اعترف سياسيون إسلاميون وشيوعيون سودانيون بأن المسافة الفكرية بينهما بعيدة للغاية. ويتجاوز الاختلاف بين هذين التيارين، الإسلامي والشيوعي، الموجودين منذ ظهور الحركة الوطنية السياسية في البلاد في أربعينيات القرن العشرين، الرأي السياسي. فهو اختلاف في الاعتقاد وفي فهم كلّ منهما للحرية وممارستها وتطبيقها. وكل من الحزبين يتهم الآخر بعدم إيمانه بهذا المفهوم، ما يشير إلى الفوارق الكبيرة بينهما، مع تباعد خطوط الالتقاء.
يقول الناطق الرسمي باسم الحزب الشيوعي السوداني فتحي فضل، "نحن والإسلاميون على طرف نقيض في كل شيء. بيننا مسافات فكرية شاسعة. فعندما تكوّنت الحركة السياسية السودانية في نهاية أربعينيات القرن العشرين وما تبعها من تأسيس مؤتمر الخريجين الذي وحّد القوى السياسية، كان تنظيم الإخوان المسلمين منفرداً، وقسّم الحركة الطلابية التي تشكّلت آنذاك كنواة لمناهضة الاستعمار. واعتبرنا هذا الفعل غير وطني ولم نستغربه من تنظيم تنتشر أحاديث عن صلاته بالاستخبارات البريطانية منذ تكوينه. لهذا السبب، فإننا منذ ذلك الوقت لم نضع أيدينا مع الإخوان. وإذا كنّا توافقنا واتّفقنا على استقلال السودان، فإن بيننا بحوراً ومسافات".
يتابع "الإخوان لا يؤمنون بالديمقراطية، فهم أول من أيّد الديكتاتورية ونظام الرئيس الأسبق إبراهيم عبود الذي حكم السودان في الفترة ما بين 1957- 1964. والردّ الأول الذي أبداه التنظيم على المدّ الديمقراطي إثر ثورة أكتوبر (تشرين الأول) 1964، هو العداء ضد الحزب الشيوعي والتآمر عليه وسحب الثقة من عضويته في البرلمان آنذاك البالغة 11 عضواً. وتُعدُّ هذه الخطوة سابقة في التاريخ تمثّل انقلاباً مدنياً وانتكاسة للديمقراطية. ومذذاك بدأت الحرب الفكرية بيننا". ويشير إلى أن الإخوان المسلمين استعدوا الحزب الشيوعي بشكل مريع بعد نجاح انقلابهم العسكري عام 1989، إذ شكّل عدد المعتقلين من أعضائه الذين زُجّ بهم في المعتقلات التي أُطلق عليها "بيوت الأشباح" 90 في المئة من إجمالي العدد، وتعرّض جميعهم للتعذيب والقتل".
يضيف "نحن الحزب الوحيد الذي تمسّك بمواقفه ومبادئه ولم يتنازل تحت أي ضغط طيلة فترة نظام الإسلاميين الذي حكم البلاد 30 عاماً، وأطاح به الشعب السوداني في أعظم ثورة شهدها التاريخ، والمسألة الأساسية هي أن التيارين الشيوعي والإسلامي نتاج فكر حديث، إذ لا ينتميان إلى الطائفية. فالحزب الشيوعي توجّه نحو الطبقة العاملة والفقراء، فضلاً عن المرأة والشباب والطلاب والمزارعين، باعتبار هذه الفئات مستقبل بناء السودان الحديث، بينما توجّه الإسلاميون نحو الطرح العقائدي، واستطاعوا بالترغيب والترهيب إيجاد أرضية لهم بين الفقراء، لكنهم فشلوا. لذلك، أول ما قاموا به بعد استلامهم الحكم هو حلّ النقابات العمّالية والمهنية، لأنهم على يقين بأنها ضدّهم".
صراع مذاهب
في المقابل، يعتبر القيادي في المؤتمر الشعبي، أحد الأحزاب الإسلامية في السودان، أبوبكر عبد الرازق، أن "صراعنا مع الشيوعيين صراع مذاهب فكرية ويقوم على الاعتقاد. فالإسلاميون يؤمنون باحترام الآخر والحرية والاحتكام إلى الانتخابات العامة كمنهج ووسيلة للوصول إلى السلطة، لكن الشيوعيين لا يؤمنون بالحرية، ومنهجهم أن الدولة هي التي توجّه المجتمع. وهذا ما جعل قوى الحرية والتغيير، الحاضن السياسي للحكومة السودانية الانتقالية التي يسيطر عليها الشيوعيون تتمسّك بأن تكون مدة الفترة الانتقالية 39 شهراً، وتسعى في الوقت ذاته إلى تمديدها، لأنها على يقين بأن خيار الشعب يأتي بالتيار الإسلامي العريض. لذلك، فإن أي مساحة للحرية تعني نمو التيار الإسلامي وتمدّده في المجتمع، وانحسار الشيوعيين وتلاشيهم".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويضيف عبد الرازق "الشيوعيون يجاهرون بأنهم يعملون على سحق التيار الإسلامي سحقاً كاملاً. وهذا ما جاء على لسان قادتهم الذين قالوا إن معركتهم كشيوعيين مع الإسلاميين أصبحت معركة صفرية، وهو ما يتماشى مع منهجهم الماركسي الذي لا يؤمن بحكم الشعب، ويؤمن بالديكتاتورية، لكنهم يدركون أننا كإسلاميين نُعتبر المنافسين الأساسيين لهم في الساحة السياسية، انطلاقاً من كوننا حزباً منظماً يضمّ مثقفين ومتعلمين، ويمكنه أن يأتي على بنيان الحركة الماركسية من القواعد. وفي الوقت ذاته، ندرك أن بإمكان الشيوعيين أن يحرّكوا ضدنا التيارات الأخرى، لكن الفارق الأساسي بيننا هو أننا نؤمن بمجتمع حرّ". ويشدّد على أن "الحدّ الأدنى الذي يجب أن يسود بيننا هو مناخ الحرية. فنحن لن نصعد بهم إلى المشانق، بل نقارعهم الحجة بالحجة والرأي بالرأي، ويقيننا بأنه لا بد من حرّية تؤسّس لمجتمع حرّ من أجل النهوض بالوطن".
