"العالم مبارزة موت في لعبة صفرية بين رابحين وخاسرين". هذا ما تعلمه الشاب دونالد ترمب من والده، كما جاء في كتاب الدكتورة ماري ترامب ابنة شقيقه الأكبر تحت عنوان" الكثير جداً غير كافٍ: كيف خلقت عائلتي الرجل الأخطر في العالم".
وهذا ما يفعله الرئيس ترمب في المعركة الرئاسية لإعادة انتخابه: استخدام أي سلاح يفيده، ولو أضر بأميركا. فالسلاح المهم الذي كان في يده، وهو الاقتصاد القوي، خسره بسبب كورونا وسوء إدارته لمواجهة الوباء. وسلاح الخوف والتجريح الشخصي الذي يبرع في استخدامه لم يعد يكفي. فماذا بقي له؟
اخترع عدواً "وهمياً" يخوض المعركة ضده هو "فاشية يسارية متطرفة تريد نهاية أميركا". واندفع في مبارزة قوة عظمى صاعدة يميل الأميركيون لوضعها في خانة العدو هي الصين، بعد "غرام" مع الرئيس شي جينبينغ، بحيث وقع في "فخ ثوسيديدس" الذي حذره منه البروفسور جوزف ناي وسواه.
فالصين كانت تمارس نصيحة دينغ شياو بينغ "خبئ قوتك وانتظر وقتك". والرئيس أوباما حاول ترتيب "هبوط ناعم" لأميركا.
أما ترمب، فعمل تحت شعار "لنجعل أميركا عظيمة ثانية" على أمرين: تسريع الانحدار الأميركي وإبطاء الصعود الصيني.
هاجم حلف الناتو وتخلى عن اتفاق التجارة في شرق آسيا وطلب من أوروبا وكوريا الجنوبية واليابان ثمن الحماية كأن أميركا "بندقية للإيجار" بحيث أضر بورقة مهمة هي تحالفات أميركا التي كان المعلق الشهير والتر ليبمان يصفها بأنها "درع الجمهورية".
الحرب الباردة في صراع الجبارين كانت جزءاً من إستراتيجية "الاحتواء" في لعبة جيوسياسية أراد كل طرف فيها تغيير أنظمة وبلدان وتحالفات.
كانت أميركا بعد انفتاح الرئيس نيكسون على الصين المختلفة مع موسكو، تمارس المثل الصيني القديم القائل: "الجلوس على قمة الجبل ومراقبة قتال نمرين". وكان الاتحاد السوفياتي خارج النظام المالي العالمي.
أما في الحرب الباردة الجديدة، فالصين وروسيا جبهة واحدة في مواجهة أميركا، وترمب يمارس ألعاباً تكتيكية بلا إستراتيجية، بحيث تبدو الحرب الباردة لعبة انتخابية.
والصين اليوم لا تريد تغيير العالم، مثل موسكو السوفياتية، بل التجارة والعلاقات معه. وهي ربحت في العولمة وصارت الاقتصاد الثاني من دون أن تدفع أي ثمن سياسي في الداخل، خلافاً للنظرية السائدة في الغرب عن حتمية الانفتاح السياسي بعد تجذر الانفتاح الاقتصادي.
إذ صارت قبضة الحزب الشيوعي أشدّ على الدولة والمجتمع. والدولة تردّ على العقوبات الأميركية بعقوبات. تفرض قانون الأمن القومي على هونغ كونغ من دون أن تتأثر بالمعارضة في المدينة والاعتراض في الخارج. تأخذ التكنولوجيا من أميركا زمناً ثم تتقدم عليها في أمور عدة بينها الجيل الخامس في ثورة الاتصالات.اليا
وإذا كان مشروع "الحزام والطريق" جزءاً من تحول الصين قوة عظمى كونية، فإن السؤال هو: هل يصبح القرن الحادي والعشرون، كما كان القرن العاشر "القرن الصيني؟". الأرجح بعد نهاية الثنائية الأميركية- السوفياتية ومن ثم الأحادية الأميركية، ليست الأحادية الصينية، ولا الثنائية الصينية - الأميركية، ولا حتى الثلاثية الأميركية – الصينية - الروسية، بل التعددية الأوسع على قمة العالم. فأوروبا لا تزال تملك "القوة الناعمة".
ولا تنسوا الهند واليابان وألمانيا.