يبدو أن الانعكاسات المجتمعية لجائحة كورونا على الأسر الجزائرية بدأت تظهر أولى بوادرها مع ارتفاع حالات الطلاق والخلع في المحاكم بسبب الزواج العرفي أو السري، إذ إنّ الحجر المنزلي "فضح" أزواجاً كانوا "يتمتّعون" بزوجة ثانية بعيداً من أعين الأولى، بعدما وجدوا أنفسهم بين مطرقة إهمال الثانية، وسندان التهرّب من الأولى لاسترضاء الثانية.
كورونا يفضح الزواج السري
تفجّرت العلاقات العائلية وبلغت حدّ طلب الطلاق أو الخلع بشكل رهيب جراء توسّع ظاهرة الزواج السري. وفي حين كان الوضع مستتباً ظاهرياً بسبب إجراءات الحجر، غير أن عودة الحياة بشكل تدريجي وفتح المحاكم أبوابها، كشف عن حجم الخطر الذي يهدّد تماسك الأسرة الجزائرية بتسجيل عدد كبير من قضايا طلب الطلاق والخلع.
يعتبر المحامي جمال بوفريدة في حديث لـ"اندبندنت عربية" أن الزواج السري انتعش بعد قانون 2005 الذي يمنع على الرجل تسجيل عقد زواجه بأخرى من دون موافقة الأولى، مبرزاً أن الظاهرة باتت إشكالية تُطرح بقوة في المحاكم بشكل يهدّد المجتمع بسبب انعكاسات الطلاق والخلع على الأبناء.
ويشير إلى أن الحجر المنزلي فضح عدداً كبيراً من الأزواج وفجّر عائلات كانت إلى وقت قريب مستقرة، فالزيجات السرية ضغطت على الأزواج بالحضور والاهتمام، بينما الزوجة الشرعية والقانونية ترفض مغادرته المنزل أمام كل التبريرات "غير المقبولة" التي يقدّمها، لتندلع بذلك مشاجرات كلامية تتحوّل تحت الضغط إلى عنف قد ينتهي في المحاكم.
ويتابع بوفريدة أن مشكلات الزواج العرفي كثيرة و"عالجتُ قضايا عدّة تخصّ ضحايا هذا الزواج"، موضحاً أن "الأبناء لا يشعرون أحياناً بانتمائهم إلى وطنهم، فهم محرومون من حقوقهم المدنية والسياسية، وقبل ذلك محرومون من الالتحاق بمقاعد الدراسة، إذ إنّهم يجدون صعوبة في الحصول على وثائق هوية على غرار بطاقة التعريف ورخصة القيادة وجواز السفر".
جزائريون من دون هوية
وبحسب تقرير الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان، فإن الزواج العرفي بات رائجاً بصورة لافتة، وأضحى عدد كبير من الجزائريين يكتفون بعقد قرانهم بقراءة الفاتحة تحت إشراف إمام المسجد من دون توثيق العقد في الدوائر الإدارية.
وشكّل هذا الزواج إلى جانب أشكال أخرى كزواج المسيار والشغار، نوعاً من أنواع الاضطهاد الممارَس ضد المرأة، كونه لا يضمن كامل الحقوق للزوجة والأبناء. وأرجع التقرير أسباب انتشار الظاهرة إلى العنوسة وأزمة السكن وغيرها من المسوّغات الاجتماعية والاقتصادية والنفسية.
وتتضارب إحصاءات أطفال الزواج العرفي في الجزائر، حيث تتحدث منظمات حقوقية عن أرقام بين 20 ألفاً و45 ألفاً، بسبب النزوع إلى السرية، فيما تحذّر الرابطة الحقوقية من ظهور جيل لمواطنين جزائريين من دون هوية ووصفتهم بـ"القنبلة الموقوتة". وفي هذا السياق، يشير بوفريدة إلى أن التعليمة التي تُوجِب إصدار عقد زواج قبل العقد الشرعي بقراءة الفاتحة التي صدرت عام 2005، لا تطبَّق في ظل غياب صرامة قانونية تلزم الأئمة بالعمل وفقها.
مطالب بمراجعة قانون 2005
في المقابل، يقول المحامي عبد الكريم بن زيدون في حديث لـ"اندبندنت عربية" إن تفشّي ظاهرة الزواج السري وتراكم المشكلات التي يسبّبها، بخاصة لناحية حقوق الأبناء ومستقبلهم وهويتهم، جعل الحقوقيين يثيرون قضية العودة إلى ما قبل قانون 2005 الذي يمنع على الرجل الزواج بأخرى من دون موافقة الأولى، موضحاً أن هذا القانون جاء لإرضاء فئة محدّدة من النساء ومنظمات حقوقية لديها أغراض وأهداف معينة، كما أنه وُضع كهدية تهنئة للنساء عشية 8 مارس 2005، وهو تعديل بأمر رئاسي ولم يمرّ على البرلمان.
ويتّهم بن زيدون الأئمة بتستّرهم على الزواج السري من خلال قبولهم قراءة الفاتحة من دون القيد القانوني، شارحاً أن هؤلاء بتصرّفاتهم يتحايلون على القانون ويشجّعون على التفكّك الاجتماعي والتعدّي على حقوق الإنسان بسبب ضياع حقوق الأبناء.
الزواج العرفي ليس جريمة
من جهة ثانية، لم يعتبر القانون الجزائري الزواج العرفي جريمة، بل يسمح للمتزوجين عرفياً بتثبيت زواجهم لاحقاً أمام الجهات الرسمية والحصول على الدفتر العائلي، إذ تنصّ المادة 22 من قانون الأسرة على أن "يثبت الزواج بنسخة من سجل الحالة المدنية، وإذا لم يُسجّل، يثبّت بحكم قضائي بسعي من النيابة العامة"، وعليه يتّضح من خلال هذه المادة أنه يمكن تدارك عدم تسجيل الزواج أمام ضابط الحالة المدنية باللجوء لاحقاً إلى المحكمة.
ويتم التثبيت بواسطة عريضة مشتركة بين الزوج والزوجة تودَع أمام المحكمة الواقع في دائرة اختصاصها مسكن الزوجية أو أمام المحكمة الواقع في دائرة اختصاصها موطن المدّعى عليه في حالة وجود نزاع بين الزوج والزوجة حول مسألة إثبات الزواج طبقاً للمادة 426 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية .
ويجب على القاضي قبل أن يصدر حكماً يقضي بتثبيت الزواج العرفي التأكد من وجود الأركان الشرعية له والمتمثلة في رضا الزوجين وولي الزوجة والشاهدَيْن والصداق، كما يجب التأكد من خلوّ هذا الزواج من الموانع كالمحرّمات بالقرابة والرضاعة وغيرها.