عام 2013، تردّد اسم قرية "أدوز" في وسائل الإعلام المغربية والدولية، بعد تعرّض الخادمة فاطمة إحدى فتيات المنطقة، إلى الحرق والتعذيب على يد مُشغليها في مدينة أكادير جنوب البلاد، ما أثار النقاش حينها عن كيف تحوّلت القرية إلى مُصدّر لخادمات البيوت القاصرات.
لكن هذا الاهتمام بحسب الأهالي لم يستمر طويلاً، فلم يُغير مقتل الخادمة حرقاً شيئاً في القرية، بل لا تزال النساء يخبرن عن المعاناة ذاتها، بينما تتخوّف الفتيات الصغيرات من أن تتكرّر معهن قصة فاطمة (14 سنة)، في بلدة "نسيها الزمن" في أعالي جبال الأطلس.
"أرسلها إلى العمل في البيوت لإعالة أشقائها"
كانت العائلة أرسلت ابنتها إلى العمل في البيوت حين كان عمرها لا يتخطّى الـ11 سنة، وبعد مقتلها أملت والدتها في أن تغير هذه الحادثة حياة فتيات القرية، وأن يحظين بالاهتمام والدعم، لكي لا يكون مصيرهن مشابهاً لمصير ابنتها.
زينة أيضاً عملت خادمة في البيوت قبل زواجها، لتُضطر بسبب الفقر والتهميش إلى إرسال بناتها للعمل في المنازل.
وعلى الرغم من مقتل ابنتها على يدي مشغّلتها، وجّهت زينة ابنة ثانية للعمل في البيوت، وتقول في حديث لـ"اندبندنت عربية"، "في القرية لا يوجد مورد رزق، أرسلها إلى العمل في البيوت لإعالة أشقائها".
"لأراها بعد ذلك جثة محروقة"
ويتحدث أهالي القرية باللهجة الأمازيغية، وبعضهم لا يُتقن ولا يفهم اللغة العربية، يعمل الرجال في الفلاحة أو رعي الغنم، بينما تعمل النساء في البيوت ويتكفّلن بمهمة حمل الحطب من الحقول وقطع مسافات طويلة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
سماسرة الفقر يستغلون حاجة الأهالي إلى المال وأميّتهم، لتشغيل الفتيات في المدن بثمن زهيد. وتقول زينة في هذا الصدد، "قبل إرسال ابنتي فاطمة أقنعوني بأنها ستكون فرداً من عائلتهم، لكنهم حرموني منها لمدة ثلاث سنوات، لأراها بعد ذلك جثة محروقة من الصعب التعرف إليها".
التنقل من القرية إلى مدينة أكادير بالنسبة إلى الأهالي مكلف جداً، ما يجعلهم معزولين عن حياة المدينة ومنسيّين، على حدّ تعبيرهم.
"لا أريد أن أكون مثل فاطمة"
يتخوّف بعض الفتيات في القرية من العمل في البيوت، وتقول عائشة إحدى الفتيات البالغة من العمر 16 سنة في حديث لـ"اندبندنت عربية"، "لا أريد أن أكون مثل فاطمة، أرغب في أن أتعلّم وأعمل معلمة، حادث فاطمة آلمنا جميعاً".
ويُشار إلى أن مشغّلة فاطمة حُكمت بـ20 سنة سجناً نافذة عام 2014 بتهمة قتل خادمتها إثر حروق بليغة جراء عمليات كي متكرّرة والتعذيب.
وبعد مقتل فاطمة وحوادث عنف الخادمات، سنّ المشرّع المغربي قوانين تُجرّم تشغيل الأطفال، وكانت جمعية "إنصاف" أطلقت حملة تحسيسية، أهم ما جاءت به المادة 23 من القانون رقم 19-12، وبحسب نصّ القانون يُعاقَب أي شخص يُشغّل طفلاً دون الـ 16 سنة، ويُعاقَب بغرامة مالية، وفي حال تكرار الجريمة تُضاعَف الغرامة المالية، ويُشير النصّ القانوني إلى أنّه من الممكن معاقبة المشغّل بالسجن لمدة تتراوح بين شهر وثلاثة أشهر.
