واصلت حكومة الوفاق الليبية، في طرابلس، تحديها التحذيرات الدولية من استئناف الأعمال العسكرية في ليبيا، وآخرها ما صدر من واشنطن. وفي تلميح لعزمها القيام بعملية عسكرية تستهدف الجفرة وسرت، كشف المتحدث العسكري باسم قواتها، محمد قنونو، عن "الاستمرار في العمليات العسكرية التسلسلية، التي انطلقت بتعليمات من فائز السراج".
وأشار في تصريح تلفزيوني إلى أن "المقاتلين موجودون على مشارف سرت، وعملياتهم العسكرية تجري على قدم وساق، وكل شيء سيعلن عنه في وقته، لأن العمليات العسكرية، تسير وفق خطط معدة من قبل مختصين".
أضاف "العمليات العسكرية مستمرة، وعناصر استخباراتنا تعمل، وقيادتنا العسكرية تنفذ التعليمات"، نافياً "ما يشاع عن مفاوضات مع الجيش للتوصل إلى حل سلمي".
في الأثناء، وفي سياق التصعيد ورفض الهدنة، صرح عضو المجلس الرئاسي، محمد عماري زايد، "أننا واعون لكل محاولات الالتفاف التي تسعى لها بعض الدول، لإنقاذ قادة الانقلاب وإعادة تدويرهم وتقديمهم كأطراف سياسية، وهم من تورطوا في تدمير البلاد ونسيجها الاجتماعي، خلال السنوات الماضية". ما فُسِّر على أنه إشارة واضحة إلى رفض الانخراط في أي مسار تفاوضي يشمل المشير خليفة حفتر.
تعزيزات جديدة للجيش
في المقابل، يبدو أن قيادة الجيش الوطني الليبي، في بنغازي، تأخذ بجدية تصعيد حكومة الوفاق وأذرعها العسكرية. وقد رفعت درجة التأهب على الخطوط الدفاعية، في وسط ليبيا وجنوبها.
وفي إطار الحرب المعنوية، والرد على التصعيد بمثله، أصدرت شعبة الإعلام الحربي التابعة للجيش، السبت 27 يونيو (حزيران)، شريط فيديو يظهر توجّه تعزيزات عسكرية إضافية إلى المنطقة الوسطى.
وسارت الاستعدادات العسكرية، في معسكر الشرق الليبي، جنباً إلى جنب مع تأكيد جناحه السياسي على التمسك بالخيارات السلمية، والدعوات الدولية لإحياء المسار التفاوضي. وهو ما عبر عنه رئيس لجنة الخارجية في مجلس النواب يوسف العقوري، الذي رحّب بـ"البيان المشترك، الصادر عن فرنسا وألمانيا وإيطاليا، الداعي إلى وقف إطلاق النار الفوري والعودة للحوار السياسي ورفض التدخلات الأجنبية وعمليات نقل السلاح والمقاتلين إلى ليبيا".
وأعرب العقوري عن "حرص مجلس النواب على التنسيق معها، في إطار جهود التهدئة والعودة إلى الحوار السياسي، وفقاً لتوصيات مؤتمر برلين".
مشاورات في روما
في الأثناء، توجه رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، فايز السراج، إلى روما للتباحث مع رئيس وزرائها، جوزيبي كونتي، ورئيسة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، ستيفاني ويليامز، في شأن الخروج من النفق المظلم للأزمة الليبية، عبر العودة إلى المسار السياسي.
ووفق المكتب الإعلامي للوفاق، فإن "السراج وكونتي، اتفقا على تشكيل لجنة لمتابعة عودة الشركات الإيطالية، لاستئناف نشاطها في ليبيا"، وعلى أن "حل الأزمة الليبية لا يمكن أن يكون عسكرياً، وعلى الجميع العمل من خلال مسار سياسي يحقق الاستقرار".
وأعلنت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، على موقعها الرسمي، أن ويليامز التقت السراج في روما و"استعرضا جهود البعثة في المسارات العسكرية والأمنية والاقتصادية، والمساعي التي تبذلها لاستئناف المسار السياسي، نحو تسوية شاملة، تحفظ سيادة ليبيا واستقلالها ووحدتها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعرض اللقاء، وفق البيان، لقضية "المقابر الجماعية، التي تم اكتشافها أخيراً في ترهونة، وسبل التعاون بين الأمم المتحدة والسلطات الليبية لضمان إجراء تحقيق مهني وشفاف في هذا الملف".
وناقش الطرفان "مسألة الألغام والعبوات الناسفة التي زرعت في مناطق عدة، جنوب طرابلس، كانت تسيطر عليها قوات موالية للجيش الوطني الليبي، وأدت إلى وقوع أكثر من 100 ضحية من المدنيين وموظفي إزالة مخلفات الحروب".
وعبرت ويليامز عن "انزعاجها من التقارير التي تفيد بدخول مجموعات جديدة، من المقاتلين من جنسيات عدة إلى حقل الشرارة ومنشآت نفطية أخرى. ما ينذر بتحويل الهلال النفطي إلى منطقة صراع ويلحق أضراراً بالقطاع النفطي، المصدر الوحيد للدخل القومي الليبي".
ومن المتوقع أن يثير بيان البعثة ردود فعل غاضبة، في معسكر الجيش، واتهامات بالانحياز، لعدم تطرقه إلى التدخل التركي وإرسال مقاتلين أجانب وأسلحة إلى ليبيا، وإغفال انتهاكات قوات الوفاق التي رصدتها قوات الجيش، في ترهونة والأصابعة وقصر بن غشير.
فرص السلام قائمة؟
يعتقد الصحافي الليبي عوض البرغثي، في حديث لـ"اندبندنت عربية"، أن "فرصة التسوية السياسية ما زالت ممكنة"، مستنداً إلى "التدخل الواسع للولايات المتحدة في المشهد الليبي أخيراً، وممارستها الضغط على أطراف النزاع".
ويلاحظ أن "التوافق الدولي على الترحيب بالمبادرة المصرية، يكشف رغبةً دولية في أن تكون طاولة الحوارهي الحل. وعلينا انتظار ما سينتج من الجولة الأولى، من الحوار المشترك 5+5، الذي سيحدد بشكل كبير، فرص نجاح المفاوضات، من عدمها".
ويخالف المستشار السياسي السابق لحكومة الوفاق، سامي الأطرش، هذا الرأي. ويعتبر في حديث لـ"اندبندنت عربية"، أن "المناخ السياسي والموقف الميداني حالياً، لا يسمحان بأي هدنة أو وقف لإطلاق النار، من قبل حكومة الوفاق، أو الدخول في أي نوع من التفاهمات". ويشير إلى أن "دخول قوات أجنبية، إلى مواقع استراتيجية ذات حساسية خاصة، مثل حقول النفط، بتشجيع سلطة غير شرعية في الأصل، يجعل إمكانية التفاوض والجلوس إلى طاولة الحوار مستحيلاً، في ظل هذه الظروف، لوجود إشكاليات غاية في التعقيد".
ويدعو إلى الواقعية في قراءة الدور الأميركي في ليبيا، "فالانخراط الأميركي، في الأزمة الليبية، لن يرتفع إلى درجة تصل بنا إلى هذا المستوى من الأماني والتوقعات، قبل الانتخابات الرئاسية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020. ويقول إن "من يملكون القرار الفعلي في الإدارة الأميركية مشغولون بهذه الانتخابات، ما يضعف دور واشنطن في المشهد الليبي في الأشهر المقبلة".