عقد عصر اليوم الإثنين، لقاء بين وزير الخارجية اللبناني ناصيف حتّي والسفيرة الاميركية دوروثي شيا في مبنى الوزارة في بيروت، وذلك بعد استدعاء السفيرة من قبل حتّي نتيجة التصريحات التي أدلت بها في وسائل الاعلام ضد حزب الله.
وبعد انتهاء اللقاء، أشارت شيا إلى أن "اللقاء مع وزير الخارجية كان جيدًا وتبادلنا التأكيد على الاهداف المشتركة للبلدين"، مؤكدة أن "الولايات المتحدة ستستمر بمساعدة اللبنانيين".
واعلنت أننا "تحدثنا بموضوع القرار القضائي الجديد ولقد طوينا الصفحة، والاهم اليوم هو التركيز على الوضع الاقتصادي المتدهور في لبنان".
وبالتزامن، نفذ عدد من المواطنين وقفة احتجاجية أمام الوزارة، رفضاً لتصريحات السفيرة وسط انتشار كثيف لعناصر مكافحة الشغب.
واعتبر المتظاهرون، أننا "لا ننتظر دروساً من الولايات المتحدة الشريكة في الحصار الاقتصادي على لبنان".
السفارة الصينية
وفي وقت لاحق، صدر عن السفارة الصينية لدى لبنان بياناً بشأن تصريحات السفيرة الأميركية في بيروت وتحديداً "حول تعاون الصين مع الدول الأخرى".
وأكد البيان الصيني أن بكين "كانت تقوم بالتعاون مع الدول النامية بموجب مبدأ احترام سيادة الدولة والقواعد الدولية، كما تعزيز التعاون الدولي لمكافحة الفساد. ليس للقروض الصينية ذات الصلة أي شروط سياسية. في المناطق والبلدان التي ذكرها الجانب الأميركي مراراً وتكراراً للتلاعب بالأمر، فنسبة صغيرة من ديونها تكبدتها مشاريع التعاون مع الصين ولم نسمع أبداً عن وقوع أي دولة في "أفخاخ الديون" بسبب التعاون مع الصين. بدد قادة كل من سريلانكا وجيبوتي مزاعم ما يسمى "فخاخ الديون الصينية". إن هذه البلدان النامية هي في أفضل موقع للحكم على آثار تعاونها مع الصين".
وأضاف البيان "نأمل أن تتمكن الولايات المتحدة من النظر إلى تعاون الصين مع الدول الأخرى بطريقة صحيحة وموضوعية. على الجانب الأميركي على الأقل التوقف عن عرقلة الآخرين عن مساعدتهم لهذه البلدان النامية، في الوقت التي تخدم فيه احتياجاتها السياسية الخاصة على حساب مصلحة البلدان النامية".
بداية التوتر
التوتر الدبلوماسي بدأ يوم السبت 27 يونيو (حزيران) عندما أصدر قاضي الأمور المستعجلة في قضاء صور جنوب لبنان، محمد مازح قراراً بمنع وسائل الإعلام اللبنانية من نشر تصريحات السفيرة الأميركية، ومنعها من الإدلاء بتصريحات بحجة أنها تدخل في الشؤون اللبنانية الداخلية؟
فالخطوة التي أثارت الاستهجان وبدت في البداية أنها زوبعة في فنجان نظراً إلى مخالفتها القوانين والأعراف المرعية، لا سيما اتفاقية فيينا التي ترعى أوضاع البعثات الدبلوماسية في الدول المنتدبة إليها وتمنحها الحصانة الواضحة، سرعان ما تدحرجت نحو توتر سياسي لبناني داخلي وارتباك وتخبط واضحين داخل الحكومة التي لحزب الله النفوذ الأقوى فيها من جهة، ونحو تصعيد المواجهة الكلامية بين الولايات المتحدة الأميركية والحزب في سياق تصاعد ضغوط واشنطن على إيران، من جهة ثانية.
فما قالته السفيرة شيا سبق لأفرقاء لبنانيين أن اتهموا الحزب به وبالمساهمة في التسبب بالأزمة الاقتصادية عبر خياراته الإقليمية وتدخله في عدد من الدول العربية، الأمر الذي حجب عنه المساعدات المالية فضلاً عن اتهام أكثر من فريق الحزب بأنه يحمي التهريب من لبنان إلى سوريا، لا سيما المواد المستوردة المدعومة من الخزينة اللبنانية، ما يستنزف ما تبقى في مصرف لبنان من عملة صعبة في ظل الشح الذي يعانيه البلد بمخزون الدولار.
