أرجع سياسيون سودانيون فشل الحكومة السودانية الانتقالية برئاسة عبد الله حمدوك في التصدي للتحديات التي تواجه البلاد وبخاصة المشكلة الاقتصادية، لعدم الالتزام منذ الوهلة الأولى بأسس وقواعد اختيار الوزراء، وعدم انتهاجها رؤية وسياسات واضحة المعالم، لكنهم يعتقدون في حديثهم إلى "اندبندنت عربية" أن المرحلة المقبلة تحتاج إلى عناصر سياسية قيادية تتمتع بالكفاءة والخبرة التراكمية، وقادرة على تحمل المسؤولية الوطنية.
نفرة سياسية
ويعلّق رئيس المكتب السياسي في حزب الأمة القومي السوداني الدكتور محمد المهدي "لقد كان واضحاً أن هناك قصوراً وضعف أداء لازمَ الحكومة في فترتها الأولى، وهو ما ظلّ حزب الأمة ينبه إليه منذ الوهلة الأولى باعتراضه على طريقة اختيار الوزراء من دون الالتزام بالمعايير والأسس المتفق عليها داخل قوى الحرية والتغيير، وهي أن تكون حكومة كفاءات غير حزبية، تراعي التنوع والتمييز الإيجابي، والتمثيل المتوازن لمناطق البلاد المختلفة. لكن وضح تماماً بغض النظر عن عدم التقيد بهذا المعيار، أن القرار لم يكن صائباً وهذا ما توصلت إليه جميع القوى السياسية، بل الشارع السوداني الذي لمس أداء لا يلبي طموحاته وتطلعاته، فلا تزال المشكلات الرئيسة تراوح مكانها من دون حلول واضحة، فالأسعار في تصاعد والتضخم بلغ 136 في المئة، وهو أمر يستحق الوقفة، باعتباره مؤشراً خطيراً يؤكد أن التدهور بلغ مرحلة الخطر".
ويوضح "في نظرنا أن ما تمرّ به البلاد حالياً من تحديات على الصعد كافة يتطلب النفرة السياسية بتقديم الأفكار والرؤى السديدة، والتحرك وسط المجتمع للنصح ومعالجة أوجه القصور في الجوانب كلها، فضلاً عن التناصح والتماسك للوصول إلى وحدة الصف والهدف، حتى لا يحدث انزلاق قد يؤدي إلى تمزيق البلاد ويكون من الصعب السيطرة على الموقف، لأن كل المؤشرات تشير إلى أن هناك مؤامرات تحاك ضد الديمقراطية التي جاءت بثمن غال دفعه شباب في ريعان العمر. ومن هذا المنطلق، ظل حزب الأمة موجوداً في المسارح والمنصات السياسية كافة لتقديم رؤيته وحلوله لكل ما يواجه الحكومة من مستجدات في جوانبها المختلفة، من أجل الحفاظ على الحرية والتداول السلمي للسلطة".
ويؤكد أن موقف الحزب من ناحية تجميد عضويته في قوى الحرية والتغيير مستمر، لكنه لم يوقف اتصالاته بالقوى السياسية المختلفة، وكذلك على مستوى القيادات السياسية في مجلسي السيادة والوزراء، للتوصل إلى رؤية مشتركة تعبر بالبلاد إلى بر الأمان.
ويشدد في الوقت نفسه على ضرورة التوافق على برنامج قومي يشخّص كل مشكلات البلاد خصوصاً الاقتصادية، موضحاً أن حزبه قدم مشروعاً مكتمل المعالم ممثلاً في العقد الاجتماعي، الذي بإمكانه أن يكون مخرجاً لما تبقّى من عمر الفترة الانتقالية.
إيقاف التدهور
وعلى صعيد متصل، يوضح أمين القطاعات في حزب المؤتمر السوداني محمد علي شقدي، "تعلمون أنه عند تشكيل الحكومة الانتقالية مطلع سبتمبر (أيلول) 2019، كان هناك اتفاق بين مكونات قوى الحرية والتغيير الحاضن السياسي للحكومة بأن يتم اختيار الوزراء على أساس الكفاءات (تكنوقراط)، وأن لا تكون هناك محاصصة سياسية، لكن اتضح أن بعض القوى السياسية لم تلتزم بهذا التوجه ورشحت شخصيات حزبية بطريقة غير مباشرة. وعلى الرغم من ذلك، قرر حزبنا دعم الحكومة الانتقالية حتى تعبر من هذه المرحلة الحرجة التي تمر بها البلاد بخاصة في جانبها الاقتصادي. لكن في الواقع لم يكن الأداء على قدر التحدي، بل كان ضعيفاً للغاية ودون الطموح".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويضيف "على ضوء هذه المعطيات، تدارس الحزب الموقف بخاصة أن الخلافات بدأت تنشب داخل أحزاب قوى الحرية والتغيير بسبب تباين وجهات النظر حول مسار الحكومة، فقررنا المشاركة في الحكومة المقبلة التي سيشكلها حمدوك".
ويوضح "فكرة مشاركة المؤتمر السوداني في الحكومة تنبع من أن السياسيين أقدر في التعامل مع القضايا المعقدة في المراحل الحرجة من الأكاديميين، إضافة إلى تحمل الأحزاب المشاركة مسؤولية أي إخفاق يحدث، بالتالي ستكون هناك متابعة دقيقة لبرامج وأطروحات كل قطاع ووزارة، والإسهام بإيجابية في دعم الحكومة ورفدها بالأفكار والسياسات الفاعلة، واتضح أن هذه الحقيقة توصلت إليها القوى السياسية كافة التي كانت تجد صعوبة في تبرير القصور الذي لازم الحكومة في الفترة السابقة للشارع السوداني". وتوقع أن تكون هناك محاصصة في التشكيل الوزاري المقبل من خلال مشاركة قيادات سياسية فاعلة ومستوعبة لظروف وتحديات المرحلة المقبلة وحجم المشكلات التي تتطلب معالجات جذرية وسريعة، لكنه ربط توزيع الوزارات بتوقيع اتفاقية السلام مع الحركات المسلحة لضمان مشاركتها في هذه الحكومة.
ويتابع شقدي "في الغالب سيرفع عدد الوزارات إلى 24 وزارة، بعد فصل بعضها حتى يكون هناك تركيز على كل قطاع على حدة، ومعرفة مشكلاته ووضع الخطط اللازمة لمعالجتها".
استقالة الحكومة
وكان حمدوك قبل في وقت سابق استقالة ستة وزراء يشغلون وزارات الخارجية، والمالية والتخطيط الاقتصادي، والثروة الحيوانية، والطاقة والتعدين، والنقل والبنى التحتية، والزراعة والموارد الطبيعية، وأعفى وزير الصحة بعد عشرة أشهر من تشكيله لأول وزارة بعد الإطاحة بنظام الرئيس السابق عمر البشير في 11 أبريل (نيسان) 2019.
وبحسب بيان صادر من مجلس الوزراء السوداني، فإن التعديل الوزاري المرتقب يأتي التزاماً بما جاء في خطاب وجهه حمدوك إلى الشعب السوداني في 29 يونيو (حزيران) الماضي، عشية تظاهرات 30 يونيو التي طالبت بتصحيح مسار الثورة السودانية وبإنجاز استحقاقات الفترة الانتقالية، وبإقالة الحكومة.
وتأتي هذه التطورات مع اقتراب توقيع الحكومة السودانية اتفاق سلام مع فصائل الجبهة الثورية في مدينة جوبا، حيث تم الاتفاق بشكل مبدئي على تقاسم السلطة، وتجري الآن نقاشات حول الترتيبات الأمنية.