ويتابع "هناك اختلافات جوهرية بين الفكرين الإسلامي والشيوعي. فمثلاً في الاقتصاد، تعتمد النظرية الماركسية على التأميم، بينما يستند الإسلام إلى المنافسة الحرة. وفي جانب العدالة، يشجّع الإسلام الأفراد على الكسب الحلال بعيداً من الغشّ والاحتكار، أما النظرية الماركسية فتحتكر المال للدولة، بالتالي يصبح المال هو رأسمال الحكام الذين يعدمون أي مال عند المجتمع، ليتمتّعوا به. كذلك تقوم الشيوعية على نسبية الأخلاق، في حين أن التيار الإسلامي يقوم على القيم الأخلاقية المطلقة المتمثّلة في الصدق والوفاء والعهود والمواثيق، وكل القيم الإنسانية النبيلة. في المقابل، نتّفق مع الشيوعيين على قضية العدالة الاجتماعية كشعار، لكن نختلف معهم في طبيعة الأصول الفكرية التي أسّست النظرية الاقتصادية، ونظرية العدالة الاجتماعية لأن المفارقات بيننا في هذا الجانب جذرية".
مركزية القرار
يعتقد الكاتب السوداني عبد العزيز أبو عاقلة أن "الفرق بين الإسلاميين والشيوعيين في السودان كبير، خصوصاً في القضايا الرئيسة. فالإسلاميون يستخدمون الدين كتجارة للوصول إلى مآربهم، لا سيما السلطة، مستغلّين تعاطف الشعب السوداني مع الدين. لكن العقود الثلاثة الماضية كشفتهم على حقيقتهم بممارساتهم التي تتنافى مع القيم الدينية والإنسانية باستخدام كل أشكال العنف والقتل لمجرد الاختلاف في الرأي".
وفيما يعتبر أبو عاقلة أن "أيديولوجيَّتَيْ كل من التنظيمَيْن مطلقة صمّاء تجعل الشخص ينظر بعين واحدة"، يلفت إلى أن "الأيديولوجيات سقطت في العالم، وأصبح العمل السياسي يقوم على البرامج والتحالفات. لكن التنظيمين ما زالا يؤمنان بهذا المنهج، الذي يرتكز على ممارسة الوصايا داخل التنظيم وخارجه، لأنها بالنسبة إليهم عقيدة تجعل التنظيم يرى نفسه الوحيد الذي يمتلك الحقيقة، ويعتبر الآخرين، خصوصاً الخصوم السياسيين على خطأ.
وإذ يعتقد أبو عاقلة أن "الشيوعية فكر عالمي حديث"، يصنّف فكر الإخوان المسلمين بأنه "يتبع للعصور الوسطى". ويستدرك: "لكن، من ناحية التنظيم نجد أن الحركة الإسلامية في السودان بذكاء من زعيمها حسن الترابي طبّقت النهج التنظيمي الخاص بالحزب الشيوعي، لأنه لم يكن لديها تاريخ معروف في الحياة السياسية السودانية، فكانت لديها شعارات فقط. لذا، يتشابه التنظيمان في مركزية القرار. فمثلاً، نجد أن الحزب الشيوعي هو الحزب الوحيد في العالم العربي الذي لم يغيّر اسمه بعد تفكّك الاتحاد السوفياتي في أعقاب الحرب الباردة، فهو حزب كلاسيكي إلى أبعد الحدود".
ويلاحظ أبو عاقلة "وجود ضبابية في موقف الحزب الشيوعي من مسألة علاقة الدين بالدولة. فهي قضية مهمة جداً. وسمعت سكرتير الحزب الشيوعي السوداني محمد مختار الخطيب يدعو إلى عدم خلط الدين بالسياسة، وإلى أن يكون الدين محايداً. فالشيوعيون لا يريدون الحديث عن العلمانية كشكل للحكم في بلد متنوع الأعراق والثقافات والديانات. فلا بد من أن يقدّموا رأياً واضحاً وحاسماً في هذه القضية، خصوصاً أنهم أكثر الأحزاب السودانية التي تضرّرت من النظام الإسلامي الذي حكم البلاد 30 عاماً وزجّ بأعضائه في السجون والمعتقلات سيّئة السمعة".