في الساعات الأولى من صباح الثلاثاء 14 يوليو (تموز)، أصدر مجلس النواب الليبي بياناً، فوّض فيه الجيش المصري بالتدخل في ليبيا، إذا قررت تركيا القيام بتحرك عسكري نحو سرت والجفرة.
جاء ذلك بعد ساعات من إعلان الجيش الوطني الليبي استعداده للمواجهة مع تركيا، بعد تهديدها باللجوء إلى الخيار العسكري، إذا ما رفض قائد الجيش خليفة حفتر سحب قواته من المدينتين اللتين تمثلان بؤرتي التوتر البارزتين في المشهد الليبي، منذ أشهر.
تزامنت هذه التطورات مع أخبار متواترة من مصادر محلية في مصراتة وسرت، عن تواصل الحشد العسكري ورفع درجة التأهب. ما ولّد حالة من التوتّر والترقب، في انتظار الصدام الكبير، الذي يبدو أن لامفر منه.
ضوء أخضر للتدخل المصري
خوّل مجلس النواب الليبي، في بيان نشر عبر موقعه الرسمي، القوات المسلحة المصرية بالتدخل لحماية الأمن القومي الليبي والمصري، إذا ما دعت الحاجة، وذلك بعد ساعات من إعلان تركيا استعدادها لشن عملية عسكرية، في سرت والجفرة.
وذكر البيان أن "هذا التفويض جاء في ظل ما تتعرض له بلادنا من تدخل تركي سافر، وانتهاك لسيادة ليبيا بمباركة المليشيات المسلحة المسيطرة على غرب البلاد، وسلطة الأمر الواقع الخاضعة لها".
أضاف البيان أنه "لما تمثله جمهورية مصر من عمق إستراتيجي لليبيا، على الصعد الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، على مر التاريخ، فإن مجلس النواب الليبي الممثل الشرعي الوحيد المُنتخب من الشعب الليبي، يؤكد ترحيبه بما جاء في كلمة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، ويفوّض القوات المسلحة المصرية باللتدخل لحماية الأمن القومي الليبي والمصري، إذا ما رأت هناك خطراً داهماً وشيكاً يطال أمن بلدينا".
واعتبر النائب في مجلس النواب الليبي، إبراهيم المغربي، لـ"اندبندنت عربية"، أن "هذا التفويض طبيعي، في إطار معاهدة الدفاع المشترك الموقّعة بين البلدين منذ زمن، وبالنظر إلى الخطر الذي تمثله الممارسات التركية، على أمن ليبيا ومصر".
وأكد أن "التفويض قانوني ودستوري، لأنه صادر عن مجلس النواب الجسم الوحيد المنتخب في البلاد، وصاحب الاختصاص الصميم في هذا الشأن".
تهديد من أنقرة
وكان وزير الخارجية التركي، مولود أوغلو، كشف الإثنين أن "عملية عسكرية سيتم تنفيذها، في حال عدم انسحاب قوات حفتر من سرت والجفرة".
وأضاف أوغلو، في تصريحات إلى قناة تلفزيونية تركية، "يجب تسليم سرت والجفرة لحكومة الوفاق الليبية"، موضحاً أنه "تم تقديم اقتراحات حكومة الوفاق في شأن أزمة ليبيا لموسكو، وقد يتم عقد اجتماع على مستوى الخبراء وآخر على مستوى الوزراء، وستنفذ عملية عسكرية في حال عدم الانسحاب من سرت".
تصريحات أوغلو، جاءت بعد ساعات من إعلان دائرة الاتصال في الرئاسة التركية، أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بحث عبر الهاتف مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، آخر المستجدات في ليبيا وسوريا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ووفق البيان الصادر عن الرئاسة التركية، فإن الرئيسين التركي والروسي اتفقا على مواصلة التعاون من أجل السلام والأمن والاستقرار في المنطقة.
