يبدو أنه بات من الصعب أن ينجو أي قطاع اقتصادي، مهما بلغت قوته، من تأثيرات جائحة كورونا التي تحاصر العالم حاليا بكل قوة.
وعلى مدار الأشهر الستة الماضية، ضرب زلزال كورونا القطاع العقاري المصري، مما أدى إلى هزة عنيفة تسببت في تراجع مبيعاته إلى النصف، وتقلصت أرباحه أو بالأحرى انهارت بنسبة 50 في المئة.
بيانات التحليل المالي، لنتائج أعمال غالبية شركات القطاع العقاري، الذي يبلغ حجم الاستثمارات فيه نحو 200 مليار جنيه (12.5 مليار دولار)، كشفت عن انخفاض المبيعات، وتراجع في الأرباح خلال الربع الأول من العام الحالي، مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي.
ويمثل قطاع العقارات نحو 20 في المئة من حجم الاقتصاد الكلي، علاوة على نحو و10.5 في المئة من حجم رأسمال البورصة المصرية، وفقاً لبيانات غرفة التطوير العقاري باتحاد الصناعات المصري.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تأثر شديد
ويرى فتح الله فوزي، المتخصص في القطاع العقاري، أن القطاع تأثر بشدة خلال الفترة الأخيرة، بخاصة في الربع الأول من العام، إثر تفشي الجائحة، موضحاً أن مظاهر التأثر بدت واضحة في تراجع المبيعات بنسبة تتراوح بين 40 و50 في المئة عن مخططات الشركات قبل تفشي الجائحة.
وقال فوزي لـ"اندبندنت عربية"، إن نسبة تحصيل الأقساط من العملاء قبل الجائحة، كانت تقترب من 98 في المئة، لكنها تقلصت منذ منتصف فبراير (شباط)، ثم مارس (آذار) إلى أقل من 70 في المئة، مضيفاً، "هذا المحور من أهم المحاور التي تعتمد عليها الشركات العقارية للاستمرار في تنفيذ أعمال جديدة".
وأضاف، "كما تأثرت أيضاً نسبة إنجاز الأعمال والمشروعات تحت التنفيذ"، لافتاً إلى أن إجراءات تقييد الحركة الاحترازية، التي أقرتها الدولة لمكافحة تفشي فيروس كورونا، كانت أحد الأسباب الرئيسة في إبطاء نسبة إنجاز المشروعات والأعمال".
وتوقع فوزي تحسن الأوضاع خلال الربع الثالث من العام الحالي، اعتباراً من نهاية يوليو (تموز) الحالي، وبداية أغسطس (آب) المقبل، قائلا، "تلك الفترة تمثل فترة مهمة للموسم العقاري، خصوصاً مع بدء تخفيف الإجراءات الاحترازية في الفترة الحالية".
من جهته قال حسين صبور، المتخصص في قطاع العقارات، إن القطاع تأثر بشكل أكثر من باقي القطاعات الاقتصادية الأخرى، مشيراً إلى أن القطاع يمثل قاطرة تجر وراءها نحو 70 صناعة إضافية. وأضاف، أنه رغم محاولات الدولة لمساندة القطاع، سواء المبادرات الرئاسية أو مبادرات البنك المركزي المصري، فإن حالة الركود كانت كبيرة، لأن المستهلك عندما يشعر بالقلق يلجأ إلى الادخار، بدلا من الاستثمار أو الاستهلاك.
وتوقع صبور أن تتراجع فترة الركود خلال الأسابيع المقبلة وقبل نهاية العام، مع تراجع أعداد المصابين بفيروس كورونا، وإعلان الدولة السيطرة بشكل كامل على الجائحة.
بدوره أكد محمد نبيل، المتخصص بالشأن العقاري، أن غالبية العملاء أجلوا تسلم وحداتهم السكنية نتيجة إجراءات الدولة الاحترازية والتباعد الاجتماعي علاوة على خوف وقلق العملاء من الإصابة بفيروس كورونا. وأضاف، بالقطع تأجيل العملاء لتسلم وحداتهم، كان سبباً مباشراً في تراجع التحصيل والمبيعات، ومن ثمّ الأرباح، خصوصاً أن أغلب الشركات تعتمد على إثبات الإيرادات، عند تسليم الوحدات وليس البيع.
وأوضح، أن الشركات عانت خلال الربع الأول من العام جراء تزايد معدلات "إلغاء الحجوزات"، نتيجة خوف المستهلكين من تداعيات الأزمة، وعدم الوفاء بالتزاماتهم، وهو مؤشر قد يؤثر في سيولة الشركات خلال الفترة المقبلة، بخاصة في حالة الشركات ذات الملاءة المالية المنخفضة. وتابع، الخطر الحقيقي الذي تواجهه الشركات، هو اتجاه العملاء الذين قرروا الشراء قبل الأزمة، لكن مع تداعياتها سيلجأون إلى سحب الحجوزات، سواء لعدم اتضاح المستقبل، أو لحاجتهم لسيولة مالية فعليا.
توقعات بمزيد من الخسائر
وواصل نبيل، نتائج أعمال الربع الثاني للشركات العقارية لم تظهر بعد، كما أن تراجع المبيعات والأرباح في القطاع بنسبة لا تقل عن 50 في المئة، من واقع نتائج أعمال الربع الأول فقط، وحتى نهاية مارس الماضي، مضيفاً، "لم تكن الجائحة قد تفشت في مصر بوتيرة أبريل (نيسان)، ويونيو".
