في الوقت الذي تتفاقم أزمات البطالة والتضخم والعملة والفقر، كشفت وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي في حكومة السودان الانتقالية، عن التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي بشأن برنامج مشترك يفتح أبواب التمويل والاستثمار الدوليين في القطاعات الإنتاجية، والبنى التحتية، وخلق فرص العمل للمواطنين خصوصاً الشباب، وتعزيز جهود مكافحة الفساد والحكم الرشيد.
وأكدت وزارة المالية السودانية، أن التوصل إلى حلول جذرية للأزمات الاقتصادية العميقة التي تواجه الشعب السوداني هي الأولوية القصوى للحكومة الانتقالية، مشيرة إلى أن الأزمات الاقتصادية الهيكلية تأتي كنتيجة حتمية لسوء إدارة النظام السابق، التي أدت إلى ارتفاع معدلات التضخم وانخفاض دخل المواطنين وزيادة الفقر وجعلت الاقتصاد يعاني من عجز تجاري وضريبي هائل، خصوصاً بعد جائحة كورونا التي جعلت الوضع أكثر سوءاً.
ووفق البيانات المتاحة، فقد انكمش الاقتصاد السوداني بنسبة 2.5 في المئة خلال عام 2019، ومن المتوقع أن ينكمش بنسبة 8 في المئة بنهاية العام الحالي بسبب جائحة كورونا، ما أدى إلى ارتفاع التضخم ليتجاوز 100 في المئة، بالإضافة إلى بلوغ مستوى الدين الخارجي للبلد الأفريقي مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي نحو 190 في المئة، وهو من بين أعلى المعدلات في العالم، ما يمنع السودان من الانتفاع من التمويل الدولي للمشروعات الإنتاجية والتنموية.
أزمات صعبة للغاية وحلولها ليست سهلة
وفق تقرير حديث، أشارت وزارة المالية إلى أن علاج مثل هذه المشكلات المستفحلة في اقتصاد البلاد سيكون صعباً للغاية خصوصاً في المرحلة الأولى، لكنه ضروري جداً لاستقرار الاقتصاد وتحقيق متطلبات ثورة ديسمبر (كانون الأول).
وأكد التقرير أنه على الرغم من التحديات الكبيرة الماثلة وصعوبة المشوار في الفترة المقبلة، فقد شرعت الحكومة الانتقالية في العمل بشكل عاجل على حل هذه الأزمات الاقتصادية لكي تضع السودان على الطريق الصحيح نحو تحقيق الاستقرار والنمو الاقتصادي لكي يستفيد كافة الموطنين بموارد السودان الوفيرة ويتحقق لهم العيش الكريم.
وتطرق إلى جهود الحكومة الانتقالية وما أنجزته لجنة إزالة التمكين المستمرة لمكافحة الفساد وإعادة الأصول المنهوبة إلى الشعب، وإصلاح الأجور في القطاع العام، وإنشاء بورصة للذهب ومحفظة للسلع الاستراتيجية.
وشددت "المالية" على مواصلة الحكومة جهودها في ترشيد المؤسسات المملوكة للدولة والتأكد من ولاية وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي على المال العام، وإنشاء وكالة التحول الرقمي لتقديم الخدمات الحكومية بكفاءة وشفافية ودعم النهضة الزراعية والصناعية في البلاد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكشفت عن إعلان الحكومة الانتقالية وبعد التوصل لبرنامج اقتصادي لمعالجة التشوهات الهيكلية في اقتصاد البلد بطريقة جذرية. وتحقيقاً لهذا الهدف، تم التوصل مع صندوق النقد الدولي إلى اتفاق بشأن برنامج مشترك سيستغرق 12 شهراً. وبمجرد اكتمال البرنامج، فإنه سيفتح الأبواب أمام التمويل والاستثمار الدوليين في القطاعات الإنتاجية، والبنى التحتية، وخلق فرص العمل للمواطنين خصوصاً الشباب، وإلى جانب عزيز جهود مكافحة الفساد والحكم الرشيد.
