بدأت تجربة ديان آبوت مع العنصرية في ويستمنستر فور انتخابها لمقعد برلماني أواخر ثمانينيات القرن الماضي. وتقول لصحيفة "اندبندنت" إنهم "كانوا يخلطون بيني وبين دون باتلر حين لم يكن سوانا أنا ودون هناك".
"كانوا ينادون كل واحدة منّا باسم الأخرى. والرسالة المبطّنة هي أنك لست سوى شخص أسود آخر ولن نزعج أنفسنا في محاولة التمييز بينكما".
ومع أنّ لدى أبوت، وهي وزيرة الداخلية السابقة في حكومة الظل، خبرة لجهة التعرّض للإساءة والاعتداءات، فهي تقول إنّ حكومة "مستعدة للعب ورقة العرق"، إضافةً إلى تصاعد موجة هائلة من التنمّر الإلكتروني من متنمّرين مجهولي الهوية، يفاقمان معاً الوضع سوءاً.
شكّلت آبوت هدفاً للإساءة على امتداد مسيرتها المهنية كنائب عن حزب العمّال التي بدأت قبل 33 عاماً. فمنذ اللحظة الأولى التي وطأت فيها أروقة ويستمنستر عام 1987 باعتبارها أول سياسية سوداء تُنتخب لاحتلال مقعد في مجلس العموم. وكان ضمن دفعة النواب الجدد ذلك العام بيرني غرانت وبول بوتينغ، أول نائبين من السود، وكيث فاز، أول نائب آسيوي منذ عام 1929.
وتقول "لم يكفّوا عن الخلط بين بيرني وبول وكيث"، مضيفةً "لا يمكن أن تجد ثلاثة رجال أكثر اختلافاً من حيث الشكل. لكنهم اعتادوا أن يخلطوا بينهم دائماً، علماً أن التشابه إذا كان موجوداً لدى أحد، فهو يتجلّى بوضوح بين هؤلاء النواب البيض. وهم غالباً ما يحملون الاسم ذاته. جون فلان أو علّان. لكنهم لا يخلطون بين بعضهم بعضاً أبداً. بل يخلطون بين النساء ذوات البشرة السوداء. وقبل ثلاثين عاماً، كانوا يخلطون بين الرجال السود الذين لا يشبهون بعضهم بعضاً إطلاقاً".
ما زالت هذه القضايا تلقي بظلالها البشعة على ويستمنستر. وذكرت دون باتلر، نائب حزب العمّال عن دائرة برينت، في وقت سابق حادثة حصلت معها داخل مصعد مخصّص للأعضاء فقط، حين قال لها أحد النواب الذي فضّلت عدم الكشف عن اسمه "هذا المصعد غير مخصّص لعمّال النظافة في الحقيقة".
وفي يناير (كانون الثاني)، تكلّمت نائبتان بشرتهما سوداء انتُخبتا حديثاً عن تعرّضهما للخلط بينهما وبين شخصيات سياسية أخرى وموظفات في البرلمان. اتهمت أبينا أوبونغ أساري، وهي نائب حزب العمّال عن دائرة إريث وثيمزميد، نائباً عن حزب المحافظين بأنه ناولها حقيبته وطلب منها الاعتناء بها لأنه لم يدرك أنها زميلته في مجلس العموم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من ناحيتها، تعرّضت آبوت، التي مثّلت هاكني نورث وستوك نيوينغتون نصف عمرها، إلى العنصرية ليس داخل مجلس العموم في ويستمنستر فقط بل على وسائل التواصل الاجتماعي، وعبر الرسائل البريدية والإلكترونية أيضاً. وكانت السيدة، 66 سنة، هدفاً لنصف مجموع التغريدات المهينة تقريباً التي تلقّتها النواب النساء في الفترة السابقة للانتخابات العامة عام 2017، كما كان نصيبها من الإساءة عشرة أضعاف ما تعرّضت له أيّ نائب أخرى، حسبما كشفت دراسة سابقة أجرتها منظمة العفو الدولية.
وفي اتصال هاتفي، أجرته "اندبندنت" معها في منزلها في هاكني، تقول آبوت "استمر ذلك المستوى من الإساءة على المنوال ذاته. لا أقرأ كل ما يُكتب على تويتر بالحرف لكنني أتصفّح الموقع. وإن قرأتُ كل الجمل المسيئة، سيلحق هذا الأمر ضرراً كبيراً بصحتي العقلية. لكنني أرى بعض الإساءات وهي مريعة... أتلقّى باستمرار تهديدات بالقتل. نبلغ الشرطة عنها. لكن من الصعب تحديد هوية الأشخاص وملاحقتهم قانونياً لأنهم غالباً ما يغرّدون تحت اسم مستعار عبر حسابات غير بريطانية. ولهذا علينا وضع حدّ لإمكانية إخفاء الهوية إلكترونياً. يجب أن تحصل المنصات التي ينشرون كلامهم عليها على أسمائهم وعناوينهم".
