على غير العادة، تتعامل إسرائيل مع الأسرى الفلسطينيين الذين أُعيد اعتقالهم بعد الإفراج عنهم ضمن صفقة شاليط 2011، فتصدر أحكاماً بحقهم من خلال لجنة عسكرية، ترجع لهم أحكامهم السابقة قبل الإفراج عنهم، على أن يقضوا ما تبقى من محكوميتهم، ويأتي ذلك من دون عرضهم على محكمة إسرائيلية.
ويعد ذلك خرقاً للاتفاقيات التي أجريت بين "حركة حماس" وإسرائيل عند عقد صفقة تبادل الأسرى (يسميها الفلسطينيون وفاء الأحرار، والإسرائيليون إغلاق الزمن أو صفقة شاليط) والتي كانت بضمانات مصرية. وأفرج خلالها عن 1027 أسيراً فلسطينياً، مقابل أن تفرج "حماس" عن الجندي جلعاد شاليط، وكان من بينهم حوالى 117 أسيراً من الضفة الغربية، وفقاً لما أوضحه مدير مركز دراسات الأسرى رياض الأشقر.
55 أسيراً
وبدأت إسرائيل بإعادة اعتقال الأسرى المفرج عنهم ضمن صفقة شاليط في الضفة الغربية، مطلع عام 2014، ويقدر عددهم بـ79 محرراً، أطلقت سراح 24 منهم، ولا يزال البقية رهن الاعتقال، وبالتدريج أعادت لهم أحكامهم السابقة من خلال لجنة عسكرية كانت تنطق بالحكم.
ويشير الأشقر إلى أن ذلك غير قانوني ولا ينسجم مع اتفاقيات جنيف، ولا مع الضمانات الدولية لصفقة تبادل الأسرى 2011، ويعد ظلماً وتعسفاً بحق الأسرى، الذين من المفترض ألا تعتقلهم إسرائيل تحت أي سبب، ما لم يمارس أحدهم نشاطاً سياسياً.
تأجيل الاستئناف
وعلى أمل إطلاق سراحهم، قدّم الأسير نائل البرغوثي قبل أكثر من عام استئنافاً إلى المحكمة العليا الإسرائيلية، باسم مجموعة من الأسرى الفلسطينيين المعاد اعتقالهم. وكان من المقرر أن تصدر المحكمة قرارها قبل يومين، إلا أنها أجلت الجلسة إلى سبتمبر (أيلول) المقبل، بذريعة الوضع الراهن المتعلق بانتشار فيروس كورونا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولم يكن هذا التأجيل الأول على الالتماس (الاستئناف) الذي قدمه 27 أسيراً من محرري صفقة شاليط المعاد اعتقالهم، بل تمّ تأجيله على الأقل سبع مرات. ولأن عدد الأسرى المتقدمين كبير مثّلهم نائل البرغوثي ونايف رضوان، ويطالب الالتماس بضرورة الإفراج عن هؤلاء، كون أَسرَهم غير قانوني بعد الإفراج عنهم ضمن صفقة دولية.
أمان نافع زوجة الأسير نائل البرغوثي، تقول إن المحكمة العليا أجّلت حكمها مرات عدة، وكذلك طلبت أكثر من مرة تعديل الاستئناف إلى صيغ أخرى، مشيرة إلى أن ذريعة التأجيل غير مبررة، كون محاكم إسرائيل مستمرة في عقد جلساتها على الرغم من تفشي الوباء.
حرمان مضاعف
في الحقيقة، بدأت إعادة اعتقال هؤلاء بذريعة أن الجيش الإسرائيلي يريد استجوابهم في قضايا عدة، إلا أن ذلك تحوّل إلى اعتقال وإعادة تفعيل أحكامهم السابقة. ويشير الأشقر إلى أن اعتقالهم كان انتقاماً وليس لأنهم مارسوا نشاطاً سياسياً أو ارتكبوا خروقات أو مخالفات. وبالفعل طبّقت إسرائيل ذلك، وأفرجت عن عددٍ من الأسرى المعاد اعتقالهم بعد انتهاء محكوميتهم.