فشل المشروع
وقد أسّست فاطمة أيت بلقاس 44 سنة، جمعية في القرية لتعليم الفتيات صنع الخبز، وكانت قد تطوّعت إلى جانب نساء من القرية لبناء مخبز، بهدف تأهيل الفتيات وتشغيلهن.
في السياق ذاته، تقول فاطمة أيت بلقاس لـ"اندبندنت عربية"، "جمعنا المال وتطوّعنا لبناء مخبز، لكن وجدنا صعوبات كثيرة، أبرزها أننا في منطقة نائية، التنقل إلى المدينة يُكلّفنا الكثير من المال، وليس بمقدورنا تحمّل مصاريف كثيرة، لهذا أغلقنا المخبز".
وبخصوص هذه المبادرة، توضح، "في البداية كانت الفتيات والنساء متحمّسات للعمل في المخبز، لكن بسبب شعورهن بغياب دخل من العمل في المشروع، انسحبن".
وتعرب أيت بلقاس عن حزنها الشديد لفشل مشروع كانت تطمح في أن يكون بارقة أمل لإنقاذ فتيات القرية من العمل في البيوت.
"أتعرض لنقد من رجال القرية"
إطلاق فكرة إنشاء مشروع في قرية محافظة وفقيرة، لم يكن بالأمر السهل بالنسبة إلى مؤسسة المخبز، بل عانت من هجوم رجال أهالي القرية.
وتُوضح في هذا السياق، "في القرية يمتزج الفقر بالنظرة الذكورية للمرأة، كُنتُ في كل مرة أدعو النساء إلى الاجتماع لنناقش مشروعنا، أتعرّض لنقد من الرجال باعتباري امرأة لا يوجد رجل يحكمها في نظرهم. أنا أسعى فقط إلى أن يكون لدينا مشروع في قريتنا نعمل فيه نحن النساء، لنُساعد أطفالنا على الدراسة وأن يعيشوا حياة أفضل".
وترغب أيت بلقاس في تطوير المبادرة إلى تعاونية، وأن تستفيد القرية من دعم المبادرة الوطنية البشرية في المغرب، لكنها وجدت صعوبات عدّة، قائلة "لدينا رغبة وعزيمة لكن نواجه مشكلة في الإجراءات الإدارية لأننا جميعنا هنا أمّيات، نحتاج إلى مَن يُرشدنا حتى نؤسس تعاونية تعمل فيها نساء القرية، وتُساعدنا الدولة على تسويق منتجاتنا كباقي التعاونيات".
العمل في البيوت كابوس فتيات القرية
ويُشار إلى أنّ العاهل المغربي محمد السادس، كان قد أطلق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية عام 2005، بهدف دعم المشاريع المدرّة للدخل ولتقليص الفوارق الاجتماعية في المغرب ومحاربة الفقر والهشاشة الاجتماعية.
العمل في البيوت أو القرى بأجور زهيدة، أصبح كابوساً يُخيف فتيات القرية، ويطمحن إلى عمل يحفظ كرامتهن. تقول خديجة البالغة 17 سنة، "لا أريد أن أعمل في البيوت، أتطلّع إلى العمل في المخبز أو في أي مشروع آخر إلى جانب نساء القرية، وأن نحصل على راتب شهري، إنه أفضل شيء بالنسبة لي".
عزيمة نساء القرية
وتُضيف "لا توجد هنا أم تختار أن ترسل ابنتها إلى العمل في البيوت، هن مجبرات بسبب الفقر والتهميش، وأعتقد أننا جميعاً نتمنى أن نجد دعماً لإنشاء تعاونية ربحية، وأن نعمل بجدّ ونتعب، ويتحسّن وضعنا الاقتصادي".
وعلى الرغم من كل التحدّيات والتهميش والفقر، إلّا أنّ فاطمة أيت بلقاس وباقي نساء القرية مُصرّات على إنشاء مشروع يُشغّل بنات القرية وأن لا تتكرّر قصة فاطمة مرة أخرى.