بعد عراك واشتباك بالأيدي بين نواب حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا ونواب المعارضة، تبنى البرلمان التركي، الأسبوع الماضي، مشروع قانون مثير للجدل يمنح صلاحيات واسعة لجماعات "حراس الليل"، لتعادل سلطاتها تلك التي تتمتع بها الشرطة، بما يشمل حيازة واستخدام أسلحة نارية. الأمر الذي أثار قلقاً واسعاً حيال تشكيل الرئيس التركي ميليشيات خاصة بالنظام موازية لقوات الشرطة النظامية.
دفع أردوغان نحو تمكين هذه الجماعات ومنحها سلطات واسعة، يعود إلى المحاولة الفاشلة من قبل الجيش التركي لإطاحته من الحكم قبل أربع سنوات. هذه المجموعات، التي أسسها العثمانيون لمراقبة الأحياء والأسواق قبل نحو قرن، تم تفكيك هيكلها عام 2008 ودمج نحو 800 شخص من أفرادها ضمن جهاز الشرطة النظامية. لكن النظام التركي أعادها مجدداً في 2017، بداعي دعم الشرطة في إرساء السلامة العامة بالأحياء حيث استعان بمجموعة أولية قوامها نحو 2400 شخص للقيام بدوريات في المدن ذات الأغلبية الكردية في الجنوب الشرقي بعد العمليات العسكرية للقضاء على المسلحين المرتبطين بحزب العمال الكردستاني. ومنذ ذلك الحين تطور قوام هذه القوة إلى نحو 28 ألف شخص، بحسب وسائل إعلام تركية.
الحاجة للأمن
كان حراس الليل، الذين يتشكلون غالباً من سكان الأحياء، يحملون الهراوات والصافرات التي يستخدمونها لإيقاف اللصوص والمجرمين الصغار، إذ كانت سلطاتهم تتحدد في عمليات إبلاغ الشرطة عن الجرائم والمخالفات. غير أنه في يناير (كانون الثاني) الماضي، تقدم حزب العدالة والتنمية الحاكم بمشروع قانون لتوسيع سلطات هذه الجماعات لتكون مماثلة للشرطة، بما يشمل اعتراض الأفراد للتدقيق في هوياتهم أو تفتيشهم واعتقال المشتبه فيهم.
دافع أردوغان عن القانون الجديد، وقال في مناسبات عدة، "أريد أن أسمع صافرة الحراس الليليين قبل أن أنام في الليل"، مسلطاً الضوء على أهميتهم المزعومة في معالجة الحوادث الإجرامية ليلاً. كما دافع حزب أردوغان عن القانون باعتباره سيمكن حراس الليل من العمل بشكل أكثر فعالية في إنفاذ القانون من خلال إحباط عمليات السطو ومنع الهجمات بالشوارع.
ميليشيات موالية للنظام
غير أن المعارضة والجماعات المدافعة عن الحقوق المدنية اتهمت أردوغان بالسلطوية وتشكيل ميليشيات مسلحة تحمل الولاء لنظامه لتوطيد سلطته. وبحسب صحيفة الديلي تليغراف، البريطانية، قال ماهر بولات النائب عن حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة، إنهم "يستخدمون مؤسسة حراس الأحياء لإنشاء ميليشيات" معرباً عن قلقه من توسيع سلطات هذه الجماعات المسلحة لتشمل التدخل في الحياة الخاصة للناس وتتحول لشرطة أخلاقية". مضيفاً إنه كان يجب تعزيز وتقوية الشرطة نفسها إذا كانت هناك حاجة.
ويشير رافضو القانون إلى أن منح سلطات إنفاذ القانون لجماعات حراس الليل، غير دستوري. كما تلفت الجماعات الحقوقية إلى أن الحراس الليليين لن يتلقوا سوى 90 يوماً من التدريب قبل بدء خدمتهم، معربين عن قلقهم من إساءة المجندين استخدام سلطتهم بخاصة في المدن التي تقطنها الأقلية الكردية المضطهدة وغيرها من الأعراق، في الوقت الذي شهدت فيه منطقة الشرق الأوسط انتفاضات في بلدان عدة ضد عنف الشرطة وقوانين الطوارئ، فضلاً عمّا تشهده الولايات المتحدة حالياً من احتجاجات واسعة في أنحاء البلاد ضد عنف الشرطة الأميركية.
وقالت إيما سينكلير ويب، مديرة منظمة هيومن رايتس ووتش، لصحيفة الغارديان البريطانية إن الخطوة الجديدة تبعث على القلق. وأوضحت، "نحن قلقون بشكل خاص أيضاً بشأن عدم وجود آليات إشرافية لتنظيم هؤلاء الضباط المحليين ومحاسبتهم عندما يسيئون استخدام سلطاتهم". وأضافت، "هناك ثقافة منتشرة من إفلات الشرطة من العقاب بالفعل، والرقابة على هؤلاء الضباط أكثر غموضاً، بل أكثر غموضاً مما هو الحال بالنسبة للشرطة النظامية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
باسيج تركيا
وتصر المعارضة أن الهدف الحقيقي وراء توسيع سلطات حراس الليل، هو منح أردوغان وحزب العدالة والتنمية الحاكم، نوعاً من قوات الشرطة الموالية فقط للنظام. كما تشير إلى أن الحكومة توظف بها فقط أعضاء فرع الشباب لدى حزب العدالة والتنمية في المناصب. وبموجب القانون الجديد، من المفترض أن يكون الحراس الليليون بمثابة دعم للشرطة والدرك عند التعامل مع المتظاهرين.
