قرر أحمد الأسد، معلم التربية الفنية، أن يحوّل قريته "المخادمة" في محافظة قنا بصعيد مصر إلى متحف مفتوح، ورسم لوحاته على جدران القرية، التي تضم عدداً كبيراً من المنازل المهجورة والقديمة، وحملت رسائل إيجابية عن التسامح والأمل والإيجابية، بمشاركة الأطفال والشباب الرسم والتلوين خلال تنفيذ مبادرته، كنوع من النشاط الفني وسط الملل المحيط بهم بسبب كورونا.
"اندبندنت عربية" زارت القرية للتعرف على كواليس المبادرة التي نالت استحساناً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي في مصر.
فكرة المبادرة
قال أحمد الأسد، صاحب المبادرة، إنه ترك قريته منذ سنوات طويلة وذهب للعمل كمدرس للتربية الفنية في إحدى مدارس القاهرة، ولم يكن يتردد على قريته إلا مرة أو مرتين كل عام، إلا أنه بعد تطبيق الإجراءات الاحترازية الخاصة بمواجهة فيروس كورونا، قرر أن يستقر في قريته، ولاحظ بعد أسابيع قليلة من الأزمة حالة من الملل والفراغ الشديدين لدى شباب القرية. بدأ يفكر في مبادرة تنفع القرية وتشغل فراغهم، خصوصاً بعد تعطل النشاط الرياضي بمراكز الشباب والنوادي.
وأشار إلى أنه قرر أن يوظف موهبته في الرسم والفن التشكيلي في رسم جداريات مميزة على حوائط المنازل القديمة والمهجورة في القرية بهدف تجميلها، وتحويل مشاهد المنازل الصامتة والبائسة إلى تحفة فنية ناطقة.
وأوضح الأسد، أنه اجتمع بشباب وأهالي القرية وعرض عليهم مبادرته بتحويل القرية إلى متحف مفتوح، عبر رسم الجداريات الفنية على المنازل، إلا أن أغلب الأهالي لم يولوه اهتماماً يذكر، لم ييأس وقرر أن يبدأ بمنزل يطلق عليه الأطفال منزل "حزينة"، حيث كانت تسكنه سيدة تدعى "سعيدة" منذ قرابة 60 عاماً وتوفت، فأصبح مهجوراً بائساً.
ويعتقد بعض أهالي القرية أن هذا المنزل مسكون بالجن والشياطين، فعكف على رسم جدارية كبرى على المنزل تدعو إلى التفاؤل والأمل، فانبهر أهالي القرية بحوائط المنزل الذي أصبح تحفة فنية حقيقية، لافتاً أن بعد هذا المنزل تلقى دعماً مادياً ومعنوياً كبيراً من جميع أهالي القرية، وتطوع عدد كبير من الشباب والأطفال لمشاركته المبادرة.
رسائل الجداريات
ذكر الأسد أنه نجح في رسم قرابة 50 جدارية، على منازل القرية المهجورة، مشيراً إلى أنه يحرص أن تحمل أعماله الفنية على جدران المنازل رسائل إيجابية حول التسامح ونبذ الثأر والتطرف وضرورة تقبل الآخر.
أضاف، أنه يحرص أيضاً على تعليم أطفال وشباب القرية الرسم والتلوين، بخاصة أنهم يعانون فراغاً جراء الإجراءات الاحترازية الخاصة بمواجهة فيروس كورونا، التي تسببت بدورها في تعطل الأنشطة الرياضية والترفيهية، لافتاً أن الفن من شأنه تهذيب النفوس والأخلاق.
عن مراحل رسم وتلوين الجدارية، قال، إن الجدارية الواحدة تستغرق ما بين يومين إلى ستة أيام من العمل، فور اختيار التصميم المستهدف يتم توزيع أدوار الرسم والتلوين على شباب المبادرة، وقبل ذلك كله يتم تنظيف جداريات المنازل، بحيث تصبح مهيئة للرسم والتلوين بشكل جيد، كما أن تكلفة الجدارية الواحدة تتراوح ما بين ألف و2500 جنيه مصري (نحو 61 و154 دولاراً أميركياً)، ويتكفل أهالي كل منطقة بتزيين المنازل الواقعة بها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأشار إلى أن المبادرة تركت انطباعاً مبهجاً لدى أهالي القرية، بعد أن شاهدوا كيف تحولت الجدران الصامتة والمشوهة بعبارات السباب والشتائم إلى تحف فنية ناطقة، تدعو المارة إلى التقاط صور السيلفي معها، بل سرعان ما انتشرت صور جداريات القرية على مواقع التواصل الاجتماعي ولاقت استحساناً كبيراً.
وأوضح الأسد أن المبادرة كشفت عن العديد من المواهب بين شباب وأطفال القرية خلال عمليات تنفيذ رسم وتلوين الجداريات، مما جعل الجداريات تخرج في أجمل شكل للأهالي خلال شهرين من العمل.
تعميم المبادرة
وناشد صاحب المبادرة وزيرة الثقافة المصرية إيناس عبد الدايم بأن تزور القرية، بعد أن تحولت إلى متحف مفتوح للجداريات الفنية، كنموذج إيجابي لمواجهة أزمة فيروس كورونا بالرسم والتلوين، وعبر بث رسائل إيجابية على الجدران الصامتة والمشوهة بشكل احترافي، تجسد تراث صعيد مصر بكل ما يحتويه من موروث ثقافي مميز.
وقال إنه يتمنى أن يرسم جدارية بأحد ميادين القاهرة الكبرى، وأن تنتقل مبادرته من قريته البسيطة إلى مختلف القرى والمدن المصرية، لأن تحويل المنازل المهجورة والقديمة إلى لوحات فنية على حد وصفه، يبعث الأمل في نفوس المارة والمواطنين، ويهذب نفوس من يمارسه، فمن المستبعد أن نجد فناناً أو رساماً يعتنق فكراً تكفيرياً أو متطرفاً، على حد وصفه.