"يا لها من فوضى" واللعب بالجسم القضائي
انعكس قرار القاضي مازح تشتتاً في ردود الفعل اللبنانية، فتارة سُرِّبت معلومات عن إحالته إلى التفتيش القضائي نظراً إلى مخالفته القوانين، وأخرى ينفي المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات أن يكون طلب إحالته، بينما ترددت معلومات عن أن رئيس التفتيش القضائي هو الذي استدعاه للتحقيق. وعلى مستوى وزارة الخارجية استدعى وزير الخارجية ناصيف حتي السفيرة شيا للاجتماع إليها الإثنين 29 يونيو لمساءلتها عن تصريحها الذي هاجمت فيه "حزب الله" واتهمته بالتسبب بالأزمة الاقتصادية المالية التي تتعمق يومياً بحكم القفزات المتسارعة لسعر الدولار وارتفاع الأسعار. لكنه عاد وأوضح أنه لم يعلن ما الذي سيقوله لها عندما سيجتمع بها.
كانت شيا قالت لقناة "الحدث" مساء الجمعة 26 يونيو، "لدينا قلق بالغ من حزب الله وهو بنى دولة داخل الدولة استنزفت لبنان وكلفت الدولة اللبنانية مليارات الدولارات التي ذهبت لدويلة حزب الله بدل الخزينة الحكومية". وهي عبارات لم يتوقف المسؤولون الأميركيون عن تردادها في السنوات الأخيرة بموازاة موجات العقوبات التي يفرضونها على الحزب والمتعاملين معه باعتبار أن واشنطن تصنفه منظمة إرهابية ويكرر ديبلوماسيوها هذه الصفة في مواقفهم سواء على لسان سفرائهم في بيروت أو حين يزورها مسؤولو الخارجية.
ولعل أبلغ تعبير عن الاضطراب الذي حكم مؤسسات السلطة اللبنانية ما غرد به رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط قائلاً، "يا لها من فوضى في القضاء والخارجية والمالية والإدارة... القضاء يسير على خطى المهداوي (محاكمات الشيوعيين العراقيين الميدانية والعشوائية في الخمسينيات) كمقدمة لنظام شمولي... وفي الخارجية الوزير يذكرنا بوليد المعلم" (وزير الخارجية السوري).
البطريرك الراعي يستغرب وحمادة يلفت
وقال عضو "اللقاء النيابي الديمقراطي" النائب مروان حمادة لـ "اندبندنت عربية"، إن خطوات كهذه تأخذ البلد إلى مكان "جهنمي"، معتبراً "أنهم يلعبون بالجسم القضائي من خلال هذا القرار، خصوصاً مع تهديد القاضي المعني بالتمرد على أي إجراءات في حقه. وهذا يضاف إلى رفض رئيس الجمهورية ميشال عون توقيع مرسوم التشكيلات القضائية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويلفت حمادة في سياق الحديث عن تفاقم التأزم السياسي وتردي الوضع الاقتصادي إلى أن الحلول باتت صعبة في البلد إلى درجة أن البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي ناشد في عظته الأحد رئيس الجمهورية "التعويض عن غياب الشراكة الوطنية والتنوع السياسي في لقاء بعبدا (الأسبوع الماضي)، الإعداد لمؤتمر وطني شامل بالتنسيق مع دول صديقة تمكّن لبنان من مواجهة التحديات ومصالحة ذاته مع الأسرتين العربية والدولية قبل فوات الأوان". ففي هذه الدعوة إيحاء بأن الفكرة هي الدعوة الى مؤتمر دولي حول الحلول المطلوبة للبنان وعدم الاكتفاء بالجهود المحلية.
وكان البطريرك الراعي قال في عظته "أسفنا جداً لأن يصدر بالأمس حكم قضائي مستغرب يمنع شخصية ديبلوماسية تمثل دولة عظمى، من حق التعبير عن الرأي، ويمنع جميع وسائل الإعلام من إجراء أي مقابلة معها لمدة سنة"، واستغرب أن "يصدر القرار في يوم عطلة وخلافاً للأصول القانونية مشوهاً صورة القضاء اللبناني ومخالفاً الدستور وناقضاً المعاهدات الدولية، فاقتصر الاستنكار والتصويب".
