على الرغم من أن السودان ينتج ما نسبته 80 في المئة، من إجمالي إنتاج الصمغ العربي في العالم كماً ونوعاً، ويعتبر ثروة مهممة وشبه حصرية مطلوبة، إلا أن البلاد لا زالت غير قادرة على اعتباره مورداً ذات مردود اقتصادي، إذ لا يشكل، سوى 3 في المئة من حجم صادراته، ولا تتعدى نسبة الإنتاج 15 في المئة من إمكانيات البلاد، تُمثل حوالى 90 ألف طن سنوياً، بقيمة 250 مليون دولار.
وظل الصمغ السوداني طوال 40 سنة مضت، محتكراً من شركات عالمية محدودة، لم تكن تستورده إلا بشكله الخام، عبر وسطاء دوليين يمتلكون تكنولوجيا تصنيعه في شكل بودرة رذاذية أو ميكانيكية، لاستخدامها في الصناعات المختلفة، في مجالات واسعة التعدد والتنوع، لاغنى لها عن الصمغ.
إستراتيجية وسياسات جديدة
في السياق ذاته، أكد المهندس مصطفى عبد الجليل، رئيس مجلس الصمغ العربي، لـ "اندبندنت عربية"، حرص المجلس، على إعادة الاعتبار للصمغ وفق إستراتيجية وطنية، وانتهاج سياسات جديدة، لوقف هدر هذه الثروة عبر تصديرها كخام أو تهريبها، ما حرم البلد وفوّت عليها الكثير من عائدات العملات الحرة.
وأضاف "ظل السودان ولسنوات طويلة، محروماً من الاستفادة من هذه السلعة، كمورد مهم للإيرادات، بسبب لوبيات الصمغ المحلية والعالمية التي تفرض أسعارها ومواصفاتها، وتُصِر على الحصول عليه بشكله الخام"، مبيناً أن الخسارة تتجلى في فارق السعر الشاسع، بين الصمغ الخام والمصنع، ففي حين يبلغ سعر الطن المصنَّع حوالي 20 ألف دولار، لا يتجاوز طن الخام الـ 3500 دولار فقط.
وقف تصدير الخام
وكشف عبد الجليل، أن المجلس قرر وقف تصدير الصمغ بشكله الخام خلال الخمس سنوات المقبلة، وكسر كل الاحتكارات العالمية والمحلية، بإنشاء بورصات إلكترونية عالمية، كآلية لتحسين الأسعار وجذب المستثمرين والاستثمارات، ما يمكّن تصميم شراكات ذكية دولية، موضحاً أن المرحلة المقبلة ستشهد تنشيطاً لعمليات التصنيع، بتحريك كل الطاقات الصناعية المتاحة فى هذا المجال.
وتوقع عبدالجليل، أن يُسفِر المؤتمر العالمي الثاني للصمغ، الذي سيستضيفه السودان خلال العام الجاري، برعاية مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، (الأونكتاد)، عن فوائد كبيرة، تعزز الخطط والإستراتيجية الوطنية وتدعمها، وتأسيس المركز الأفريقي لأبحاث الصمغ بالخرطوم، ما يمكّن السودان من إصدار المعايير التجارية للأصناف المختلفة، وإجراء البحوث المتعلقة بتطوير مزايا الاستخدامات والأنواع.
وحول التحديات الداخلية التى تواجه طموحات السودان، قال رئيس مجلس الصمغ، "إن القطاع لازال يواجه مشكلات تتعلق بالبنيات الصناعية والتهريب وتقديم أسعار مجزية للمنتجين، إضافة إلى الحفاظ على الثروة الغابية نفسها، من القطع الجائر المستمر، على الرغم من وجود قوانين تجرّم ذلك"، مطالباً بتشديد العقوبات في مواجهة التعدي على الحزام الشجري للصمغ، واستحداث وزارة منفصلة للغابات وحمايتها تشرف على توسيع الحزام بزرع مساحات جديدة.
نقلة نوعية
من جهة ثانية، أعرب البروفيسور طارق الشيخ، الأمين العام للمجلس في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، عن ثقته في قدرة السودان على إحداث نقلة نوعية في الإنتاج والتسويق والجودة، ومشروعات الاستخدام المتعدد الأغراض لتقديم منتج مصنع يتوافق مع معايير ومواصفات الجودة العالمية.
وأضاف، "أُعدِت إستراتيجية وطنية للصمغ، بواسطة علماء ومختصين في هذا المجال، تتسم بالشمول والتكامل لتحسين واقع السلعة، ورفع الكفاءة التنافسية، وتحسين البيئة الداخلية والمحلية للإنتاج والمنتجين".
وتُركِز الرؤية الجديدة في مجال الصمغ، بحسب الشيخ، على إظهار مزايا وفوائد الصمغ في مجالات، الغذاء والصحة والصناعة، لإدخاله في الاستهلاك المحلي، وتطوير الصناعات المحلية التي تستخدمه، بخاصة الصناعات التي يتمتع فيها السودان بميزات تفضيلية، كصناعة الورق والمحارم والأوراق النقدية، إلى جانب إدخاله في صناعة الخبز المخلوط.
وحول مشروعات تطوير قطاع الصمغ، أوضح الأمين العام لمجلس الصمغ العربي، أن الخطة تضمنت 45 مشروعاً، على رأسها تعزيز البنيات الصناعية، بأكثر من 12 مصنعاً بمستوى عال، وعشرات المصانع التقليدية الداعمة، فضلاً عن مشروعات تحسين الجودة، وإعادة تأهيل حزام الصمغ، وتقنين الحيازات وترقية الأسواق الريفية والحضرية.