وأوضحت أنّ الإهانات العنصرية اللاذعة التي تطالها إلى جانب أخريات من صاحبات البشرة السوداء زادت سوءاً بعد اندلاع احتجاجات "حياة السود مهمّة" مع أنّها تأتي "من قاعدة عالية جداً" بالفعل.
وأضافت "هناك طيف. في أحد طرفيه أشخاص يرسلون إليّ بريداً إلكترونياً وتغريدات أو يختارون فيسبوك ليهدّدوني بالقتل أو يكتبون لي إهانات عنصرية عامة. وفي الطرف الآخر من الطيف حزب محافظين وهو على استعداد فعلياً أن يلعب ورقة العرق".
"هذا ما رأيناه عام 2017، حين دفعوا الكثير من المال لقاء إعلانات على فيسبوك وضعوا فيها صورتي أنا وجيريمي. أحضروا صوراً عدّة لي وجعلوني أبدو بمظهر الداعمة لداعش وهذا النوع من الأمور. لذا في أحد طرَفَيْ الطيف لدينا إهانات عنصرية فجّة تماماً، لكننا رأينا بلا شك عام 2017 كيف لعب حزب المحافظين ومعلّقوه على الوتر نفسه والتنميط نفسه للسود لكن بطريقة أذكى".
احتشد عشرات الآلاف من المحتجّين في كل مناطق المملكة المتحدة خلال الأسابيع الماضية للإعراب عن رفضهم لوحشية الشرطة والعنصرية المؤسسية في أعقاب مقتل جورج فلويد أثناء احتجازه على يد الشرطة الأميركية.
وتقول إن حركة "حياة السود مهمة" اكتسبت زخماً هنا أيضاً ليس فقط بسبب المخاوف ذاتها إزاء الوحشية المؤسسية. وتضيف "لا يقتصر الموضوع على السلطات المسيئة التي تتمتع بها الشرطة ووفاة الناس أثناء احتجازهم، بل ينسحب أيضاً على حصيلة الوفيات بسبب كوفيد-19 غير المتكافئة. ويتعلّق كذلك بالانطباع الذي يعطيه بوريس جونسون بأنه لا يكترث فعلياً. فتح تحقيقاً لم يقدّم أيّ حلّ يُذكر. ويعتقد الناس أنه لا يكترث. حسناً، إنه لا يكترث".
يُذكر أن الحكومة تعرّضت لانتقادات مستمرة بسبب تعاطيها مع عدم التكافؤ الكبير بين الوفيات في صفوف الأشخاص من بيئة السود والآسيويين والأقليات العرقية (بايم) جرّاء كوفيد-19، وبين عدد أعضاء هذه المجموعات. وأعرب المنتقدون عن غضبهم الشديد من التأخير الكبير في إطلاق تقرير يتناول معدلات الوفيات بفيروس كورونا ودانوا فشل الحكومة الأوّلي في وضع أي توصيات من أجل معالجة هذا الموضوع.
كما قلّل نائب حزب العمّال ديفيد لامي من أهمية الخطة التي أعلنها رئيس الوزراء أخيراً بشأن إجراء تحقيق جديد في عدم المساواة بين الأعراق، معتبراً أنّها "وُضعت على عجل ومن دون تفكير متعمّق".
وأعربت آبوت عن خشيتها من أن ترتدع النساء عن دخول مجال السياسة بسبب انتشار الإساءات وحدّتها ضد النواب النساء، مضيفةً أن هذا الموضوع ينطبق بشكل خاص على ذوات البشرة السوداء. وكان تقرير أعدّته منظمة العفو الدولية عام 2018 قد خلُص إلى أنّ النساء السوداوات يُذكرن أكثر من صاحبت البشرة البيضاء في التغريدات المسيئة بنسبة 84 في المئة، بينما أشارت بعض النساء النواب بوضوح إلى أنّ تعرّضهن للمضايقات الإلكترونية دفعهن إلى الاستقالة قبل انطلاق موسم الانتخابات العامة السنة الماضية لأنهن لم يرغبن في إعادة ترشيح أنفسهن.