وفي الواقع، ترفض إسرائيل السماح لأهالي هؤلاء الأسرى زيارة ذويهم، وكذلك ترفض إقامة أي محاكمة لهم، وتكتفي بالقول إن ملف الاتهام سري، بينما يبت قرار الحكم فيهم لجنة عسكرية، وتُرسل أخبار الأسرى لذويهم وللمؤسسات الحقوقية عن طريق المحامين فقط.
وفي هذا الشأن، يوضح الأشقر أن هؤلاء الأسرى يواجهون حرماناً مضاعفاً، خصوصاً أن المحاكم الإسرائيلية لم تستجب لأيّ مناشدة بضرورة الإفراج عنهم، ولم تقم لهم محاكمة، وكذلك تحرمهم من الزيارات وتمارس بحقهم ضغوطاً أخرى.
وفي السياق ذاته، يرى رئيس نادي الأسير قدورة فارس أنه من الضروري أن يكون إطلاق سراح محرري صفقة شاليط شرطاً أساسياً ومقدمة لإتمام أي صفقة تبادل مقبلة، وأن تتضمن عملية الإفراج عن أي أسير نصاً واضحاً يصدر فيه عفو عام.
الإفراج عنهم شرط أساسي
ويرى أن ذلك أمر ضروري خصوصاً بعد انتهاء كل الفرص السلمية التي نادت بإطلاق سراحهم، مشيراً إلى أن المحاكم الإسرائيلية العسكرية لا علاقة لها بالقانون، وتبني قراراتها على وهم، وتسوغ قرارات القيادة السياسية.
وبالفعل، وضعت "حركة حماس" شرطاً لبدء أي مفاوضات جديدة لصفقة تبادل مرتقبة، أن تفرج إسرائيل عن الأسرى المعاد اعتقالهم كلهم. ويقول الناطق باسمها عبد اللطيف القانوع إن "إطلاق سراح محرري صفقة وفاء الأحرار يعد أول شرط لبدء عملية التفاوض في الصفقة المقبلة عبر وسطاء دوليين، خصوصاً أن الفصائل قادرة على إجبار إسرائيل للرضوخ لمطالبها، فنحن نمتلك أوراقاً قوية للإفراج عن الأسرى".
قد تكون إحدى العراقيل
ويعتقد أستاذ العلوم السياسية عبد الستار قاسم أن قيام تل أبيب بمحاكمة عسكرية بحق الأسرى المعاد اعتقالهم، قد يعرقل فعلياً مفاوضات صفقة التبادل المرتقبة، وأن ذلك قد يشكل حاجزاً رئيساً أمام الوسطاء الدوليين.
ويشير إلى أن قيام إسرائيل بمثل هذه الأفعال دليل على عدم جديتها في البحث عن فرصة حقيقية لإبرام صفقة تبادل إنسانية كان طرحها رئيس "حماس" في غزّة يحيى السنوار، مع أن إسرائيل تعلم جيداً أن الحركة لن تتنازل عن شرطها في ضرورة الإفراج عن هؤلاء الأسرى قبل الدخول بحديث حول صفقة شاملة.
ومن وجهة نظر قاسم، فإن مفاوضات الصفقة الجديدة متوقفة، وخير دليل ممارسات إسرائيل بحق الأسرى المعاد اعتقالهم، معتبراً أنّ رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو مستغنٍ عن جنوده في غزّة، من أجل المحافظة على كرسيه ومنصبه في الحكومة، "فهو يعلم جيداً أنه إذا كان جنوده أحياء فقد يثبت عليه الكذب على مواطنيه".
وفي الفترة الأخيرة، عرض قائد "حماس" يحيى السنوار على إسرائيل مبادرة إنسانية مفادها "الإفراج عن أسرى صفقة شاليط، وعدد من المرضى وكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة، مقابل تساهل كبير تقدمه حماس في ملف جنودها الأربعة الموجودين لديها في غزّة".