كشف علماء الفلك النقاب عن خريطة جديدة واسعة للسماء تظهر مئات الآلاف من المجرّات التي كانت مجهولة لنا في ما مضى- ولو كانت لا تُمثّل سوى نسبة طفيفة للغاية مما ينتظر مَنْ يميط اللثام عنه.
نشر فريق دولي ما يزيد على 200 عالم فلك الجزء الأول من نتائج مسح بموجات الراديو، شمل السماء بأسرها ونظر في أعماق الكون برهافة تفوق كل دراسة سابقة، مستخدماً تلسكوب يعمل بواسطة موجات الراديو بتقنيّة "مصفوفة الموجات المنخفضة التردّد" Low Frequency Array، اختصاراً "لوفار".
أدى المسح إلى العثور على مئات الآلاف من المجرّات غير المكتشفة. يمكن لتلك المجموعة الضخمة من النجوم أن تميط اللثام عن بعض من أضخم ألغاز الكون، بما فيها طبيعة "الثقوب السوداء" وطريقة نشوء عناقيد المجرّات.
ويتيح علم الفلك بموجات الراديو للعلماء مراقبة عمليّات كونيّة لا يمكن مراقبتها بالطرق العادية. وكجزء من دراستهم الجديدة، رصد العلماء ربع السماء فوق النصف الشمالي من الكرة الأرضيّة باستخدام تقنيات الراديو، ونشروا حوالي 10% من البيانات التي حصلوا عليها.
حدد البحث الجديد 300 ألف مصدر، جميعها تقريباً مجرّات تقبع في أقاصي الكون. إذ أن موجات الراديو التي لوحِظَتْ في الخرائط الجديدة، قد عبرت مليارات السنوات الضوئيّة قبل وصولها إلى الأرض، لتجد مكانها على صفحات البحث الجديد.
يمكن للخريطة المجمّعة الجديدة أن تساعد العلماء في الكشف عن أسرار مجموعة من أغرب أجزاء الكون. إذ يمكن أن تساعدهم مثلاً في تتبع مواقع "الثقوب السوداء" وبداياتها، واكتشاف الطرق المثيرة التي تلتهم بها النجوم.
صرّح هوب روتغرينغ من جامعة لايدن "إذا نظرنا إلى السماء باستخدام تلسكوب يعمل بموجات الراديو، يمكننا بشكل رئيسي رؤية الانبعاثات الصادرة عن البيئة المحيطة مباشرةً بـ"الثقوب السوداء" العملاقة... ونأمل أن نتمكن بواسطة تقنية "لوفار" من الإجابة عن السؤال المُحَيّر: من أين تأتي تلك "الثقوب السوداء"؟ ما نعرفه هو أنَّ "الثقوب السوداء" تلتهم ما حولها وتنشر الفوضى حولها. وعند سقوط الغازات فيها فإنها تُطلق نفثاً من المواد يمكن رؤيته باستخدام موجات الراديو"
قد تسمح الخرائط الجديدة للعلماء بتتبع الانبعاثات الراديويّة الغامضة التي يمكن أن تربط بين عناقيد المجرّات، وغالباً ما تقطع تلك الموجات ملايين السنين الضوئية عبر الكون. يعتقد العلماء بأن تلك الموجات الغرائبيّة تصدر عن تسارع الجُسيمات لدى اندماج المجرّات ببعضها بعضاً.
تتكوّن عناقيد المجرّات من تجمّعات لمئات آلاف المجرّات، ولطالما كان معروفاً منذ عقود أنَّ اندماج عنقودين من المجرّات سويّة يُصدر موجات راديويّة تسافر ملايين السنوات الضوئية. ويُعتقد أيضاً بأن تلك الموجات تنجم من تسارع الجسيمات أثناء عملية الاندماج.
وصرّحت أماندا ويلبر من "جامعة هامبورغ" في بيان إعلامي، أن "عمليات الرصد الإشعاعي، تُمكّننا من رصد الإشعاع الصادر عن الوسط الضعيف بين المجرّات، الذي يتولد نتيجة صدمات واضطرابات عالية الطاقة. باستخدام تقنية "لوفار"، يمكننا رصد مزيد من مصادر هذه الإشعاعات وفهم منبع طاقتها".
© The Independent