصيباً وافراً، خصوصاً المرأة، إذ وجدت الإعلامية اليمنية نفسها في مواجهة خيارات صعبة، حفل بها المشهد المعقد، ما بين فرص العمل النادرة وقناعات القائمين على المهنة في بلد يشهد واقعه السياسي اضطراباً ملتهباً أنتج حالة استقطاب حاد كرّست سياسة صحافية منفعلة، انعكست سلباً على التعاطي المهني برمّته.
آثار معيشية
هذه الحال فرضت على إعلاميات يمنيات كثيرات الانزواء وخفوت أصواتهن حدّ التلاشي، فيما اضطُرّت أُخريات إلى امتهان أعمال أخرى لا علاقة لها ببريق الإعلام الذي شقَّيْن إليه طرقات وعرة، حملتها سنوات طويلة من الصعوبات الاجتماعية والسياسية في التعلّم، الأمر الذي خلّف انعكاسات معيشية صعبة على كثيرات.
انتهاكات إنسانية
وكان تقرير صادر عن مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي (غير حكومي) قد كشف في وقت سابق، عن تعرّض الإعلاميات اليمنيات لانتهاكات متعددة، تنوّعت ما بين القتل والضرب والتهديد والفصل التعسفي وقطع المرتبات والحرمان من الوظائف.
وقال التقرير الذي حمل عنوان "الإعلاميات اليمنيات تحدّيات في السلم والحرب"، إن العاملات في الإعلام من النساء يشكّلن نسبة 20 في المئة من إجمالي العاملين في وسائل الإعلام و11 في المئة فقط من أعضاء نقابة الصحافيين اليمنيين.
التقرير الذي بنى معلوماته على جداول استبيان مع إعلاميات، أوصى بضرورة العمل على تجنيب الصحافيات المخاطر أثناء عملهن المهني ونقل الحقائق إلى المجتمع واحترام عملهن، بالأخص الصحافيات العاملات في بيئة معادية وخطيرة، والسعي إلى محاسبة كل المتورطين في الانتهاكات التي تعرّضت لها الصحافيات والناشطات على مواقع التواصل الاجتماعي.
بيئة غير صحية
تقول مها البريهي، المستشارة الإعلامية في سفارة اليمن بلبنان، إن الصحافيات اليمنيات تهن وسط بيئة إعلامية غير صحية، مضمونها خطاب تعبوي طائفي مقيت يغذّي معاني الكره والحقد بين أبناء الوطن الواحد.
وترجع السبب إلى ما وصفته بـ"حالة التشظّي والانقسام" الحاصل في اليمن جراء الحرب وتأثر قطاع الصحافة والإعلام وانهيار الجهاز الإعلامي للدولة واحتفاظ كل طرف بأحقّيته في امتلاك القنوات الرسمية بالمسمّيات والشعارات ذاتها.
ضياع البوصلة
هذا الواقع، بحسب البريهي، أضاع على الإعلاميات البوصلة التي كنّ يعتمدن عليها في تحديد الاتجاه الصحيح نحو العمل المهني والرسالة الجامعة ذات المضمون الإنساني والقيمي الهادف الذي يحتاج إليه المجتمع اليمني اليوم أكثر من أي وقت مضى.
استقطاب وانزواء
توقّف المؤسسات الصحافية سواء بسبب الحرب، أو بسبب تجييرها لأطراف سياسية معينة، دفع كثيرات من الإعلاميات اليمنيات إلى ترك المهنة والخوض في غمار فرص أخرى في الحياة، تمكّنهن من إعالة أسرهن بعد انقطاع المرتبات الحكومية.
في هذا السياق، توضح البريهي، "مع فقدان مصادر الدخل وانقطاع المرتبات، اختفت بعض الوجوه الإعلامية المخضرمة، وآثرت البقاء في المنازل، فيما قبل البعض منهن العمل في قنوات خاصة قد لا تمثّل قناعاتهن ولكنها توفّر لهن مصدر دخل وتم استغلال أسمائهن أسوأ استغلال".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واقع إنساني صعب
وتتابع أن هذا الواقع دفع الصحافيين، بخاصة الصحافيات إلى العمل في مهن ليست إعلامية، وتستدلّ "أعرف زميلة تعمل في مجال الطبخ المنزلي لتعيل أسرتها، وأخرى تدرّس في مدرسة خاصة، وثالثة تقطّعت بها السبل وعلقت في إحدى الدول العربية وليس لها معيل إلّا مساعدات تتحصّل عليها من زملائها، ناهيك عن اللواتي أنهكهنّ المرض وتوفين داخل الوطن وخارجه بصمت وأخريات تعرّضن للتهديد أو القتل من دون معرفة الأسباب".
