يستمر رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي بالتلويح بحملة واسعة لضبط المنافذ الحدودية ومكافحة الفساد فيها، في محاولة لاستثمار وارداتها لرفد الموازنة العامة، في وقت يعاني العراق من أزمة مالية خانقة على إثر انخفاض أسعار النفط بسبب انتشار فيروس كورونا.
وفيما يشكك مراقبون بقدرته على حسم هذا الملف، يرى آخرون أن التحرّك في هذا الإطار يأتي للإيفاء بتعهداته السابقة، لكنه قد يفتح الباب أمام توتر أمني من قبل عصابات وجماعات مسلحة تمتلك نفوذاً كبيراً على تلك المنافذ.
تعهدات رئيس الوزراء
وتعهّد الكاظمي في أكثر من مناسبة بتنفيذ حملة لإعادة السيطرة على المنافذ الحدودية، فيما قال في تصريحات سابقة، "نتكبد خسائر بمليارات الدولارات سنوياً في المنافذ، من عصابات وجماعات وقطّاع طرق وأصحاب نفوذ يسيطرون في بعض الأحيان على المنافذ".
وأضاف "سنتخذ في القريب العاجل مجموعة إجراءات لتغيير بعض المواقع الإدارية في الدولة، وسنسمع بعدها حملة تشويه للحكومة؛ لأن هناك من سيتضرر جراء هذه التغييرات"، متوعداً بـ "حملة قريبة لإعادة الاعتبار (السيطرة) إلى المنافذ".
ولفت إلى أن "الأموال الناجمة عن رسوم عبر المنافذ الحدودية هي ملك للشعب، وليست لأصحاب النفوذ أو أصحاب السلاح الذين يفرضون إرادتهم على حساب المصلحة العامة".
أما المتحدث باسم رئيس الوزراء أحمد ملا طلال، أعلن في 30 يونيو (حزيران) الماضي، عن "اقتراب بدء إجراءات حازمة لفرض هيبة الدولة على المنافذ الحدودية في عموم البلاد".
أبعاد للمهمة
ويبدو أن هذا الأمر لا يقتصر على محاولة حكومة الكاظمي تنويع مصادر الدخل في وقت الشح المالي الذي تعيشه البلاد فحسب، بل قد يندرج ضمن مساعيه في الحد من نفوذ الفصائل المسلحة الموالية لإيران، إذ يرى برلمانيون ومراقبون أن بعض تلك الفصائل مستفيدة من عمليات تهريب وفساد في تلك المنافذ.
ولعل تزايد الحديث عن التحرك الوشيك باتجاه ضبط المنافذ الحدودية وتزامنه مع التسريبات التي تتحدث عن ضعف التمويل الإيراني لفصائل مسلحة عراقية موالية لها نتيجة الأزمة الاقتصادية التي تمر بها، يعزّز الفرضية التي تقول إن الكاظمي قد يستخدم ملفات أخرى ذات طابع سياسي واقتصادي للضغط على تلك الجماعات.
فيما يقلل مراقبون من قدرة رئيس الحكومة على حل كل تلك الإشكالات، معللين ذلك لكونه مرهوناً بإرادة سياسية لا تتيح له إمكانية التحرك بحرية للإيفاء بتعهداته، فضلاً عن افتقاره لغطاء برلماني يدعم خطواته.
تجفيف منابع تمويل الجماعات المسلحة
في غضون ذلك، تفيد تسريبات بأن الكاظمي أسند مهمة ضبط المنافذ الحدودية إلى جهاز مكافحة الإرهاب، فضلاً عن عزمة القيام بعدة تغييرات إدارية فيها.
وتقول مصادر مقربة من أروقة الحكومة، إن "قضية ضبط المنافذ الحدودية تأتي في إطار عزم الحكومة على مكافحة الفساد وتنويع مصادر الدخل، إلا أنها ترتبط أيضاً بتجفيف منابع تمويل بعض الجماعات المسلحة الخارجة عن القانون".
وفيما يرى مراقبون أن جهاز مكافحة الإرهاب غير معني بقضية ضبط المنافذ الحدودية ومكافحة الفساد فيها، تُبيّن المصادر أن "تلك المنافذ باتت تموّل مجموعات خارج إطار القانون وهذا يتيح لجهاز مكافحة الإرهاب إمكانية التدخل".
وتشير التقديرات إلى أن حجم النشاط الاستيرادي في العراق يبلغ نحو 60 مليار دولار، فيما يقدر مختصون بالاقتصاد أن عائداتها يفترض أن تصل إلى حدود 8 مليارات، لكن ما يدخل سنويا للخزينة العامة لا يتجاوز الـ800 مليون دولار.
اتفاقات مع الحرس الثوري الإيراني
وقال النائب المستقل في البرلمان العراقي باسم خشّان، إن "أحزاباً إسلامية وفصائل مسلحة تسيطر على المنافذ الحدودية جنوب العراق، ويدير الحرس الثوري الإيراني الجانب الآخر من تلك المنافذ"، مبيناً أن "هذا الأمر جعل بعض أنواع التجارة محصوراً بتلك الجهات، بالاتفاق مع الحرس الثوري ولا يمكن المنافسة معها".
وأضاف لـ"اندبندنت عربية"، "في المناطق الشمالية للعراق تدار العملية بالطريقة ذاتها من قبل أحزاب كردية".
وتابع أن "حجم التجارة الرسمية وغير الرسمية مع إيران هائل جداً والتقديرات المعلنة محافظة ولا تكشف الحجم الحقيقي لهذا النشاط"، معتقداً أن "حجم المبالغ التي بالإمكان الاستحصال عليها من المنافذ الحدودية يتجاوز حدود 10 مليارات دولار".
