كتاب صيني جديد يدخل المكتبة العربية في زمن كورونا لكنه لا يرتبط بهذا الوباء الذي انطلق من مدينة ووهان الصينية بل هو يضم مختارات من الحكمة الصينية المتأثرة بالمدرسة الكونفوشيوسية. عنوان الكتاب "مسامرات بجوار الموقد" وصدرت ترجمته عن الصينية في منشورات مؤسّسة الفكر العربي ضمن برنامج "حضارة واحدة"، وهو يجمع المؤلفات الفلسفية المَعنية بتعايش الناس ووجودهم وتعامُلهم مع العالَم. يتألّف الكتاب من 221 حِكمة، هي بمثابة أقوال مأثورة وفلسفية مستوحاة من الحكيم كونفوشيوس. ويُعنى موضوعُها العامّ بتحقيق الطمأنينة والسلام للإنسان، وإرساء مبادئ عملٍ مُشتركة، مبيّناً أهمّية تهذيب الذات وتزكية النفْس، وقراءة الكُتب وتحقيق الطموحات، والقناعة والإيمان وغيرها من نواحي الحياة.
وضع الكتاب الفيلسوف الصيني وانغ يونغ بينغ (1854)، وتحديداً في عصر أسرة تشينغ الملكية، ونقله الى العربية المستشرق وانغ يويونغ (فيصل)، وراجعه البروفسور أحمد عويّز. كان وانغ يونغ بينغ فلّاحاً يعرف القراءة والكِتابة في المجتمع الإقطاعي، يعيش في المرحلة الأخيرة من عصر أسرة تشينغ المَلكية الصينية، التي مرّت بتغيّراتٍ وتقلّبات، وقد شهدَ تحوّل إمبراطورية تشينغ العظيمة من عصر القوّة والازدهار إلى عصر الضعف والانحطاط، وهي ترزح تحت أزماتها الداخلية والخارجية.
يبين الكتاب ما كان ذائعاً في المجتمع من ترفٍ وبذخ، ويكشف عن أنّ تردّي الأوضاع الاجتماعية ناتج عن تدهور الأخلاق ما بين الناس. لقد تميّز المؤلّف ببصيرةٍ ثاقبة تجاه الشؤون السياسية أيضاً، وكان يعيش قلقاً على المُعضِلات المُتفشّية بين المسؤولين الكِبار والصغار، فانتقد المسؤولين المُفسدين، ودعا الأسرة الحاكِمة إلى الإصلاح السياسي وتجديد الأنظمة.
مكارم الأخلاق
وبدا واضحا أن وانغ يونغ بينغ يبدي في كِتابه اهتماماً خاصّاً بقراءة الكُتب ودراسة العلوم وتحقيق الطموحات، وقد أكّد على تأسيس الدراسة على مكارِم الأخلاق، فضلاً عن تفسير بعض الوسائل الفعّالة في قراءة الكُتب ودراسة العلوم. وكان يهتمّ أيضاً بتعليم الناشئة وتربيتهم، ويظنّ أنّ تميّز الإنسان بالأخلاق والمواهب في وقتٍ واحد يتوقّف على دَورٍ كبير يؤدّيه الوالدان. وقد استعان في كِتابه بالأخلاق الكونفوشيوسية، ليشق من نواحي الحياة المتعدّدة سُبلاً إلى إعادة بناء الأخلاق قائلاً: "الصِدقُ هو أساس تعايش الناس، فلا يُمكن للإنسان أن يستغني عنه؛ والغُفران هو جَوهر مُعالجة الأمور، فعلى الإنسان أنْ يعمل به على مدى حياته".
أما في شان بتحقيق الطموحات، فكان المؤلّف يرجو من الناس أن يُحدّدوا أهداف حياتهم قائلاً: "إنّ الأيام تمرّ على الإنسان مرورَ السحاب، فيجب أن تكون لنفسه مواعيد مُحدّدة، يُنجِز بها أهدافَه". فيلزم أن تكون للناس غاياتٌ سامية ومُثل عُليا، إذ إنّ "مَنْ كانت له طموحات لا يُحقِّقها غَيرُه، فلا بدّ من أن تكون له مآثر لا يُحقّقها غَيرُه".
وكان طبيعياً أن يتطرّق بحِكَمِه وأقواله المأثورة إلى أغلب نواحي الحياة الاجتماعية، ويربط ربطاً وثيقاً بين الحياة اليومية والمُثل العُليا، ما جعَل حِكَم الفلاسفة القدامى نابضة بالحيوية والإنسانية،. وكان كِتاب "مُسامرات بجوار المَوْقِد" منذ صدوره لقي رواجاً كبيراً.
وعمد معد الكتاب إلى اختيار ما يقارب 800 حِكمة من 220 كِتاباً لفلاسفةٍ وأدباء مشهورين في العصورالصينية القديمة، التي تبدأ بعصر ما قبل أسرة تشين الملكية، وتنتهي بعصر أسرتَي تشينغ ومينغ الملكيّتَين، وقام بتصنيفها وفق الأفكار الفلسفية.