منذ عام 1933 لم يخسر بين جميع الرؤساء الأميركيين حملة إعادة انتخابه سوى ثلاثة رؤساء فقط هم جورج بوش الأب، وجيمي كارتر، وجيرالد فورد على الرغم من تمتعهم بقوة ونفوذ البيت الأبيض، وبينما يقترب موعد الانتخابات الرئاسية ويحتدم صراع الرئيس دونالد ترمب مع موجات عاتية من تداعيات كورونا وانهيار اقتصادي وتساؤلات حول سياساته الخارجية وأهليته لقيادة الدولة العظمى الوحيدة في العالم، لم يستبعد ترمب نفسه إمكانية فوز خصمه اللدود جو بايدن بالانتخابات الرئاسية المقررة في الثالث من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، ما يعني انضمامه إلى عضوية نادي رؤساء الدورة الواحدة.
وفي حين يتمتع ترمب برغبة هائلة في قتال خصومه حتى النهاية وإصرار على بلوغ هدفه للفوز بدورة ثانية، تبدو المقارنة بين الظروف المحيطة به، والظروف التي أدت إلى خسارة الرؤساء الثلاثة السابقين حملة إعادة انتخابهم ماثلة بهدف استشراف حظوظه قبل أربعة أشهر على موعد الانتخابات، فما أوجه الشبه والاختلاف بين ترمب، والرؤساء الثلاثة؟
دورة أم دورتان
في دولة مثل الولايات المتحدة الأميركية تُسَمي عصورها التاريخية في المخيلة الشعبية بفترات حكم رؤسائها، بدءاً من العهد المحبِط لجون كينيدي في أوائل الستينيات، مروراً بسنوات السخرية والارتياب للرئيس ريتشارد نيكسون، إلى عصر التفاؤل الكبير للرئيس رونالد ريغان في الثمانينيات، وتصبح للفترة الزمنية التي يتولى فيها الرئيس الحكم (أربع أو ثماني سنوات) قيمة رمزية كبيرة، سواء بالنسبة إلى الشعب والناخبين أو بالنسبة إلى الباحثين وخبراء العلوم السياسية، إذ لم يُصنف أكثر من 200 باحث في معهد سيينا للأبحاث في نيويورك، رؤساء الفترة الواحدة من بين أفضل 10 رؤساء أميركيين بمن فيهم الرئيس كينيدي الذي احتل المركز الـ 11 ولم يكمل دورته الأولى عندما اغتيل عام 1963 قبل موعد الانتخابات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومنذ الحرب العالمية الثانية، أعاد الشعب الأميركي انتخاب ثمانية رؤساء لفترة ولاية ثانية، مقابل ثلاثة فقط فشلوا في معركة إعادة انتخابهم، ويرجع أحد أسباب ذلك إلى أن منصب الرئاسة يتيح منصة لا مثيل لها لجذب الناخبين وتقديم أداء مقنع أمامهم عبر توفير مساحات ضخمة للبث المجاني للرئيس من وسائل الإعلام بحكم منصبه، فضلاً عن تسهيل جمع أموال حملته الانتخابية، وتحديد وشرح الأجندة السياسة الحالية والمستقبلية.
كما أن الرؤساء الحاليين يفلتون عادة من خوض معارك الترشيح التمهيدية داخل حزبهم ما يمكنهم من تفادي انتقادات خصومهم، وإن كان جورج بوش الأب واجه تحدياً شاقاً من بات بوكانان على ترشيح الحزب الجمهوري.
جورج بوش الأب
وكان جورج هربرت ووكر بوش (بوش الأب) بطل حرب، وعضواً في الكونغرس، وسفير بلاده في الأمم المتحدة، ورئيس وكالة الاستخبارات المركزية، والرجل الثاني في الولايات المتحدة كنائب للرئيس رونالد ريغان، قبل أن يصبح في الفترة بين 1989 و1993، أقوى رجل في العالم كرئيس للقوى العظمى الوحيدة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي.