وأضافت أن البرنامج المتفق عليه مع صندوق النقد، سيمهد الطريق لتسوية متأخرات السودان لصندوق النقد والبنك الدوليين وبنك التنمية الأفريقي، وأيضاَ إعفاء الديون في نهاية المطاف من خلال مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون.
اتجاه لتعزيز الإنفاق على الخدمات العامة
التقرير أشار إلى أن البرنامج المتفق عليه بين الحكومة الانتقالية وصندوق النقد الدولي مدعوم بميزانية جديدة ستركز على زيادة الإنفاق على الخدمات العامة، واستعادة مهنية الخدمة المدنية، ورفع جودة المؤسسات الحكومية، والاستثمار في مشروعات بناء السلام، خصوصاً في الولايات المهملة والمهمشة.
وأوضحت أن هذا البرنامج سيدعم جهود الحكومة في إعادة الإنفاق الحكومي للقطاعات المهمة وذات الطابع الاجتماعي كالصحة والتعليم والتنمية الاجتماعية بدلاً عن طريقة إنفاق النظام السابق التي كانت غير مستدامة وغير مرشّدة وأدت إلى زيادة معدلات التضخم وتهريب السلع الاستراتيجية، والعديد من الأزمات التي يشهدها الشعب السوداني حالياً.
كما سيدعم البرنامج جهود الحكومة لتثبيت الأسعار الأساسية بما فيها سعر الصرف بطريقة تدريجية لخلق حوافز للتحويلات من الخارج لتتدفق عبر القنوات الرسمية بدلاً عن السوق الموازية، ما سيؤدي إلى تغذية بنك السودان المركزي بالعملات الصعبة واستقرار الجنيه السوداني في نهاية المطاف، بحسب وزارة المالية.
جهود مكافحة الفساد
وأكد التقرير أن جهود الحكومة الانتقالية لمكافحة الفساد وزيادة الشفافية ستكون أساسية في برنامجها الإصلاحي المتفق عليه مع صندوق النقد الدولي، كما أن الحكومة ستقوم بتمرير قانون مكافحة الفساد وتعمل على إنشاء لجنة دائمة وفعالة لمكافحة الفساد وإصلاح البيئة للاستثمار والأعمال التجارية المحلية والدولية. ومن المقرر أن تقوم الحكومة بإعداد ونشر قوائم حصر لجميع الشركات المملوكة للدولة، بما في ذلك تلك التي تشرف عليها وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي والوزارات الأخرى والأجهزة الأمنية والنظامية.
وأشار التقرير إلى أنه على المدى القصير وتحديداً خلال الأشهر الست المقبلة، ستصدر الحكومة الانتقالية مراسيم تضمن الملكية والرقابة الكاملة والشفافية على جميع المؤسسات المملوكة للدولة، وهذا سيضمن أن الإنفاق الحكومي سيتجنب التدخل السياسي وتضارب المصالح في إدارة ومراقبة الشركات المملوكة للدولة.
تعديل قانون البنك المركزي
وسيشمل برنامج الحكومة المتفق عليه مع صندوق النقد الدولي في الفترة المقبلة تعديل قانون بنك السودان المركزي لتكريس استقلاليته ، مع تعزيز قدرة البنك المركزي على التركيز على استقرار الأسعار والتأسيس لوضع نظام مصرفي فعال يتماشى مع أولويات الدولة ومصلحة المواطنين برأسمال متكامل.
وبالإضافة إلى ذلك، ستشرع الحكومة في تنفيذ برنامج لدعم الأسر السودانية في أثناء المرحلة الانتقالية، وهو برنامج تحويل نقدي مباشر يمر بمرحلته التجريبية حالياً، وسيتم توسيعه ليشمل 80 في المئة من الأسر بحلول أوائل العام المقبل.