يد العون
وفي محاولة لمساعدة عددٍ كبيرٍ من الإعلاميات مِمَّن تقطّعت بهن السبل، تؤكد المستشارة الإعلامية في سفارة اليمن بلبنان، أن هناك محاولات لمجاميع من الناشطات من خلال إطلاق تكتّلات بمسمّيات مختلفة لمساعدة النساء ومنهن الإعلاميات المعوزات، لكنها تظلّ مساعدات خجولة، وأخريات أنشأن منظمات وحصلن على دعم ليعتَشن.
إحباط وتحرش
ولم تكن طرقات حديثات العهد في المهنة، مفروشةً بأضواء الإعلام وبريقه الذي لطالما أغرى كثيرات، فالواقع الصعب الذي فرضته تداعيات ست سنوات من الحرب الدامية، وبعد أعوام من التخرج وطموحات النجاح، وجدن أنفسهنّ أمام آفاق مسدودة، فلا فرص عمل ولا تأهيل أو تدريب يصقل قدراتهن التي لا تزال تحلم بواقع يُعيد إليهن شيئاً من زمن أسلافهن الجميل، مقارنةً بواقع اليوم، على الأقل.
تقول المذيعة عبير حسن "إنّ أبرز التحدّيات التي تواجهها الصحافية الشابة اليوم تتمثّل في تقييد الحريات الصحافية ونظرة المجتمع".
وتضيف "عندما تخرج الإعلامية إلى العمل في الميدان، فإنّها تتعرض لصنوف شتى من المضايقات اللفظية والجسدية والتحرّش الذي يصل أحياناً إلى التهديد".
وتعتبر أن حال الإعلامية داخل المؤسسات الصحافية لا تختلف أحياناً عن خارجها، مؤكدةً أن مضايقات مختلفة الأشكال تتعرّض لها الإعلامية من جانب زملائها الرجال.
وتستطرد "هذا سبّب لنا نحن حديثات العهد في المهنة صعوبات كثيرة، خصوصاً عندما تكون الإعلامية ذات توجّه سياسي مستقل، فلا سند ولا ظهر يحميها، الأمر الذي قلّص وجودهن أخيراً بشكل كبير، واضطُرّت كثيرات إلى البقاء في البيت أو اللجوء إلى أعمال أخرى".
الإعلامية والحرب
وترى الإعلامية رنا طميم أن واقع الصحافيات اليمنيات الصعب، كأحد نتائج الصراع الدامي، يأتي امتداداً لواقع المرأه اليمنية عموماً التي وجدت نفسها في مواجهة مباشرة وغير متكافئة مع كل ما يحيط بها في ميدان العمل.
وتقول إن تداعيات الأحداث لم تستثنِ الإعلامية اليمنية على الصعيد الاقتصادي، بمفهومَيْه المعيشي والمهني.
ميدان العمل... يضيق
وكأي امرأة يمنية عاملة تحمل على عاتقها مسؤولية وأعباء معيشية نتيجة لتوقّف معظم المؤسسات الإعلامية عن عملها، تشير طميم إلى أن كثيرات لجأن إلى اقتحام وظائف ومهن بعيدة من مجالهن الذي لطالما حاربنَ بغية اقتحامه. ولا تغفل طميم عن إضافة الآثار النفسية إلى قائمة مكابدات المرأة العاملة في المجال الإعلامي الذي "لطالما تحمّلت مختلف صنوف الأذى والمضايقات لأجله نتيجة ما أفرزته الحرب من نزوح وتهجير وتدمير وإغلاق ونقل مؤسسات وشركات وقنوات إعلامية مختلفة".
الأمن... هاجس قلق
ويشكّل الجانب الأمني للصحافيات اليمنيات أكثر هواجس القلق. في هذا السياق، تقول الصحافية جهينة عبده "إن انعدام الأمن وغياب الحماية الحقيقية للإعلامية، يجعلانها معرضة للخطر"، مضيفةً أن "المرأة الصحافية ليست بعيدة من إرهاصات الوضع العام، وقد يطالها أكثر مِمّا يطال الرجل، ما يدفعها هي الأخرى إلى أن تغيب وتخفت ولهذا تتوقّف كثيرات عن ممارسة المهنة ويتّجهن إلى اختيار أعمال أخرى".
حقوق لا تأتي
في المقابل، تقول الصحافية مروى العريقي أن الجانب الأمني يشكّل أحد العوائق للإعلامية اليوم. ومن ضمن الصعوبات الأخرى، تؤكد عدم إيفاء بعض الجهات الصحافية التي عملت معها بدفع مستحقاتها المادية.
وتوضح "عملتُ لدى أكثر من موقع وأُصبتُ بإحباط نتيجة عدم وفائهم بتسليم المقابل المادي". وتشير العريقي إلى أن "الإعلاميات أقل حظاً في الحصول على فرص التأهيل من زملائهن الرجال، ناهيك عن توفر النصح والتوجيه المستمر لهن أثناء العمل وسط جلسات القات، المكان الذي لا تستطيع الإعلامية أن تكون موجودة فيه".