ومع ذلك فإن الرئيس بوش، خسر الانتخابات العامة في العام التالي، لينضم إلى عضوية نادي رؤساء الدورة الواحدة، ويعود سبب خسارته إلى أنه اضطر مع الركود الاقتصادي الذي أعقب حرب الخليج الأولى، إلى أن يكسر تعهداً قطعه على نفسه أمام الناخبين بعدم زيادة الضرائب، ما أثار عداء شرساً من داخل حزبه الجمهوري، كما تسبّب المرشح المستقل روس بيرو بتقسيم أصوات الجمهوريين في انتخابات 1992، ما أتاح فوز المرشح الشاب بيل كلينتون الذي تمتع بشخصية كارزمية.
مقارنات اقتصادية
ونظراً لأن الفارق شاسع بين الرئيس الـ 39 جيمي كارتر والرئيس الـ 41 جورج بوش الأب، وبين الرئيس ترمب من حيث الخدمات العامة التي قدمها كل منهم للوطن، فإن التركيز ينصب على العوامل الاقتصادية التي تشكل في معظم الأحيان العامل الحاسم في أصوات الناخبين.
وبنظرة سريعة، كانت معدلات البطالة في عهد كارتر وبوش أفضل، حيث سجلت في مايو (أيار) 1980 حوالى 7.5 في المئة بينما سجلت 7.6 عام 1992 خلال نهاية حكم بوش، في مقابل 13.3 في المئة في مايو الماضي 2020.
وفي سوق الأوراق المالية، تراجع مؤشر ستاندرد آند بورز بنسبة 4.1 في المئة من يناير (كانون الثاني) الماضي وحتى نهاية يونيو (حزيران)، مقابل زيادة في عهد كارتر بلغت 5.6 في المئة عام 1980، وتراجعاً مقداره 3.2 في المئة عام 1992 في عهد بوش.
وإذا كانت هذه المؤشرات سيئة لكل من كارتر وبوش وتسربت إلى الوعي العام للأميركيين ما جعل شعبيتهما تنهار وصولاً إلى يوم الانتخابات، فإن التساؤل الآن يتركز حول ما إذا كان الرئيس ترمب بوسعه تجاوز هذه البيانات أو تحسينها خلال 120 يوماً على الرغم من الشبه الكبير في الظروف المحيطة بالرئيس ترمب والظروف التي أحاطت بكارتر وبوش الأب.
قياسات التأييد
ومع بداية عام 1980، كانت شعبية كارتر 56 في المئة وفقاً لمعهد غالوب لقياسات الرأي العام، لكن إيران احتجزت عشرات الرهائن الأميركيين في سفارة الولايات المتحدة في طهران قبل شهرين، ومع استمرار الأزمة بشكل يومي على شاشات التليفزيون، بدأت شعبية كارتر في الانهيار، لتصل في وقت الانتخابات إلى 31 في المئة فقط.
وعلى عكس كارتر، كانت السياسة الخارجية للرئيس بوش الأب أكثر من رائعة، ففي عهده سقط جدار برلين وتفكك الاتحاد السوفياتي، وقادت الولايات المتحدة العالم إلى نصر كاسح على قوات صدام حسين في حرب الخليج الأولى، ما جعل شعبيته تسجل 59 في المئة، غير أن تراجع الناتج الإجمالي المحلي للولايات المتحدة بمعدل 0.11 في المئة تسبب في بدء اتخاذ مؤشر شعبيته منحى نزولياً مستمراً.
بالمقارنة، فإن شعبية ترمب وسط وباء كورونا والتراجع الاقتصادي تراوحت بين 39 إلى 45 في المئة، لكن قدرة ترمب على التعامل مع الجمهور من خلال اللقاءات الجماهيرية وشاشات التلفزيون المتمرس عليها منذ فترة طويلة، وتغريداته المتواصلة على موقع "تويتر"، تجعله قادراً على تغيير التصورات العامة لدى الناس، ما قد يرفع أسهمه في نهاية المطاف خصوصاً إذا تحسنت المؤشرات الاقتصادية تدريجياً خلال الفترة المقبلة، ما سيعطي ترمب زخماً ووقوداً حيوياً يشعل به حماسة الناخبين ويبعث في نفوسهم الأمل من جديد.