وبدا لافتاً أن قنوات التواصل التركية مع موسكو فتحت بعد يوم واحد من هجوم شنه مستشار الرئيس التركي ياسين أقطاي على روسيا، واتهمها بأنها "تقف دائماً خلف حفتر، لذلك مقترح وقف إطلاق النار لا يضمن أي انسحاب له من الأراضي التي يوجد فيها، منذ عام 2015".
وقال إن "موقف حفتر تحول للسلام ووقف إطلاق النار، بعد خسارته وفشل محاولته الانقلابية، وإن روسيا ترغب في إنقاذه، عبر محاولات السلام هذه".
الإصرار على الخيار العسكري، عبّر عنه أيضاً حلفاء أنقرة في طرابلس، إذ اعتبر المتحدث العسكري باسم قوات الوفاق، محمد قنونو، أنه "حان الوقت ليتدفق النفط مجدداً والضرب على الأيدي الآثمة العابثة بقوت الليبيين".
وتابع "سنبسط سلطان الدولة الليبية على كامل ترابها وبحرها وسمائها، بجهود قواتنا البرية والجوية والبحرية".
الجيش يرد على اتهامات تركيا
من بنغازي، جاء الرد سريعاً على التصريحات والمواقف التركية المتشددة، على لسان الناطق باسم الجيش الوطني الليبي، أحمد المسماري، الذي لاحظ "تصعيداً تركياً لمعركة في منطقة سرت والجفرة، وذلك على لسان وزير الخارجة التركي مولود أوغلو، ونحن في حالة استعداد للدفاع المشروع عن أرضنا وشعبنا ومقدراتنا".
وردّ المسماري على اتهامات أنقرة بمثلها، معتبراً أنها "تهدف إلى تثبيت حكم جماعة الإخوان المسلمين والتنظيمات الإرهابية في الأراضي الليبية، إلى جانب ابتزاز الاتحاد الأوروبي بشأن الهجرة غير الشرعية والسيطرة على النفط والغاز الليبي، لإنقاذ اقتصادها المنهار".
أوروبا تلوح بعصا العقوبات
أما الاتحاد الأوروبي فقد صعّد من لهجته ضد أنقرة، بسبب سياساتها في ليبيا. ودعا مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد، جوزيب بوريل، تركيا إلى "احترام حظر السلاح على ليبيا، واحترام مخرجات مؤتمر برلين، في شأن التوصل إلى حل نهائي للأزمة الليبية".
وأعلن بوريل، في مؤتمر صحافي، أن "اجتماع وزراء خارجية الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، ناقش الأزمة في ليبيا، ودعا تركيا إلى احترام القرارات الدولية وحظر توريد الأسلحة، والالتزام بمخرجات مؤتمر برلين"، لافتاً إلى "إمكانية فرض عقوبات على تركيا، بخصوص أعمال التنقيب عن مصادر الطاقة، التي تجريها في شرق المتوسط".
تركيا عقدة للجميع
اعتبر أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، جمال الشطشاط، في حديث إلى "اندبندنت عربية"، أن "تركيا باتت عقدة لجميع الفاعلين، في المشهد الليبي، داخلياً وخارجياً، تصعّب الحل وترفع مستوى التوتر بشكل ممنهج، سعياً لتفجير الأوضاع كي تتمكن من الهيمنة العسكرية ووضع يدها على ثروات ليبيا".
ويعتقد الشطشاط أن "التصعيد التركي جعل الاتحاد الأوروبي غير قادر على التجاهل، والاكتفاء ببيانات التنديد والإدانة، وبات مضطراً إلى رفع عصا العقوبات، لحماية مصالح أعضائه في ليبيا، التي بات تحت تهديد أنقرة".
وختم الشطشاط بالقول "لولا الخطوط الحمر التي أعلنتها مصر لما تردد الرئيس التركي في الهجوم على سرت والجفرة، منذ فترة، ويتضح من هذا التأخير أن حسابات أردوغان تؤكد له أن التقدم نحوهما غير مضمون النجاح، ومهدّد بالفشل".