وهناك بالفعل اتهامات لحراس الليل بإساءة استخدام سلطاتهم بضرب المواطنين دون سبب واضح. وفي 23 مايو (أيار) الماضي، تعرض شاب للضرب على أيديهم في أنقرة، وهاجموا عائلته بالغاز المسيل للدموع، دون أن تتضح الأسباب. ويعتقد سياسيون أتراك ومراقبون أن توسيع قوام وسلطات هذه القوة أشبه بتشكيل ميليشيات على غرار قوات الباسيج الخاصة بالنظام الإيراني.
وتشكلت "الباسيج" بعد فترة وجيزة من اندلاع الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، كإحدى وسائل تحقيق الأمن الداخلي. ولهذه القوة التي أصبحت خاضعة للسلطة الرسمية للحرس الثوري عام 2007، فروع في كل مقاطعة ومدينة إيرانية. وبالإضافة إلى تورطها في عمليات القمع العنيفة وانتهاكات حقوق الإنسان الخطيرة بإيران، تقوم الباسيج بتجنيد وتدريب المقاتلين، بينهم أطفال، في الحرس الثوري، الذين ينتشرون بعد ذلك في سوريا.
وبحسب ورقة بحثية لمعهد الشرق الأوسط، فإن ميليشيات الباسيج تشكل عنصراً مركزياً في نظام رجال الدين في إيران ومؤيداً لمصالح المتشددين، إذ إنها منظمة أمنيّة تشارك مجتمعياً وسياسياً.
وتقول الدراسة، الصادرة في صيف 2013، إن هناك 17 منظمة تابعة للباسيج تشمل طلاب الجامعات وعمّال المصانع والعاملين لدى الحكومة والمهندسين، كما أن هناك ثلاثة أنواع من العضويات فيها، المنتظمة والناشطة والخاصة.
وقال خمسة من كبار أعضاء حزب الشعب الجمهوري المعارض، في بيان للبرلمان، إن حزب العدالة والتنمية سيختار كيفية نشر الحراس ويمكن أن يشعروا بأنهم يخضعون لإرادته السياسية، بخاصة خلال فترة ترتفع فيها البطالة.
تركيا أشبه بإيران
وتقول شكرية برادوست، الباحثة الكردية لدى جامعة فيرجينيا، إن أردوغان يحول تركيا إلى إيران ثانية في المنطقة. وتشير إلى أنه بعد استفتاء 2018 الذي غيّر تركيا من نظام برلماني إلى نظام رئاسي، دفع أردوغان تركيا خطوة أقرب إلى نظام استبدادي. ومن خلال هذه المناورة، حصل على سلطات تنفيذية وسياسية إضافية في البلاد، ليصبح هو صانع القرار الوحيد في كل القضايا الرئيسة تقريباً، والعديد من القضايا الصغيرة أيضاً في البلاد.
وتلفت إلى عملية مماثلة حدثت في إيران بعد أن أجرى الحزب الإسلامي استفتاء عام 1979 لتأكيد تمتع المرشد الأعلى بسلطة على جميع السلطات. وعلى الرغم من وجود تحفظات داخل البلدين حول منح القادة الوطنيين الكثير من السلطة الفردية، نجح الزعيمان في التغلب على المقاومة لتعزيز نفوذهما بشكل كبير.
وأضافت، حاول الحزب الإسلامي في إيران بعد الثورة عام 1979 تقليص أو تحطيم الأحزاب السياسية الأخرى من خلال اعتقال أعضائه وإلقاء اللوم عليهم في جرائم مختلفة. وفي سيناريو مماثل، يهاجم أردوغان خصومه في تركيا ويعتقل العديد من المسؤولين المنتخبين.
وأوضحت أنه في أحدث مثال، أسقط البرلمان التركي مطلع يونيو (حزيران) الحالي، عضوية ليلى جوفين وموسى فارس أوغوللاري من حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد الأكراد، وأنيس بربر أوغلو من حزب الشعب الجمهوري المعارض، ثم قامت السلطات باعتقالهم بتهم "واهية" تتعلق بالانتماء لمنظمة إرهابية.
وتشير برادوست إلى أن أحد الجوانب الثابتة للسياسة الداخلية لكلا البلدين، هي المسألة الكردية، التي كانت موجودة منذ قرون طويلة خلال الإمبراطوريتين العثمانية والفارسية. مضيفة "لطالما ابتليت الحقوق السياسية والثقافية، والمطالبات من أجل الاستقلال الذاتي والاستقلال، بأنقرة وطهران". وتلفت إلى أن تركيا تجري عملية تغيير مناهج التعليم المدرسي إلى مفاهيم دينية متشددة ورفع عدد المدارس الدينية التي تعتمد على الوعظ، التي زاد عددها من 450 مدرسة عام 2003 إلى 4500 في 2018.