لا يصعب الربط بين تأجيل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قراره ضم مناطق واسعة في الضفة الغربية وغور الاْردن، وبين التصعيد الغامض ضد مواقع إيرانية في طهران وقربها، تمثّلَ بسلسلة انفجارات حاولت السلطات الإيرانية التكتم عليه وردِّها إلى أسباب فنيّة.
فمنذ شهور يدور نقاشٌ في إسرائيل حول أولوية الضم أو أولوية منع إيران من تطوير سلاح نووي ووضع حد لتمددها في سوريا ولبنان. وخلال البحث في موضوع الضمّ، كترجمةٍ عملية لصفقة العصر ووعود الرئيس الأميركي دونالد ترمب، برزت آراء إسرائيلية عدة تُعارض رغبة نتنياهو في ضمٍ سريع، باعتبارها مزايدة انتخابية وسياسية، وتحفّظ أركان المؤسسات الأمنية الإسرائيلية على العملية نظراً لكلفتها وضرورة الاستعداد المُسبق لها.
وكان لافتاً الرأي الإسرائيلي المتخوّف من أن يؤدي الضم إلى خسارة "الجهد الدولي" الذي تم تكوينه خلال سنوات في مواجهة المشروع الإيراني، وذهب دعاة هذا الرأي الى إعطاء الأفضلية لمتابعة الضغوط بأشكالها المختلفة على إيران بدلاً من شق الجبهة العالمية ضدها بقرار يمس جوهر الصراع العربي الإسرائيلي.
ولم يكن هذا التوجه بعيداً من مناخ النقاش داخل الإدارة الأميركية، ومن الاتصالات الأميركية الإسرائيلية عبر وفود أميركية رفيعة المستوى زارت إسرائيل خارقةً القطيعة التي فرضتها جائحة كورونا. ولاحظ المتابعون تحفظات الزائر الأول وزير الخارجية مايك بومبيو في 18 مايو (أيار) الماضي، ثم الاختلافات في وجهات النظر بين الصهر جاريد كوشنر الميّال إلى إبطاء العملية والسفير المستعجل ديفيد فريدمان، وكل هؤلاء كانوا مع القيادة الإسرائيلية في انتظار ضوءٍ أخضر، لم يأت، من ترمب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ترمب ليس في حاجة إلى توترات جديدة مع شبكة حلفاء واسعة لدى كل طرف فيها ملاحظات على أدائه. فهو يعاني مصاعب في مواجهة كورونا ويقف على رأس ولايات متحدة تعاني انقسامات زادتها حدة الصدامات العنصرية. ويحصل ذلك عشية انتخابات رئاسية يطمح إلى الفوز فيها في مطلع نوفمبر(تشرين الثاني) المقبل.
في مواجهة إيران يضمن ترمب، ومعه إسرائيل، حداً أدنى من التضامن الأوروبي والدولي بما في ذلك تعاطفاً عربياً. لكنه في مشروعه الداعم للضم الإسرائيلي، يخسر أوروبا التي هدّدت بتدابير سياسية واقتصادية ضد إسرائيل، ويفقد تعاطفاً عربياً، حيث أبدت دول عربية فاعلة في الخليج إضافة إلى مصر والأردن رفضها الكامل خطة الضم وتمسّكت بالقرارات الدولية وحل الدولتين استناداً إلى مبادرة قمة الدول العربية في اجتماع بيروت عام 2002.
جاءت حصيلة المشهد هذا، إرجاء، ربما مدة شهر، لإطلاق المشروع الإسرائيلي في الضفة، إلا أن عملية أُخرى ضد إيران انطلقت بصمت وفعالية لن تُعرف نتائجها إلاّ بعد بعض الوقت. كانت إيران تُفّضِل، سياسياً، شروع نتانياهو في مشروعه لتكسب في الشارع العربي المهتزّ، وهي أطلقت سلسلة مواقف في هذا الاتجاه وتبنت رفض صفقة القرن في نهج ثابت لاستقطاب العواطف العربية، غير أن دعمها واقع الانقسام الفلسطيني، وانخراط شريكها القطري في تمويل قوى الأمر الواقع في غزة عبر إسرائيل، يجعلان المواقف المعلنة مجرد مادة استهلاكية، فالظروف العربية والدولية والأميركية فرضت تأجيل الخطوة الإسرائيلية وليس الموقع القوي لشعب فلسطين المكافح.
ملأت إسرائيل ومعها الأجهزة الأميركية كما يُرَجَحّ، فراغ إجراء الإلحاق، بالذهاب إلى خيار تجميع النقاط في المعركة مع إيران، بانتظار حسم الانتخابات الأميركية وبلورة مواقف القوى الدولية الفاعلة في أزمات المنطقة. هكذا وقع انفجار في المنشأة النووية الإيرانية نطنز فجر الخميس الماضي. وجاء ذلك بعد حادثين مماثلين قبل أسبوع، الأول انفجار في قاعدة بارتشن العسكرية شرق طهران، والثاني انفجار مركز طبي في العاصمة أسفرا عن مقتل 19 شخصاً.
أعادت إيران أسباب هذه الحوادث إلى مشكلات عرضية، لكن محلل الشؤون العسكرية في جريدة "يديعوت" رون بن يشاي يرى أن "سلسلة الانفجارات والحرائق الغامضة في إيران، لم تكن عفوية، بشكل يتزايد تأكيده".