فتح إعلان وزارة الدفاع الجزائرية عن وفاة عسكري في اشتباك مسلح بين الجيش وإرهابيين بالقرب من العاصمة الجزائر، أبواب المخاوف من عمليات إرهابية انتقامية رداً على مقتل زعيم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي عبد المالك دروكدال، وما زاد من التوجس تصريح الرئيس عبد المجيد تبون بلهجة قوية أنه "لن تذهب دماء العسكري مصطفى ومن سبقوه سدى وسنقضي معاً على بقايا الإرهاب".
تبون يهدد الإرهابيين
ونزل بيان وزارة الدفاع كالصاعقة على الجزائريين الذين عانوا من بطش الإرهاب الهمجي منذ سنوات التسعينيات، وعادت معه مشاهد القتل والتفجير إلى الأذهان، إذ كشفت الوزارة أنه خلال عملية نصب كمين بمنطقة "قعدة الحجر" بمحافظة عين الدفلى بوسط الجزائر، اشتبكت مفرزة للجيش مع جماعة إرهابية مسلحة، مما أسفر عن مقتل عريف. وأضافت أنه "اتخذت مفارز الجيش المشاركة في العملية التي لا تزال متواصلة، كافة الإجراءات الأمنية اللازمة، بهدف تطويق وتمشيط المنطقة وملاحقة هؤلاء المجرمين".
وأكد الرئيس تبون عقب الإعلان عن الخبر، عزم الجزائر القضاء على بقايا الإرهاب. وقال في تغريدة على حسابه "تويتر"، إن "الجزائر فقدت بمقتل العريف زناندة مصطفى، شبلاً من أشبال الأمة ممن سالت دماؤهم في سبيل الوطن ضد الإرهاب الهمجي"، مهدداً أنه "لن تذهب دماء مصطفى ومن سبقوه سدى وسنقضي معاً على بقايا الإرهاب". كما جدد رئيس أركان الجيش بالنيابة اللواء سعيد شنقريحة، حرص قوات الجيش وعزمها على مواصلة مكافحة الإرهاب وكافة أشكال الجريمة المنظمة حفاظاً على الأمن والاستقرار عبر ربوع الجزائر.
همس وتوجس وطمأنة
وفي خضم الحادثة وتصريحات كبار المسؤولين السياسيين والعسكريين، همس الشارع الجزائري يستفسر حول علاقة الحادثة بمقتل زعيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وخطر عودة النشاط الإرهابي في الجزائر. وأوضح المراقب الدولي السابق في بعثة الأمم المتحدة للسلام، الضابط السابق في الجيش الجزائري أحمد كروش، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أن العملية الإرهابية التي تعرضت لها مفرزة الجيش تدخل في سياق ملاحقة المجموعات الإرهابية المتبقية من العشرية السوداء التي تنشط داخل التراب الجزائري في مجموعات صغيرة أو كذئاب منفردة، و"هذا لا يعني عودة الإرهاب بأي شكل من الأشكال إلى الجزائر"، مشيراً إلى أن المتتبع لبيانات وزارة الدفاع يسجل عمليات تحييد لإرهابيين وآخرين يسلمون أنفسهم، إضافة إلى تفكيك جماعات دعم وتدمير مخابئ أسلحة وورشات صناعة قنابل تقليدية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويعتقد كروش أن مثل هذه العناصر لا تشكل تهديداً على أمن البلاد، وهي ملاحقة يومياً من قبل أجهزة الأمن ووحدات الجيش، "فعملية أمس مثلاً كانت نتيجة كمين نصبه عناصر الجيش، وعند الاشتباك قتل الجندي. وعليه، فإن هذه العناصر في وضعية رد الفعل ولم تكن الفاعل"، نافياً أن تكون العملية انتقاماً لمقتل عبد المالك درودكال، زعيم القاعدة في المغرب الإسلامي، لأنه لم يحدث هجوم من قبل الإرهابيين.
وذكر الجيش الجزائري في حصيلته السنوية لعام 2019، أن قواته تمكنت من قتل 15 إرهابياً، وتوقيف 25 آخرين، وسلّم 44 إرهابياً أنفسهم، بينما قضت وحداته خلال مايو (أيار) الماضي على إرهابيين اثنين، فضلاً عن استسلام إرهابي آخر، مع تدمير14 مخبأ للإرهابيين، واسترجاع "7 كلاشنيكوف وبندقية صيد ومسدسين ونظارتي ميدان، 12 مخزن ذخيرة و92 قنبلة تقليدية الصنع و21 لغماً و20 كيلوغراماً من المتفجرات".
تعاون "خفي" لتجنب انتقام إرهابي
وأكد تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، الخميس الماضي، مقتل زعيمه عبد المالك دروكدال، بعد أسبوعين من إعلان فرنسا تصفيته مطلع يونيو (حزيران) الحالي، حيث توعد المدعو أبو عبد الإله أحمد، القيادي في التنظيم، بمواصلة القتال ضد القوات الفرنسية ودول في المنطقة، وهو ما يكشف عن تعاون فرنسي – أميركي - جزائري في عملية تحديد مكان دروكدال في شمال مالي.
وما يؤكد تعاون الجزائر، تأخر السلطات في التعليق على مقتله على الرغم من أنه المطلوب رقم واحد من قبل، وقد أصدر القضاء الجزائري بحقه عقوبة الإعدام مرات عدة بتهم الإرهاب وآخرها عام 2017. وإن كان التخوف من عمليات إرهابية انتقامية أبرز تبرير، فإن تمكن عبد المالك دروكدال من الانتقال من شمال الجزائر إلى شمال مالي "يفضح" التنسيق "الخفي" بين الجزائر ومختلف الأجهزة الاستخباراتية.
وانتظرت الجزائر قرابة الأسبوع حتى يخرج المتحدث باسم الرئاسة محند أوسعيد بتعليق بأن مقتل الجزائري دروكدال، الملقب بأبو مصعب عبد الودود، يندرج في إطار المحاربة الدولية للإرهاب.
وبالنظر إلى ما يحدث في ليبيا من تطورات، يقول الضابط السابق في الجيش الجزائري، أحمد كروش، إن زيادة التسليح في المنطقة وضخ عدد كبير من الإرهابيين، يؤثر في أمن المنطقة، مشيراً إلى أن الإرهابيين يحاولون كل مرة التسلل إلى الجزائر ويعملون جاهدين على أن يكون لهم موطئ قدم مؤثرة، بخاصة أن كل دول الجوار تعاني من الهشاشة الأمنية وغير قادرة على ضبط حدودها.