تبني "حزب الله" ورد السفيرة شيا
لم يترك الحزب مجالاً للشك في أنه يقف خلف خطوة القاضي مازح الذي اعتبر بعض الوسط السياسي المعارض للحزب أنها "مزحة ثقيلة"، فأعلن في بيان لـ "تجمع المحامين" في الحزب مساء السبت على إثر الضجة التي استهجنت القرار، أنه "يرحب ويثني على القرار الصادر باسم الشعب" عن القاضي مازح، معتبراً أنه "تدبير رادع لشيا ومنعها من الإدلاء بتصريحات لزعزعة الاستقرار في الوطن". ورأى أنه "قرار قضائي وطني مشرف". ودان "التجمع" ما وصفه "بالإهانات والتدخلات الوقحة" للسفيرة، متهماً إياها بأنها "خرقت الأعراف والمواثيق التي ترعاها اتفاقية فيينا للعلاقات الديبلوماسية في المادة 41 منها التي توجب على الدبلوماسي احترام قوانين الدولة كما توجب عدم التدخل في شؤونها الداخلية". ورأى التجمع أن وصف شيا الحزب بالإرهابي "إهانة وعدوان على الشعب اللبناني وشهدائه وجرحاه وتضحياتهم بسبب سياسات الولايات المتحدة". وطالب باعتذار السفيرة. وكرت سبحة تصريحات من نواب في الحزب تهاجم السفيرة شيا وتتهمها بالتدخل في الشؤون الداخلية.
لكن السفيرة شيا لم تسكت عما حصل فأدلت بتصريحات عدة لوسائل إعلام لبنانية وعربية متلفزة تأكيداً منها على أنها لن تلتزم قرار القاضي مازح وتأكيداً من وسائل الإعلام أيضاً التي ساءها قراره ورفضته بشدة. وقالت شيا "يحاولون إسكات الإعلام في بلد معروف بحيوية الإعلام وهذه الخطوات المثيرة للشفقة تحصل في بلد مثل إيران لا لبنان". وقالت لقناة "الحدث"، "لم أتصور أن ينتج من حديثي معكم كل هذا الجنون". وقالت في تصريح آخر "سمعت من الحكومة بأنها ستتراجع عن إسكات الإعلام". كما قالت إنها كانت تعتقد بأن التركيز في لبنان كان على كيفية تأمين الخبز للبنانيين.
الإرباك الحكومي وترقب العقوبات الجديدة
في المقابل، تسلسلت المواقف الحكومية المربكة في شكل زاد من غموض الموقف الرسمي بين رفض القرار أو خضوع السلطات الحكومية لضغوط من "حزب الله". فمع تسريب معلومات عن أن نائبة رئيس مجلس الوزراء وزيرة الدفاع زينة عكر اتصلت بالسفيرة شيا واعتذرت عن القرار الذي صدر عن القاضي مازح، نشطت الاتصالات بين "حزب الله" والمراجع الحكومية، فأعلنت وزيرة الإعلام منال عبد الصمد أن حرية الإعلام مضمونة ويحق للإعلاميين ممارسة عملهم، تبرعت بالقول إن رئيس الحكومة حسان دياب أبلغها بأنه لم يكلف أحداً الاعتذار من السفيرة شيا. كما قالت إن معالجة ذيول القرار من اختصاص وزير الخارجية. والأحد اضطرت الوزيرة عكر التي تتمتع بصداقة شخصية معروفة مع السفيرة الأميركية السابقة والحالية، إلى "تسريب" توضيح تنفي فيه اعتذارها من السفيرة شيا وأنها لم تتدخل بالموضوع وأن الموضوع في عهدة وزير العدل.
ويدعو متابعون لتفاصيل العلاقات الأميركية -اللبنانية إلى ترقب الرد الأميركي على هذه الخطوة، خصوصاً أنها تدحض كل تصريحات النفي التي تصدر عن "حزب الله" بأن الحكومة ليست حكومته. وهي خطوة قد تسرّع في دفعة العقوبات الجديدة التي وعدت واشنطن بالإعلان عنها قريباً سواء في إطار قانون "قيصر" أو في إطار قانون تجفيف مصادر تمويل الحزب.