القيمة المضافة
أكد وكيل وزارة الصناعة والتجارة محمد علي عبد الله، عزم السودان وسعيه الجاد إلى تحقيق الاستفادة القصوى من الصمغ، كرافد مهم في تعزيز موارده ودعم مشروع نهوض الاقتصاد الوطني.
وأضاف عبدالله " الصمغ سلعة ذات خصوصية، ولن نفرط فيها مجدداً، ما يحتّم ضرورة الالتزام بالخطط والبرامج الخاصة بتطويره، من خلال إقامة مصانع ودعم المصانع الموجودة وإنشاء أخرى جديدة، وجذب الاستثمارات، لتحقيق القيمة المضافة المطلوبة".
على الصعيد ذاته، أكد سيد علي نمر، مدير مصنع بابنوسة للألبان والصمغ، الذي دشّن أخيراً، بعد توقف مدة 24 سنة، جاهزية تشغيله، وتوفر كل الاحتياجات اللازمة من الصمغ الخام لانطلاقة التصنيع، مشيراً إلى "أن فكرة تشغيل المصنع ارتبطت بتطوير شجرة صمغ الطلح، ورفع قدرتها الإنتاجية، من أجل حماية وزيادة، وتنويع الصادرات، بتعظيم منافع سلاسل القيمة المضافة للصمغ".
أسعار غير عادلة
عزا الأستاذ في جامعة السودان محمد المبارك، أسباب تدني أسعار التصدير، إلى غياب السعر التأشيري الوطني المنصف، ما يجعل المساومات غير العادلة، هي التي تتحكم بتحديد أسعار تتوافق مع رغبة المشتري وليس المنتج.
ووصف تلك الطريقة، بأنها مجحفة وغير عادلة، تضرّ بمصلحة البلاد، وتقود إلى تدني الأسعار لصالح المصدّرين المحليين والشركات الأجنبية المستوردة، وتدفع بالمنتجين إلى العزوف تدريجاً عن الإنتاج.
ودعا اختصاصي تسويق وكيمياء الصمغ في حديث إلى "اندبندنت عربية"، إلى ضرورة تفكيك الحلقة الثلاثية التي تحجب المستهلك عن المنتج، بالقضاء على الممارسات التجارية غير العادلة، في تسويق الصمغ، مقترحاً تشكيل آلية تضم كل الأطراف يتم عبرها تحديد الأسعار، أو أن يقوم السودان بتحديدها عبر دراسة جدوى اقتصادية، ومن ثم تفرضها على المستوردين حماية لمصالحه.
وأضاف، "لا بد أن تُحِكم وزارة التجارة قبضتها على مورد صادر الصمغ، بدلاً من تركها للبنوك التجارية، ما يشكل ثغرة كبيرة تجعل المصدرين والشركات الأجنبية، هم المتحكمين بأسعار التصدير".
وحذر اختصاصي التسويق، من أن يقود الاتجاه لإنشاء بورصات للصمغ في ظل غياب ثقافة البورصات والمزادات والترويج الكافي، إلى تحكم المصدرين من جديد، واستمرار دوامة هدر واستغلال مورد الصمغ بطريقة غير عادلة أو أخلاقية.
المستهلك الأول
تستهلك الولايات المتحدة الأميركية، 80 في المئة من إنتاج الصمغ في العالم، وعندما فرضت العقوبات على السودان عام 1997، ومنعته من التجارة الدولية استثنت سلعة الصمغ، ما دفع السودان إلى رفض التعامل المباشر مع الولايات المتحدة، وأصبح يصدره إلى فرنسا، التي تقوم بدورها بتصديره إلى الولايات المتحدة بعد تصنيعه.
ويعتبر الصمغ منتجاً طبيعياً ليس له بديل، ولا غنى عنه، إذ يدخل في حوالي 82 صنفاً من الصناعات الغذائية والدوائية، الأسلحة، الطائرات، السيارات، الدهانات، مستحضرات التجميل، وورق البنكنوت.
وكانت شركة الصمغ العربي القابضة، التي تأسست عام 1969، تحتكر إنتاج الصمغ في السودان، وتنظم تسويقه في العالم، وهي مملوكة للدولة بنسبة 51 في المئة، لكن أخيراً تراجعت نسبتها إلى 28 في المئة فقط، ما أدى إلى تحجيم دورها، غير أنه وفي تطور لاحق أنشئ مجلس الصمغ، ما أدى الى ظهور العديد من الشركات المحلية والعالمية التي تهتم بتصنيع وتصدير الصمغ أو تسويقه.
وتنمو 80 في المئة من الأشجار في منطقة حزام الصمغ غرب السودان طبيعياً، من دون استخدام أي مواد كيماوية، بينما يُزرع حوالى 20 في المئة، وتفرض الدولة بالقانون على كل المزارعين بحزام الصمغ، زراعة 10 في المئة من مساحة أراضيهم بأشجار الصمغ التي تحسّن التربة وجودة المزروعات الأخرى، فضلاً عن محاربة ظاهرة الزحف الصحراوي.
ويعمل في منطقة حزام الصمغ أكثر من 6 ملايين شخص، لكسب العيش وتحسين حياتهم عبر هذا المنتج، فيما لا تتحمل الشركات الدولية المستفيدة، أي مسؤولية اجتماعية تجاههم على الرغم من الحياة المعيشية الصعبة في مناطق تفتقر إلى الخدمات الأساسية، كمياه الشرب الصحية والتعليم والصحة.