وتوقع نبيل ارتفاع نسبة الخسائر والتراجع في المبيعات والأرباح، مع ظهور نتائج أعمال الربع الثاني، الذي يبدأ من أبريل وحتى يونيو الماضي.
في المقابل أظهر التقرير الصادر عن محرك البحث "عقار ماب مصر"، المهتم بقياس معدلات الطلب على السوق العقارية، أن هناك تحسناً ملحوظاً في الطلب على العقارات، بعد الانخفاض الذي شهدته السوق بسبب انتشار فيروس كورونا.
وكشف المؤشر عن زيادة نسبة الطلب على العقار بنسبة 20 في المئة خلال شهر يونيو الماضي، وهي النسبة الأكبر منذ 2013، وهو ما يتزامن مع عودة الطلب على العقار بعد فترة ترقب وحذر استمرت لعدة أشهر منذ بدء أزمة كورونا.
وأوضح أنه رغم توقعات تراجع الأسعار بسبب أزمة كورونا فإن أسعار العقارات لم تتغير، وبدأ الطلب بالتزايد بشكل تدريجي بعد إجازة عيد الفطر إلى أن وصل الطلب إلى مستوى قياسي في أخر أسبوع من يونيو.
مؤشر "عقار ماب" أظهر في تقرير سابق، أن الطلب العقاري سجل تراجعاً بنسبة 29.5 في المئة خلال مارس، بالتزامن مع أزمة كورونا، التي أثرت على الأسواق العقارية والمالية في مختلف دول العالم.
أقل قيمة في آخر 5 سنوات
وأوضح أن قيمة مؤشر "عقار ماب" وصل إلى أقل قيمة تم تسجيلها في آخر 5 سنوات، حيث لم تشهد السوق العقارية مثل هذه الظروف الاستثنائية من قبل.
وبحسب نتائج أعمال شركات عقارية مدرجة في البورصة، انخفضت مبيعات عدد منها، وتراجعت أرباحها خلال الربع الأول من عام 2020، مقارنة بالمدة ذاتها من العام الماضي.
وباستثناء مجموعة "طلعت مصطفى"، وشركة "مصر الجديدة للإسكان والتعمير"، فإن شركات قطاع العقارات، المدرجة في البورصة، عانت خلال الربع الأول من العام، مع تراجع المبيعات والتسليم، كما تراجعت أرباح "بالم هيلز للتعمير"، في الربع الأول من العام الحالي أيضاً 45.4 في المئة، مقارنة بالفترة ذاتها من 2019، لتسجل 84.5 مليون جنيه (5.2 مليون دولار).
وانخفضت أرباح شركة "إعمار مصر للتنمية" خلال الربع الأول من العام الحالي 42.4 في المئة إلى 215.8 مليون جنيه (13.4 مليون دولار)، فيما هوت أرباح شركة "السادس من أكتوبر للتنمية والاستثمار"، "سوديك" 83 في المئة، خلال الربع الأول لتسجل 28 مليون جنيه (1.7 مليون دولار).
وارتفع صافي ربح مجموعة "طلعت مصطفى" 4 في المئة فقط، ليصل إلى 375 مليون جنيه (23.4 مليون دولار)، فيما ارتفع صافي ربح شركة "مصر الجديدة للإسكان والتعمير" في 9 أشهر، إلى 8 أمثاله نتيجة بيع الأراضي.
وبحسب تقرير لبنك "استثمار فاروس"، تأثر معدل تسليم الوحدات في شركة "سوديك"، بجائحة كورونا، بصورة أكبر من تأثير الجائحة على المبيعات، لعدم استعجال العملاء في الحصول على وحداتهم، وقرار بعضهم بتأجيل موعد المعاينات لحين تحسن الوضع.
في حين انخفض عدد الوحدات المسلمة بشركة "سوديك"، خلال الربع الأول من العام 50.2 في المئة، مقارنة بالربع ذاته من 2019 بنسبة 76.4 في المئة مقارنة بالربع الأخير من العام الماضي ليصل إلى 100 وحدة.
وأدى تراجع التسليم، إلى تراجع الإيرادات 54.4 في المئة، مقارنة بالفترة ذاتها من العام الفائت، بينما بلغت نسبة التراجع 77.7 في المئة، مقارنة بالربع الأخير من 2019.
وأشار تقرير لبنك "استثمار فاروس"، أيضاً، إلى أن معدل إلغاء المبيعات ارتفع خلال الربع الأول من العام الحالي، في شركة "سوديك"، إلى 22 في المئة من إجمالي المبيعات، مقارنة مع 12 في المئة، خلال الربع الأول لعام 2019، لكنه انخفض إلى 15 في المئة خلال أبريل ومايو (أيار).
وأعلنت الحكومة المصرية، تقييد حركة المواطنين في إطار الإجراءات الاحترازية لمواجهة الوباء، منذ مارس الماضي، قبل أن تخفف الإجراءات والقيود المفروضة على المحال التجارية، وتعيد فتح المقاهي والسينمات والمطاعم، بطاقة 25 في المئة فقط من قدرتها الاستيعابية، اعتباراً من الأسبوع الأخير ليونيو الماضي، تخفيفاً لتداعيات الأزمة على الاقتصاد والأفراد.