وقالت آبوت إن مقتل زميلتها النائب في حزب العمّال جو كوكس، التي أُرديت بالرصاص وطُعنت بوحشيّة على يد شخص يمينيّ متطرّف داخل دائرتها الانتخابية في باتلي وسبين عام 2016، جعلها تخاف أكثر على سلامتها الشخصية.
وتضيف "تلقيت الإهانات والإساءات طوال مسيرتي المهنية في حقل السياسة أي أكثر من 30 عاماً. في البداية، كتب الناس الرسائل. وزاد عددها بشكل هائل عندما تحوّل العالم إلى الفضاء الإلكتروني. وعندما كانت تصلني رسائل بريدية أو إلكترونية مسيئة من الناس، كنتُ أقول إن ذلك لن يحدث أبداً، ثمّ قتلوا جو كوكس وبدأتُ أفكّر بأنه قد يحدث. جعلني مقتل جو كوكس أشدّ حذراً. ويمكن للإساءة أن تكون محزنة لأن هدفها إضعافكم".
تكلمت آبوت سابقاً عن مناداتها باستمرار بعبارة "الزنجية" التي تُعتبر شتيمة وتلقّيها تهديدات بالاغتصاب عبر الإنترنت، إضافةً إلى تلقّيها مئات الرسائل العنصرية يومياً، التي يحمل بعضها شعار الصليب المعقوف النازي أو صوراً للقردة أو الغوريلا.
وتقول إنّ الهجوم العنصري الذي يستهدفها قد أطلّ برأسه الكريه مرة أخرى في ظلّ المناخ الذي أوجدته حكومة المحافظين التي تعيش حالة من النكران بشأن وجود تمييز عنصري مؤسسي متأصّل داخل سلك الشرطة وأجهزة خدمات الهجرة ونظام العدالة الجنائية.
وتردف "بشكل عام، حزب المحافظين يعيش حالة من النكران بشأن العنصرية المؤسسية الموجودة في صفوف قوى الشرطة. وقد تراجع بعض الشيء. من باب إنصاف تيريزا ماي، يجب القول إنها كانت مقتنعة بوجود مشكلة في صلاحيات الإيقاف والتفتيش وحاولت ربطها بضرورة مراعاة الأصول القانونية، لكن حزب المحافظين رفض مقاربتها. أنا لا أقول إن تيريزا ماي ثوريّة مذهلة لكنها فهمت مشكلة الإيقاف والتفتيش. بريتي باتيل لا تؤمن بأيّ من هذه الأمور".
وتخصّص آبوت بعض النقد اللاذع لمسألة تعاطي باتيل، وزيرة الداخلية الحالية، مع العلاقات العرقية. وفي وقت سابق من الشهر الحالي، انضمّت إلى 32 نائباً عن حزب العمّال من خلفية "بايم" BAME اتّهموا باتيل بمحاولة إسكات النقاش "من خلال استغلال تراثها وتجاربها مع العنصرية بغية التشكيك بتجربة العنصرية الحقيقية للغاية التي يعيشها السود ومجتمعاتهم في المملكة المتحدة".
وتتابع آبوت "هي (باتيل) لم تعطِ المجتمع الأسود الانطباع بأنها تفهم أو تأبه بالعنصرية المؤسسية بشكل عام أو داخل سلك الشرطة أو أجهزة خدمات الهجرة بشكل خاص".
وترى أنه "عندما خرجوا في تظاهرة حياة السود مهمة وأسقطوا تمثالاً في بريستول، بدت وكأنّ موضوع إتلاف تمثال يهمّها أكثر من تاريخ تجارة العبيد عبر الأطلسي. لديك من ناحية تمثال معطوب، ومن ناحية أخرى، لديك مئات الآلاف من السود الذين فقدوا حياتهم وعانوا بسبب تجارة العبيد".
يُشار إلى أن باتيل اتهمت يوم الأحد مجموعة النواب العمّاليين، ومنهم آبوت نفسها، بالـ"عنصرية" لأنهم عارضوا تعليقاتها بشأن تجاربها الشخصية مع التمييز العنصري. وقالت الوزيرة في لقاء لها مع برنامج "صوفي ريدج أون صنداي" الذي تبثّه محطة سكاي نيوز "من الواضح أنّ موقفهم هو أنني لا أناسب فكرتهم المسبقة أو رأيهم النمطي عن المبادئ التي يجب على سيدة من أقلية عرقية أن تدافع عنها وتمثّلها".
© The Independent