صدرت في الآونة الأخيرة إشارات مطمئنة تفيد باتجاه العلاقات الجزائرية - المغربية نحو الهدوء، ففي حين رحّب الرئيس عبد المجيد تبون بمبادرة مغربية لتجاوز التوتّر القائم بين البلدين، ردّ الملك محمد السادس بتغيير سفيره لدى الجزائر، بعد رسالة تهنئة وجّهها إلى البلاد بمناسبة ذكرى الاستقلال.
أيادي ممدودة واستجابة متبادلة
وأعاد تبون فتح ملفّ العلاقات الجزائرية - المغربية من خلال تصريحه في الحوار الذي أجراه مع قناة "فرانس24" أخيراً، إذ قال إن "لا مشكلات للجزائر مع الشعب المغربي الشقيق ولا مع ملك المغرب، وإذا اتّخذوا مبادرة، فستكون موضع ترحيب، وأظن أنه يمكنهم القيام بذلك لإنهاء المشكلة نهائياً". وتابع أن ما لوحِظ هو أن "هذا البلد هو مَن لديه مشكلة مع الجزائر، لا سيما وسط التصعيد اللفظي الذي نتمنّى أن يتوقف، وكذلك من خلال تحليل الشأن الداخلي الجزائري وفق أحكام مسبقة"، مبرزاً أن "الكلمة العليا كانت دائماً للحكمة بين البلدين. ونتمنى للمغرب الشقيق كل التنمية والازدهار".
في المقابل، وبعد يوم واحد من حوار تبون، وفي ذكرى استقلال البلاد، وجّه العاهل المغربي محمد السادس، برقية تهنئة بالمناسبة إلى الرئيس الجزائري، معرباً عن "أحرّ التهاني وأصدق التمنيات للشعب الجزائري الشقيق باطّراد التقدم والازدهار". وجاء في البرقية أنها فرصة لـ"التأكيد على متانة روابط الأخوّة التي تجمع الشعبين الجزائري والمغربي، والتي تستمدّ قوتها من ذلك التضامن الأخوي الصادق الذي أذكى نضالهما البطولي من أجل الحرية والاستقلال، ومن إيمانهما الراسخ بوحدة المصير المغاربي المشترك".
تغيير سفير المغرب لدى الجزائر
وأتبع محمد السادس برقيته بالإقدام على تعيين محمد آيت وعلي، سفيراً للمغرب لدى الجزائر، خلفاً لزميله حسن عبد الخالق الذي شهدت فترته توتّرات عصفت بالعلاقات بين البلدين، كان آخرها الأزمة التي تسبّب بها القنصل المغربي السابق في وهران (غرب الجزائر)، أثناء حديثه مع عدد من المغاربة العالقين هناك، إذ وصف الجزائر بـ"الدولة العدوّة". ودفع ذلك وزير الخارجية الجزائري صبري بوقادوم إلى استدعاء السفير المغربي المُقال، ليُسحب القنصل إلى بلاده بعد أيام على الحادثة.
وكان الناطق الرسمي باسم الخارجية الجزائرية عبد العزيز بن علي الشريف، أوضح آنذاك أنه "تمت إفادة السفير المغربي بأن توصيف القنصل العام المغربي في وهران للجزائر، إذا ما تأكّد حصوله، هو إخلال خطير بالأعراف والتقاليد الدبلوماسية لا يمكن بأي حال من الأحوال قبوله، وهو مساس بطبيعة العلاقات بين دولتين جارتين وشعبين شقيقين، مِمّا يستوجب على السلطات المغربية اتّخاذ التدابير المناسبة لتفادي أي تداعيات لهذا الحادث على العلاقات الثنائية بين البلدين".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
فصل قضية الصحراء الغربية
واعتبر السياسي المصري عادل السامولي، المقيم في جنيف السويسرية، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أن "المغرب ليس جاداً في استعادة علاقات طبيعية مع الجزائر"، مضيفاً أن "الرئيس تبون كان واضحاً في تصريحاته وعلى المغرب تجاوز عقبة ملفّ الصحراء الغربية". وأبرز أن "الانفراج غير منتظر في القريب العاجل، فالمغرب اليوم ربما يكون مشغولاً بوضع الملك محمد السادس وبتحضير ولي العهد".
ولفت السامولي إلى أن "تصريحات الرئيس تبون والملك محمد السادس يغلب عليها طابع لغة رجل الدولة التي تتّسم بالهدوء لأن المنصب يحتّم ذلك، أما تصريحات وتحرّكات المسؤولين، سواء الدبلوماسيين أو الأمنيين، فتؤكد أن الاحتقان سيّد الموقف على المستوى الرسمي، وكلنا نتذكّر تصريحات القنصل المغربي وهي تعبير عن التوجّه الرسمي للنظام الحاكم في المغرب الذي يرى في الجزائر بلداً عدواً".
حسن النية والتفاؤل
وعلى الرغم من أن رسائل حسن النية لم تغِب يوماً عن مشهد العلاقات الجزائرية - المغربية، إلّا أنّها لم تؤدِّ إلى حلحلة الوضع والوصول إلى مستوى تطلّعات الشعبين الشقيقين، ولكن التغيير الذي طاول النظام الجزائري بشكل كبير، بعث بنفحة من التفاؤل نحو عهد جديد في العلاقات الثنائية. كما أن الوضعين الدولي والإقليمي يفرضان على البلدين مزيداً من التوافق والتنسيق والتعاون على كل المستويات.
في السياق ذاته، رأى الإعلامي محمد دلومي أن "ما يجمع البلدين الشقيقين أكثر مِمّا يفرّقهما، لذلك فإنّ بقاء العلاقات بهذا الشكل يُعدُّ وضعاً شاذّاً يضرّ بالشعبين على كل الأصعدة سواء على المستوى الاجتماعي أو الاقتصادي وحتى السياسي". وقال إن "عودة الحرارة إلى العلاقات الثنائية هي الوضع الطبيعي لبناء مغرب عربي كبير"، معبّراً عن اعتقاده بأن "تصريحات تبون الأخيرة تجاه المغرب مؤشر إيجابي ينبئ بانفراج في العلاقات، بخاصة أن النظام الجزائري تغيّر بشكل كبير ونظرته إلى المغرب، كدولة جارة يمكن التنسيق معها في القضايا الكبرى، هي السائدة".
وتابع دلومي أن "استمرار التوتّر لا يخدم البلدين ولا الشعبين، على اعتبار أن المغرب والجزائر يحتاجان إلى بعضهما، كما أنّ عمق العلاقات التاريخية والاجتماعية أكبر من خلافاتهما"، موضحاً أن "المتغيرات الدولية تفرض منطقها أيضاً في ظلّ التحوّلات الكبيرة في المنطقة وفي ظلّ المؤامرات التي تُحاك ضد الدول العربية". وأشار إلى أن "الملك محمد السادس يعي جيداً أهمية العلاقات مع الجزائر، لذلك جاءت رسالة التهنئة كترحيب باليد الممدودة، علماً أن الملك لم يتخلّف عن تقديم التهاني في المناسبات السابقة". وختم بالقول إنه "مهما طالت الخلافات، فإن العلاقات ستعود إلى وضعها الطبيعي، لأن هذا ما يجب أن تكون عليه".