ضحايا التوقيت والظروف
ويعتقد لاري ساباتو، مدير مركز السياسة في جامعة فيرجينيا، أن بوش كان ضحية لكل من التوقيت ونظام تحديد موعد الانتخابات كل أربع سنوات في الولايات المتحدة، فبينما دعت رئيسة الوزراء البريطانية مارغريت ثاتشر إلى إجراء انتخابات عامة للاستفادة من حرب الفوكلاند ضد الأرجنتين، إلا أن جورج بوش الأب لم يستطع الدعوة إلى الانتخابات كي يستفيد من نصره الكاسح في حرب الخليج الأولى، ولو كان بإمكانه فعل ذلك لكان قد حقق فوزاً سهلاً.
وكان الرؤساء الثلاثة الذين حكموا في البيت الأبيض ضحايا الظروف المعاكسة التي عملت ضدهم، أكثر من ضعفهم، فالرئيس جيمي كارتر الذي تولى الحكم بين عامي 1978 – 1982 كان سيّء الحظ بما يكفي نظراً لتوليه المسؤولية في البلاد في وقت كان الاقتصاد العالمي يعاني من حالة اضطراب، بينما لم يكن لدى الرئيس جيرالد فورد الذي تولى منصبه بعد استقالة نيكسون عام 1974 سوى عامين ونصف العام فقط لإحداث تأثير في الولايات المتحدة بما يمكنه من الفوز، وهكذا وضعتهم الأحداث وسط ظروف سيئة وفي توقيت خاطئ.
تبرير مرفوض
غير أن هذا التبرير يرفضه بشدة روبرت دبليو ميري، مؤلف كتاب "أين يقف الرؤساء الأميركيون في عيون الناخبين والمؤرخين"، إذ يقول إن الناخب في الديموقراطية، مثل الزبون في التجارة، عادة ما يكون على حق، وأنه مع عدد قليل من الاستثناءات، نادراً ما يحكم المؤرخون على الرؤساء المهزومين بشكل إيجابي، شأنهم في ذلك شأن الناخبين الذين رفضوهم، فالشعب الأميركي غير عاطفي في أحكامه، وإذا نظرنا إلى رؤساء دورة الحكم الواحدة، فمن الصعب عدم إدراك حقيقة أن أداءهم لم يكن جيداً تماماً، وعلى سبيل المثال، توفرت محفزات اقتصادية للرئيس بوش لكن لم تكن لديه أجندة أو خريطة محددة لتغيير أميركا بأي شكل من الأشكال، على الرغم من أن شاغل البيت الأبيض يتمتع عادة بمزايا كبيرة على منافسه في الانتخابات بفضل وضوح منصبه ومكانته أمام الناخبين.
في المقابل، نجد أن الرؤساء السابقين فرانكلين روزفلت ورونالد ريغان وباراك أوباما، ورثوا أوضاعاً اقتصادية صعبة، ومع ذلك فازوا بإعادة انتخابهم.
اختلاف العصر
وعلى الرغم من أن حجم الضرر الحاصل بالاقتصاد الأميركي كبير للغاية وقد يصعب علاجه قبيل موعد الانتخابات، إلا أن المحفزات الاقتصادية غير المسبوقة التي يقرها الكونغرس سوف تساهم إلى حد بعيد في التخفيف من آثار الأزمة وتقليل معاناة العاطلين من العمل، ومن حسن حظ ترمب أن منافسه في الانتخابات الرئاسية ليس بقوة ريغان ضد كارتر أو بقوة بيل كلينتون ضد جورج بوش الأب، ذلك أن جو بايدن مارس السياسة في أعلى المناصب ولا يتمتع بكاريزمية أو جاذبية قوية، الأمر الذي يضعه كثيرون في الحسبان قبيل الانتخابات الرئاسية المقبلة.
أكثر من ذلك أن حالة الانقسام التي يعيشها المجتمع الأميركي منذ تولى ترمب سدة الحكم في البيت الأبيض ليس لها مثيل، وقد تساهم في إنقاذ ترمب بشكل يختلف عما كان عليه الوضع في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، حيث اختلف أسلوب حياة وطريقة تفكير الأميركيين.