وأشار إلى أن "بعض الجهات والشركات تستغل مزاد العملة لتهريب الدولار إلى إيران من خلال صفقات وهمية"، مستدركاً أن "هذا الأمر بالإمكان ضبطه من خلال تشديد رقابة مزاد العملة على حركة التجارة".
ولفت خشّان إلى أن "خيار التصعيد قد يكون حاضراً لدى الجماعات المسلحة والأحزاب المسيطرة على المنافذ في حال الشروع بعملية ضبطها، نظراً لتوقف الدعم الذي تستحصل عليه تلك الجماعات من إيران بسبب الأزمة الاقتصادية"، موضحاً أن "إيرادات تلك الجماعات باتت محصورة في إطار سيطرتها على المنافذ الحدودية وعمليات التهريب".
وكشف أن "فصائل مسلحة وجهات سياسية اشترت من إيران وسوريا حنطة وشعيراً وتم تسويقها على أنها مزروعة في العراق".
وسيلة لتهريب السلاح والمخدرات والأموال
من جهة ثانية، قال رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري إن "الحركة باتجاه المنافذ الحدودية باتت ضرورية، كونها مصدراً يرفد الموازنة العامة في ظل الإشكالية المالية التي يمر بها العراق".
وأوضح لـ "اندبندنت عربية"، أن "هذا الإجراء سيؤدي إلى اصطدام الحكومة بقوى وأحزاب سياسية، لأن تلك المنافذ باتت من أهم مصادر تمويل تلك الجهات، فضلاً عن كون بعض المنافذ غير الرسمية باتت وسيلة لتهريب الأموال والمخدرات والسلاح".
وبيّن الشمري أن "ضبط المنافذ الحدودية لا يقتصر فقط على تنويع الإيرادات، بل يتعلق أيضاً بضبط الأمن الداخلي للبلاد وفرض هيبة الدولة وإيقاف التمويل غير الشرعي للأحزاب والأجنحة المسلحة"، مشيراً إلى أن "نجاح المهمة مرتبط بقدرة الدولة على فرض قراراتها على تلك المنافذ".
مسألة صعبة
في السياق ذاته، يرى الكاتب والصحافي فلاح الذهبي أن "الكاظمي لم يثبت حتى الآن إمكانيته في إدارة الصراع مع الفساد أو السلاح المنفلت، الأمر الذي يعطي انطباعاً بصعوبة السيطرة على المنافذ الحدودية نتيجة سطوة الأحزاب عليها".
أضاف لـ"اندبندنت عربية"، أن "قضية ضبط المنافذ الحدودية تتطلب إرادة سياسية وصياغة تفاهمات مع القوى الرئيسية في البرلمان، لأنها تستطيع الإطاحة برئيس الوزراء"، لافتاً إلى أن "تلك القوى لن تعطي رئيس الوزراء تفويضاً لأنها مستفيدة من المنافذ".
وقال إن "ما يجري في العراق جزء من التسويات الجارية في المنطقة، بالتالي لن يكون القرار عراقياً بما يخص تلك القضايا بل خاضعاً للتسويات الإقليمية والدولية".
مناورة إعلامية
أما الباحث في الشأن الأمني أحمد الشريفي، فيعتبر أن "حراك الكاظمي بات يركّز على المناورة في الخطاب الإعلامي أكثر من البعد الإجرائي"، مبيناً أنه "في حال قيامه بإجراءات ستفشل كما فشلت مساعي إيقاف الضربات على القوات الأميركية".
وأوضح لـ "اندبندنت عربية" أن "الحكومة راغبة بتجفيف مصادر تمويل الأحزاب لكنها غير قادرة على تنفيذ ذلك".
وحول قدرة جهاز مكافحة الإرهاب على ضبط المنافذ الرسمية، يقول الشريفي إن "الأهمية الأكبر في هذا السياق لتغيير الوحدات الإدارية في المنافذ والتي تخضع للمحاصصة".
وعن منافذ التهريب، أشار الشريفي إلى أنه "لا يمكن ضبط تلك المنافذ لأن المحاصصة والفساد في الجهاز الأمني تمنع ذلك، فضلاً عن عدم قدرة جهاز مكافحة الإرهاب من تغطية المساحات الشاسعة للحدود وتغيّر أماكن منافذ التهريب المستمرة".
وكانت هيئة المنافذ الحدودية قد كشفت، الخميس 2 يوليو (تموز) الحالي، عن نتائج الاجتماع الذي جرى بين رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي ورئيس الهيئة عمر الوائلي، مبينة في بيان أن "مخرجات مهمة جرت بالاتفاق على جملة من الإجراءات اللازمة لإحكام السيطرة على آلية العمل في المنافذ الحدودية وإيجاد الخطط الكفيلة لزيادة مستوى الإيرادات والتشديد على منع أي تدخل خارجي غايتها العبث بمقدرات الدولة وإيجاد بيئة آمنة للعاملين في المنافذ الحدودية".
ولفتت إلى أن "هناك جملة من القرارات المهمة التي ستصدر تعزيزاً لعمل هيئة المنافذ بإحكام سيطرتها الصارمة من خلال صلاحياتها القانونية في الإشراف والرقابة والتدقيق والتحري الأمني على كافة الدوائر العاملة في المنافذ بما يحقق توجهات الحكومة ودعم الموازنة الاتحادية من خلال تعظيم الإيرادات".