أفاد علماء أنّ اكتشافاً جديداً مثيراً للدهشة حول نوع من القوارض يغطيها جلد مجعّد عارٍ من الوبر تعيش تحت سطح الأرض، يمكن أن يفسح المجال أمام إيجاد طرائق تسمح بوقاية الإنسان من الإصابة بالسرطان.
إنّه فأر الخلد العاري، حيوان قارض شبه أعمى يعيش في أنفاق تحت الأرض في شرق أفريقيا، طالما أبهر الباحثين نظراً إلى مجموعة القدرات المميزة التي ينفرد بها.
معلوم أنّ هذا الكائن ذا الأسنان الكبيرة، والعينين الصغيرتين، والدم البارد محصّن ضدّ أنواع معينة من الألم، وفي مقدوره البقاء على قيد الحياة لمدة 18 دقيقة من دون أوكسجين، والعيش لأكثر من 30 عاماً بينما يتحدّى القوانين البيولوجية التي تحكم عملية التقدّم في العمر.
بالإضافة إلى ذلك، يملك الخلد العاري مقاومة عالية ضدّ السرطان، وهي سمة جعلته محور تركيز فرق بحث عدة تخوض دراسات حول المرض الخبيث، في شتى أنحاء العالم.
خلصت دراسات سابقة إلى أنّ السرطان لم يظهر قط لدى هذه الحيوانات، ما عدا بضع حالات قليلة، ذلك أنّ خلاياها السليمة كانت ببساطة محصّنة من التسرطن.
لكن اليوم، اكتشف باحثون في جامعة "كامبريدج" البريطانية للمرة الأولى، أنّ الجينات المعروفة بأنّها تسبِّب السرطان في خلايا قوارض أخرى يمكن أن تحوّل الخلايا لدى فئران الخلد العاري إلى خلايا سرطانية.
عوض ذلك، خلص الفريق إلى أن ما يميِّز ذلك الكائن هو تمتعه بنظام معقد من خلايا وجزيئات تحيط بالخلية، بما في ذلك جهاز المناعة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويعتقد الباحثون أنّ التفاعلات مع ذلك النظام، المعروف باسم "البيئة الميكروية" أو المجهرية، تحول دون تطور المراحل الأولية للسرطان إلى أورام. وقال الدكتور وليد خالد، اختصاصي في الأدوية في "كامبريدج"، أحد كبار الباحثين في الدراسة "كانت النتائج مفاجئة لنا وغيَّرت تماماً فهمنا لمقاومة السرطان لدى فئران الخلد العارية".
وأضاف "لو استطعنا فهم ما الذي يجعل أجهزة المناعة لدى هذه الحيوانات مميّزة، وكيف توفّر لها تلك الأجهزة الحماية من السرطان، قد نتمكّن من تطوير علاجات تقي الناس من هذا المرض".
وفي الدراسة، التي نشرت في مجلة "نيتشر" Nature، حلّل الباحثون 79 فصيلة مختلفة من خلايا مستزرعة في المختبر من أنسجة أمعاء، وكلى، وبنكرياس، ورئة، وجلد، مأخوذة من 11 حيوان خلد عارٍ. وتعمّد الباحثون إصابة الخلايا بفيروسات معدّلة جينياً بغية إدخال جينات معروفة بأنها تسرطن خلايا الفئران والجرذان، فيما لم يكن متوقعاً أن تكون قادرة على تحويل خلايا الخلد العاري إلى خلايا سرطانية.
أما فضل هادي، زميل بحوث ما بعد مرحلة الدكتوراه، كبير الباحثين في الدراسة، فقال في هذا الشأن، "فوجئنا بأنّ الخلايا المصابة لدى فئران الخلد العارية بدأت تتكاثر، وتشكِّل بصورة سريعة مستعمرات من الخلايا السرطانية في المختبر. عرفنا من هذا النمو المتسارع، أنّها (الخلايا) أصبحت سرطانية".
وفي مرحلة لاحقة، حقن الفريق الفئران بتلك الخلايا، التي شكّلت أوراماً سرطانية في غضون أسابيع، وهي نتيجة تبيِّن، وفقاً للباحثين، أنّ بيئة الجسم الداخلية لدى فأر الخلد هي التي تمنع السرطان من التطوّر.
واللافت أنّ هذا الاكتشاف يتناقض مع بحوث سابقة، بما في ذلك دراسة صدرت عام 2013 استنتجت أنّ خلايا الخلد العاري قد طوّرت سمة متأصِّلة كبحت تحوّلها إلى خلايا سرطانية من الأساس.
بيد أنّ العلماء الذين نهضوا بتلك الدراسة السابقة ردّوا على فريق "كامبريدج". وفي رد نشرته مجلة "نيتشر"، أشار الباحثون، ومعظمهم من جامعة "روتشستر" الأميركية في نيويورك، إلى أنّ الدراسة الجديدة حقّقت نتائج مغايرة لدراستهم لأنّها عرّضت خلايا فأر الخلد العاري إلى مستويات "مرتفعة بصورة مفتعلة" من الجينات المُسرطِنة، متخطيةً بذلك آليات المقاومة الطبيعية التي يتمتّع بها الحيوان.
ومن جانبهم، قال فريق "كامبريدج" إنّه سيواصل إجراء دراسات بشأن الآليات التي من طريقها تحول فئران الخلد العارية دون تطور الخلايا السرطانية إلى أورام خبيثة، سعياً إلى الكشف عن طرائق جديدة لعلاج السرطان، أو الوقاية منه لدى البشر.
في هذا الصدد، ذكر الدكتور إيوان سانت جون سميث، أحد كبار الباحثين في الدراسة "عَمَلنا بأكمله المتعلِّق بفئران الخلد العارية، بدءاً من دراسة مقاومتها لنقص الأوكسجين وصولاً إلى عدم إحساسها بالألم ومقاومتها للسرطان، يرمي إلى الاستفادة من التكوين البيولوجي المتطرّف الذي يحظى به هذا الحيوان، وذلك في سبيل معرفة المزيد حول الكيفية التي تعمل بها أجسامنا بصورة طبيعية".
© The Independent