تثير العمليات العسكرية التركية الأخيرة في الأراضي العراقية، تساؤلات عدة حول دور أنقرة المستقبلي في العراق، واحتمالية ألا تقتصر تلك العمليات على استهداف معاقل "حزب العمال الكردستاني"، بل تتعدى ذلك لتدخل ضمن مساعيها في توسيع نفوذها العسكري وإنشاء قواعد إضافية في البلاد.
وكانت تركيا قد أطلقت، الأربعاء 17 يونيو (حزيران)، عملية "مخالب النمر" عبر الحدود مع العراق، ونشرت قوات خاصة في المناطق الجبلية داخل الأراضي العراقية، الأمر الذي دفع حكومة بغداد إلى استدعاء السفير التركي مرتين، داعية أنقرة "للكف عن الأفعال الاستفزازية".
وقال وزير الدفاع التركي إن "قواته قصفت أكثر من 700 هدف وسيطرت على 150 مغارة لحزب العمال منذ انطلاق العمليات".
موافقة ضمنية
وفيما تواصل تركيا توغلها في مناطق العراق الشمالية، دانت حكومة إقليم كردستان القصف التركي، مطالبةً أنقرة باحترام سيادة أراضيها، فيما دعت حكومة الإقليم عناصر حزب العمال لـ"إخلاء مناطق سيطرتهم وعدم خلق توترات في المناطق الحدودية".
ويرجح مراقبون أن تلك العمليات أتت بموافقة ضمنية من الإقليم وبعلم حكومة بغداد، إذ إن "الحزب الديمقراطي الكردستاني" يعتبر "حزب العمال" أحد أبرز خصومه، إذ لا يعترف بحكومة إقليم كردستان، فضلاً عن تنازعه معها في السيطرة على بعض المناطق التي تعد مناطق متنازعاً عليها بين بغداد وأربيل، وأبرزها قضاء سنجار في محافظة نينوى.
ولعل العلاقة الوثيقة بين "الحزب الديمقراطي" الكردستاني وأنقرة، فضلاً عن العلاقة غير الجيدة بينه وبين "العمال الكردستاني"، السبب الرئيس وراء عدم الاستياء من حكومة الإقليم إزاء الاعتداءات التركية، إذ تتذرع حكومة الإقليم بالاتفاق السابق الذي يخول القوات التركية التوغل 15 كيلومتراً داخل الأراضي العراقية لـ"ردع أي مخاطر تهدد الأمن القومي".
في المقابل، يحاول "حزب العمال الكردستاني" تحشيد المواطنين الكرد، ودعا في بيان صادر عن أحد أجنحته (منظمة المجتمع الكردستاني)، إلى "تصعيد وتيرة المقاومة في وجه العدوان التركي"، بينما اتهم التحالف الدولي والحكومة العراقية بـ "التآمر ضده".
"اتفاق مسبق"
وعلى الرغم من استنكار الحكومة العراقية المتكرر لعمليات أنقرة العسكرية، إلا أن تركيا مستمرة بعملياتها شمال العراق، في حين يرى مراقبون أنها تستغل الظروف الاقتصادية والسياسية والأمنية السيئة للعراق لإنشاء مناطق نفوذ على غرار ما حصل شمال سوريا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي السياق، قال النائب في البرلمان العراقي حنين قدو في تصريحات صحافية إن "صمت حكومة إقليم كردستان وقوات البيشمركة إزاء الاعتداءات التركية الأخيرة على قضاء سنجار، يعود إلى النزاع القائم بين حزب العمال الكردستاني والحزب الديمقراطي، الذي يحاول فرض سيطرته على القضاء"، لافتاً إلى أن "حكومة الإقليم راضية عن تلك الهجمات للسيطرة على قضاء سنجار".
وأضاف أن "صمت الإقليم يشير إلى وجود ترحيب واتفاق مع تركيا على تنفيذ هذه الضربات على عدد من مناطق سنجار"، مبيناً أن "البيشمركة والقوات الأميركية قريبة من قضاء سنجار، ومن المستبعد أن تنفذ تركيا هجوماً من دون الاتفاق عليه مسبقاً".
في المقابل، قال عضو الاتحاد الوطني الكردستاني غياث السورجي، في تصريح صحافي إن "حزبه لا يملك سوى شجب ما يجري"، مشيراً إلى أن "تركيا تقصف مخمور وسنجار وهي مناطق تخضع لسيطرة الحكومة الاتحادية وعلى بغداد حمايتها، وقضية السيادة تتعلق بالحكومة الاتحادية حتى بالنسبة للأراضي التي تخضع لسيطرة إقليم كردستان على اعتبار الإقليم جزءاً من الدولة العراقية".
صمت واشنطن
ولم تتخذ الولايات المتحدة الأميركية حتى الآن موقفاً إزاء التحركات التركية، على الرغم من وجود القوات الأميركية في قواعد عسكرية داخل إقليم كردستان وخارجه، الأمر الذي دفع زعيم "ائتلاف الوطنية" للتساؤل عن سر الصمت الأميركي إزاء الاعتداءات التركية والإيرانية على العراق، داعياً لإقامة شكوى لدى مجلس الأمن.
