تحوّلت الجلسة العامة، التي عقدها مجلس النواب، الخميس 25 يوينو (حزيران) 2020، التي كانت مقرّرة لتقييم المئة يوم الأولى من عمر الحكومة ومناقشة برنامج مرحلة ما بعد "كورونا"، إلى جلسة مساءلة لرئيس الحكومة الياس الفخفاخ، بسبب شبهة تضارب مصالح، بين شركة خاصّة يملك الفخفاخ بعض أسهمها، وهي تتعامل مع الدّولة التونسية.
واعترض رئيس الحكومة خلال الجلسة بلهجة حادّة على ما اعتبره "محاولات للطعن في صدقيته"، قائلا إنه "سيستقيل في حال تم إثبات هذه التهم" (تضارب مصالح وفساد). ونفى ما نُسب إليه، مضيفا أنّ "من حق النائب أو الوزير أو المسؤول في الدولة أن يستثمر خارج المسؤولية، وأن تكون له ممتلكات ويُنمّي ثروته بالحلال".
وبينما تمّ تشكيل لجنة برلمانية للتحقيق، في شبهة تضارب المصالح، وفقاً لأحكام الفصل 60 من الدستور، بدأ عدد آخر من النواب جمع التوقيعات من أجل سحب الثقة من رئيس الحكومة.
ووصف النائب عياض اللومي، الملف بـ"فضيحة دولة"، مشيراً إلى وجود صفقات مشبوهة بين الدولة والشركة التي يملك فيها الفخفاخ نسبة من أسهمها.
وكان النائب ياسين العياري نشر، الثلاثاء 23 يونيو 2020، وثيقة من الموقع الحكومي التونسي الخاصّ بالصّفقات العمومية، تثبت حصول شركة (يملك الفخفاخ عدداً من أسهمها) على صفقتين بـ44 مليون دينار (14.6 مليون دولار).
هيئة مكافحة الفساد ستطبق القانون
إثر ذلك، أكّد رئيس هيئة مكافحة الفساد، شوقي الطبيب، في تصريح صحافي أن رئيس الحكومة قام فعلاً بالتصريح إلى الهيئة بمكتسباته، ومن ضمنها مساهمته في بعض الشركات، من دون أن يحدّد مع من تتعامل هذه الشركات، أو من يملك رأس مالها، مضيفاً أن الهيئة لم تكن تعلم أن شركة من التي يملك فيها الفخفاخ أسهماً فيها تتعامل مع الدّولة، وتعقد معها صفقات. وشدّد على أنّ الهيئة ستطبق القانون على رئيس الحكومة، من دون توظيف سياسي أو محاباة أو شيطنة.
وبعد هذا الجدل، أعلن العياشي الهمّامي، الوزير المكلف في العلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني، أنّ رئيس الحكومة تخلى عن أسهمه في الشركة الخاصّة محل الشبهة.
فهل يُطير هذا الملف رأس الفخفاخ وحكومته، أم أنه سيخضع للحسابات السياسية من أجل تحسين شروط التفاوض معه، وتوسيع الائتلاف الحكومي، الذي تطالب به "حركة النهضة" وإلحاق حزب "قلب تونس" بالحكومة؟
عريضة لسحب الثقة
وسط ذلك، أعلن رئيس كتلة "قلب تونس" أسامة الخليفي أنّ حزبه متمسّك بسحب الثقة من الفخفاخ الذي "سيواجه مصيره أمام القضاء".
وأكد رئيس كتلة الإصلاح الوطني، النائب حسونة الناصفي، أن المواقف متجهة نحو سحب الثقة من رئيس الحكومة وأعضاء حكومته، وهو ما يتبناه العديد من النواب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في المقابل، استبعدت "حركة النهضة"، على لسان القيادي فتحي العيادي، الانخراط في سحب الثقة، مشدّداً على أن موقف النهضة من حكومة الفخفاخ لم يتغير، وهو ''دعم الحكومة وضرورة نجاحها في الاستحقاقات السياسية''.
الموقف نفسه تبناه نواب ائتلاف الكرامة، الذين انسحبوا من الجلسة احتجاجاً على الأسلوب الحادّ لرئيس الحكومة، عند مخاطبته النواب الذين اتهموه بتضارب المصالح، إلا أنه استبعد الانخراط مع النواب الرّاغبين في سحب الثقة من رئيس الحكومة.
وبحسب الفصل 97 من الدستور يشترط لسحب الثقة من الحكومة موافقة الأغلبية المطلقة من أعضاء البرلمان (109 نواب).
مناورات سياسية مألوفة
يلاحظ الصّحافي أيمن زمّال، في حديث مع "اندبندنت عربية"، أنّ الساحة السياسية في تونس لم تهدأ منذ الإعلان عن نتائج الانتخابات التشريعية، مضيفاً أن ما أنتجه هذا الاستحقاق الانتخابي، من تشظٍّ واضح وتباين بين مختلف القوى، انعكس على أداء الحكومة التي تعمل من دون قاعدة سياسية صلبة تمكنها من إمرار سياساتها وقوانينها في البرلمان.
وأضاف زمّال أن هذا التباين والاختلاف، الذي يشق الائتلاف الحاكم، دفع بـ"حركة النهضة" إلى المطالبة بتوسيع الائتلاف الحاكم أو تغييره في مرحلة مقبلة.
واعتبر أن الحديث عن سحب الثقة من حكومة الفخفاخ هو مناورة سياسية لمزيد من الضغط على الحكومة وتحقيق مكاسب وتغيير تركيبة الائتلاف الحاكم الحالي خلال الأشهر المقبلة.
ويذكر أن حركة النهضة، دعت منذ أسابيع إلى توسيع الائتلاف الحاكم، وذلك إثر خلاف حادّ وتبادل للاتهامات مع "حركة الشعب" المشارِكة في الحكومة.
واجهت حكومة الفخفاخ الامتحان الأول لها، وهو جائحة كورونا والعمل على التخفيف من تداعياتها، ولئن اعترف العالم بنجاح تعاطي تونس مع هذه الجائحة، إلا أن هذه الحكومة ستواجه امتحاناً أكثر عسراً وهو تداعيات هذه الجائحة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي في ظلّ تنامي الاحتجاجات الاجتماعية، نتيجة تراجع نسبة النمو بشكل غير مسبوق في البلاد، وغياب فرص العمل، إضافة إلى هشاشة الحزام السياسي الداعم لها. وهو ما يجعلها تحت رحمة البرلمان بحساباته السياسية المتغيرة.