استجابت الخزانة البريطانية لجائحة فيروس كورونا فاقترضت مبالغ كبيرة من المال لتمويل البرامج المخصصة من أجل دعم العاملين والشركات والحفاظ على تمويل الخدمات العامة مع انهيار الإيرادات الضريبية.
ومن المتوقع أن يتجاوز الاقتراض العام مستوى 10 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي هذه السنة، وهو مستوى يزيد عن نظيره خلال الأزمة المالية. ونتيجة لذلك، فإن الدين العام للمملكة المتحدة، وفق "مكتب الإحصاءات الوطنية"، أصبح بالفعل معادلاً تقريباً لحجم الاقتصاد الإجمالي للمملكة المتحدة.
واستبعد بوريس جونسون الأسبوع الماضي العودة إلى التقشف.
وكان الجزء الأكبر من الأثر الناجم عن تصحيح أوضاع المالية العامة، الذي أجراه جورج أوزبورن بعد عام 2010، يتكون من خفض الإنفاق العام.
وهكذا انتقلت الأنظار إلى الضرائب.
ولم يتعهد بيان المحافظين في الانتخابات الأخيرة بأي زيادات في ضريبة القيمة المضافة أو التأمين الوطني أو ضريبة الدخل، وهي أكبر ثلاثة مصادر للإيرادات. لكن ذلك حصل قبل أن تلحق أزمة كوفيد هذا الضرر الكبير بالمالية العامة.
ورداً على سؤال الأسبوع الماضي حول احتمال زيادة الضرائب في أعقاب الأزمة، لم يستبعد رئيس الوزراء ذلك.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن هل من الضروري حقاً زيادة الضرائب لإصلاح ماليتنا العامة؟ وإذا كان الأمر كذلك، أي منها يجب أن ترتفع؟
هل نحن بحاجة إلى زيادات في الضرائب؟
من المهم التمييز.
يتفق خبراء الاقتصاد على غياب أي مبرر لزيادات ضريبية فورية على الرغم من تدهور المالية العامة.
فمن شأن هذه الزيادات أن تسحب المال من جيوب المستهلكين، وفي هذا الوقت من عدم اليقين الشديد، من المرجح أن تعيق هذه الزيادات الإنفاق الإجمالي وتؤدي إلى تقلص الاقتصاد. ومن شأن الاقتصاد الأصغر حجماً أن يتسبب بانخفاض العوائد الضريبية الإجمالية، ما يجعل الخطوة مدمرة لنفسها بنفسها.
والواقع أن هناك ما يدعو إلى إجراء تخفيضات ضريبية مؤقتة في البيئة الحالية، إذ يدعو البعض إلى خفض ضريبة القيمة المضافة لتشجيع الإنفاق، أو خفض اشتراكات التأمين الوطني المفروضة على أصحاب الأعمال لتشجيع الشركات على التوظيف.
هل ينبغي إذاً أن ترتفع الضرائب عندما يعود الاقتصاد إلى طبيعته؟
هنا أيضا من المهم تفصيل بعض الأشياء.
ففي حين يزعم بعض المعلقين أن القفزة في حجم الدين الوطني في حد ذاتها تعني أن الضرائب لا بد أن ترتفع لخفضه، تحذّر أغلبية خبراء الاقتصاد الآن من هذا الرأي.
وتُعَد أسعار الفائدة في السوق البريطانية منخفضة، وانخفضت أكثر في هذه الجائحة، وهذا يعني أن التكاليف السنوية لخدمة ذلك الدين الوطني الأعلى ستظل منخفضة للغاية وفق المعايير التاريخية.
وبعبارة أخرى، لن تزاحم خدمة الدين أنواعاً أخرى من الإنفاق مثل ذلك المخصص للتعليم والصحة.
ويقول الرأي السائد بأن الحكومة ينبغي أن تهدف إلى خفض حجم الدين بالنسبة إلى الاقتصاد مع مرور الوقت، لكن لا ينبغي القيام بذلك بسرعة من خلال زيادة كبيرة في الضرائب.
ربما إذاً يجب عدم رفع الضرائب أبداً؟
ثمة العديد من الحجج التي تفنّد هذا الرأي في حالنا اليوم. الأولى هي أن أسعار الفائدة قد لا تبقى منخفضة إلى الأبد، وحتى لو كان تسديد الديون مريحاً الآن فذلك قد لا يكون صحيحاً في العقود المقبلة من الزمن، وبالتالي سيكون من الحكمة أن تتصرف الحكومة قبل تحول هذا الاحتمال إلى واقع.
وحتى عندما يتعافى الاقتصاد بالكامل، وفق حجة ثانية، قد يحصل عجز هيكلي في الميزانية السنوية (في مقابل عجز دوري) من شأنه أن يؤدي، إذا لم يُعالَج، إلى ارتفاع الدين باطراد حتى في الأوقات العادية، وستكون زيادات ضريبية ضرورية لسد هذه الفجوة.