وقال علاوي في تغريدة على "تويتر"، إن "الولايات المتحدة تقول إنها تريد بناء علاقات استراتيجية مع العراق وتجري اللقاءات والحوارات لأجل ذلك، وإنها حريصة على الأمن والسلم في المنطقة"، مضيفاً "لماذا تلتزم الصمت إزاء ما يتعرض له العراق من اعتداءات تركية أو إيرانية، على الأقل بوصف تركيا عضواً في حلف الناتو؟".
أما المتحدث باسم وزارة الخارجية أحمد الصحاف فأكد، الأحد 21 يونيو (حزيران)، أن "الوزارة ركزت في وثيقة احتجاج شديدة اللهجة سُلمت للسفير التركي، على ضرورة الاحتكام إلى القوانين والأعراف الدبلوماسية الدولية، مشيراً إلى أن التحديات لا يمكن أن تواجه بأعمال عسكرية أحادية الجانب".
وتابع في تصريح للوكالة الرسمية "وزارة الخارجية استدعت السفير التركي لدى بغداد إلى مقرها، وسلمته مذكرة احتجاج شديدة اللهجة، وأعربت فيها عن التأكيد على موقف العراق الثابت والمبدئي في حقه للدفاع عن سيادته ووحدة أراضيه، وكذلك إمكانية الطلب من مجلس الأمن والمنظمات الدولية والحشد الدولي في الوقوف لمناصرة العراق".
وكانت لجنة الأمن والدفاع البرلمانية قد دعت، السبت 20 يونيو، إلى تقديم شكوى لدى الأمم المتحدة ضد هذه الاعتداءات باعتبارها خرقاً للمواثيق الدولية وحسن الجوار بين البلدين، في وقت طالب نواب في اللجنة حكومة بغداد باتخاذ الإجراءات الكفيلة بجعل تركيا تتراجع عن خروقاتها.
إحياء العمق الاستراتيجي التركي
من جانبه، قال الباحث في الشؤون الاستراتيجية أحمد الشريفي إن "الهجوم التركي على حزب العمال الكردستاني مجرد محاولة إيجاد ذرائع للتدخل في العراق وانتهاك السيادة وتحقيق نظرية إحياء العمق الاستراتيجي لتركيا".
وأوضح لـ"اندبندنت عربية"، "عام 1996 دخلت القوات التركية أراضي إقليم كردستان تحت ذريعة الصدام بين الحزبين الكرديين الرئيسيين، وبحجة أنه يشكل تهديداً للأمن القومي التركي، ثم قامت بعد عام 2014 بالدخول بحجة تنظيم داعش وقامت بإنشاء قاعدة عسكرية في مدينة بعشيقة في محافظة نينوى، والآن تستخدم حزب العمال الكردستاني كذريعة أخرى لإنشاء منطقة نفوذ وقواعد جديدة".
ولفت إلى أنه "عام 2023 ستنتهي اتفاقية لوزان، وتركيا تترقب ذلك لأنها تود إلحاق الموصل بأراضيها"، مبيناً أن "ما يجري من عمليات عسكرية تمهيد لضم الموصل وأراضٍ أخرى إلى مناطق النفوذ التركي".
وتابع "هناك رغبة تركية في السيطرة على الهلال النفطي في العراق من محافظة كركوك والموصل وسهل نينوى وصولاً إلى مدينة حلب السورية".
وأشار إلى أن "رفع شكوى للأمم المتحدة من اختصاصات الحكومة العراقية وليس البرلمان"، مردفاً "أمام الحكومة خياران: الأول التحرك للأمم المتحدة ومجلس الأمن، والآخر من خلال رفع دعاوى قضائية للمحكمة الجنائية العليا، على اعتبار أن القضية تتعلق بانتهاكات تركية أدت إلى خسائر في الأرواح والممتلكات".
استغلال الظرف الحالي
"التصرف التركي ليس جديداً، بل سبق أن أسست قواعد لتدريب قوات محلية في الموصل، وتبرر ذلك دائماً بمحاولة دفع الإرهاب عن دخول أراضيها"، بحسب المستشار السابق في وزارة الدفاع العراقية معن الجبوري، الذي أوضح لـ"اندبندنت عربية"، أن "أنقرة تحاول الحد من إمكانات كل الأراضي التي يوجد فيها الأكراد وتعتبرهم يشكلون خطراً على أمنها القومي"، مبيناً أنها "تسعى إلى نقل المعركة مع المقاتلين الأكراد سواء في حزب العمال أو غيره إلى العراق وسوريا".
وتابع "النفوذ الإيراني المتنامي داخل المناطق العربية أعطى رسالة لتركيا بعدم وجود رادع محلي أو إقليمي أو دولي"، مستدركاً أن "تركيا قرأت الموقف الأميركي غير الراغب بالتدخل ما أتاح لها الفرصة بتوسيع نفوذها".
وختم أن "حكومة أردوغان استغلت الظروف السياسية والأمنية والاقتصادية السيئة للعراق للتحرك في هذه الفترة"، مردفاً "النفوذ التركي موجود في مناطق شمال غربي العراق باتجاه الحدود السورية من خلال قواتها المباشرة أو ميليشيات موالية لها".