ويرتبط بهذا الوضع القلق من فرض شيخوخة مجتمعنا ضغوطاً تصاعدية بعيدة المدى على الإنفاق العام، لا سيما في مجالي الرعاية الصحية والرعاية الاجتماعية.
ويجادل "مكتب مسؤولية الميزانية" بأن مالية القطاع العام ستتأثر بضغوط متزايدة على مدى السنوات الـ50 المقبلة بسبب ارتفاع الإنفاق المرتبط بالعمر، ويحسب أن هذه الضغوط، إذا بقيت من دون معالجة، ستفتح عجزاً أولياً في ميزانية المملكة المتحدة (باستثناء تسديد الديون) يتراوح ما بين 6 و11 في المئة بحلول عام 2067.
ويرى كثيرون أن هذا الأمر في حد ذاته يبرر فرض ضرائب أعلى في الأجلين المتوسط والبعيد، بصرف النظر عن مستوى الدين.
وبعبارة أخرى، إذا أردنا الحصول على خدمات عامة ممولة تمويلاً صحيحاً، نحتاج كمجتمع إلى دفع مزيد من الضرائب.
لكن ألا تضر الضرائب المرتفعة بالنمو؟
كثيراً ما يقدم هذه الحجة أولئك المؤيدين للحريات الفردية من غلاة اليمينيين libertarian right. ويشير بعض المعلقين إلى أن الضرائب في المملكة المتحدة كان من المقرر أن ترتفع بالفعل إلى أعلى مستوى مستدام لها كحصة من الناتج المحلي الإجمالي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
لكن الدراسات الاقتصادية لا تدعم الحجة القائلة بأن زيادة الضرائب تضر دائماً بالنمو. فهي في بعض الحالات قد تدعمه إذا أُنفِقت العوائد في مجالات تعزز قدرتنا الإنتاجية مثل التعليم أو البنية التحتية.
وعلى الرغم من أن الضرائب في المملكة المتحدة مرتفعة وفق معايير ما بعد الحرب العالمية الثانية، فإنها أقل مما هي عليه في العديد من الاقتصادات الأوروبية المزدهرة الأخرى.
وكذلك تنفق هذه الاقتصادات في الأغلب على الرعاية الصحية للشخص الواحد أكثر مما تفعل المملكة المتحدة.
إذاً ما هي الضرائب التي ينبغي أن ترتفع؟
يشكك خبراء المالية العامة في إمكانية توفير تمويل صحيح لمزيد من الإنفاق العام من دون رفع إحدى الضرائب "الثلاث الكبيرة"، ضريبة القيمة المضافة أو ضريبة الدخل أو صندوق التأمين الوطني، ولهذا السبب انتقدوا التزام المحافظين باستبعاد ذلك.
ومع ذلك، بدأ الخبراء أيضاً دراسة إمكانيات فرض نوع من ضريبة الثروة.
وهذا من شأنه أن يكون جديداً في المملكة المتحدة وسيجلب تحديات عملية في التنفيذ، لكن في الأسبوع الماضي أشار غوس أودونيل، وهو أمين مجلس الوزراء الأسبق، إلى أن الأرضية السياسية قد تكون خصبة نسبياً لابتكار كهذا.
وقال، "في كثير من الأحيان تعرضت ضرائب الثروة للهجوم لأن الناس يقولون إنها يسارية جداً، وهي ما يفعله الشيوعيون والاشتراكيون. وإذا طُرِح النقاش وفق الصيغة القائلة "إننا نريد زيادة الإنفاق على الخدمات الصحية الوطنية، لكن ليست لدينا أي أموال، ستحظى زيادة الضرائب بقبول أكبر".
وثمة ابتكار آخر قدمه آرون أدفاني من جامعة ووريك Warwick University وأندي سامرز من كلية لندن للاقتصاد London School of Economics اللذين اقترحا أيضاً "ضريبة دنيا بديلة" جديدة، يعتقدان بأنها يمكن أن تجمع نحو 11 مليار جنيه إسترليني (13.75 مليار دولار) سنوياً.
وتتمثل منافع هذه الضريبة في ضمان عدم تمكن الأثرياء جداً من أن يخفضوا إلى حد كبير معدلات الضرائب الفعلية التي يدفعونها إلى ما دون المعدلات المفروضة على الناس من أصحاب الدخل الأدنى بكثير من خلال الحصول على أجورهم في شكل مكاسب رأسمالية في المقام الأول، الأمر الذي يجذب معدلاً ضريبياً أقل من معدل ضريبة الدخل.
وثمة ميزة أخرى لضرائب الثروة بالنسبة إلى كثيرين وهي أن من شأنها أن تقلل من التفاوت في الثروة، وهو تفاوت مرتفع في المملكة المتحدة ومصدر لقلق شعبي متزايد.
© The Independent