بعد يومين من طلب الولايات المتحدة إغلاق الصين قنصليتها في هيوستن في ولاية تكساس، أمرت الصين، الجمعة 24 يوليو (تموز)، بإغلاق قنصلية الولايات المتحدة في مدينة شينغدو الكبيرة في جنوب غربي البلاد.
وفيما لم تحدّد بكين موعداً لمغادرة الدبلوماسيين الأميركيين، شوهد موظفو القنصلية الأميركية في شينغدو وهم يستعدون للرحيل صباح السبت 25 يوليو. وأفاد مراسلو وكالة الصحافة الفرنسية، بأن عاملاً على رافعة صغيرة نزع لوحةً تحمل اسم القنصلية خارج المبنى ولم يبقَ سوى علم أميركي، بينما دخلت ثلاث شاحنات إلى باحة الموقع في ساعات الصباح الأولى لنقل الأمتعة. وظهرت واحدة من الشاحنات وهي تحمل أوراقاً مقطعة، وأُخرجت عشر حقائب على الأقل من مبنى القنصلية.
وشدّدت السلطات الصينية الإجراءات الأمنية خارج القنصلية الأميركية، وتجمّع أفراد من الشرطة، من بينهم عدد من الضباط في ملابس مدنية، خارج القنصلية وأغلقوا الشارع أمام حركة المرور. واعتقل ضباط بملابس مدنية رجلاً حاول رفع لافتة، ولم يتضح ما الذي كان مكتوباً عليها.
في المقابل، حثّ البيت الأبيض الصين على عدم الرد بالمثل، وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي جون أوليوت "جاء تحرّكنا للتوجيه بإغلاق القنصلية العامة للصين في هيوستون لحماية الملكية الفكرية الأميركية والمعلومات الخاصة للأميركيين". وأضاف "نحثّ الحزب الشيوعي الصيني على وقف هذه الأعمال الخبيثة بدلاً من الرد بالمثل".
وكانت الصين قد حذرت من أنها سترد بعدما أمهلتها واشنطن فجأة، الأربعاء 22 يوليو، 72 ساعة- حتى الجمعة- لإخلاء قنصليتها في هيوستن، وحثت الولايات المتحدة على إعادة النظر في الأمر. فيما وصفت واشنطن القنصلية الصينية في هيوستن بـ"وكر الجواسيس".
واعتبرت وزارة الخارجية الصينية، في بيان، أن هذا القرار يشكل "رداً شرعياً وضرورياً على الإجراءات غير المنطقية للولايات المتحدة".
أضافت الخارجية الصينية في بيان "انتهكت الخطوة الأميركية بقوة القانون الدولي والمعايير الأساسية للعلاقات الدولية وشروط الاتفاقية القنصلية الصينية الأميركية. لقد أضرت بشدة بالعلاقات الصينية الأميركية".
وأعلنت الخارجية الصينية أنها "أبلغت السفارة الأميركية في الصين بقرارها سحب موافقتها على إقامة وتشغيل القنصلية العامة الأميركية في شينغدو".
وفيما لم تحدد الخارجية الصينية موعداً لإغلاق القنصلية، لم ترد وزارة الخارجية الأميركية والسفارة الأميركية في بكين على طلبات للتعليق.
وأعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب، مساء الأربعاء، أنه "من الممكن" أن يتم إغلاق قنصليات صينية أخرى على أراضي الولايات المتحدة.
بومبيو: "لا تثق وتحقق"
في الأثناء، وجه وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو سهام النقد من جديد إلى الصين. وقال إن على واشنطن وحلفائها استخدام "طرق أكثر ابتكاراً وحزما" للضغط على الحزب الشيوعي الصيني لتغيير أساليبه، واصفاً هذا بأنه "مهمة عصرنا".
وفي حديث أدلى به الخميس في مكتبة نيكسون في مسقط رأس ريتشارد نيكسون في كاليفورنيا، اعتبر بومبيو أن مخاوف الرئيس الأميركي السابق من تبعات ما فعله عندما مهد الطريق أمام الحزب الشيوعي الصيني لإقامة صلات مع العالم في السبعينيات كانت في محلها.
أضاف "الرئيس نيكسون قال ذات مرة إنه يخشى أن يكون قد خلق وحشا بفتح العالم أمام الحزب الشيوعي الصيني... وها قد وصلنا إلى هذه المرحلة".
ومهد نيكسون، الذي توفي عام 1994 وكان رئيسا في الفترة من 1969 إلى 1974، الطريق لإقامة علاقات دبلوماسية مع الصين الشيوعية في عام 1979 من خلال سلسلة من الاتصالات تضمنت زيارة إلى بكين في عام 1972.
وفي كلمة ألقاها بعدما أمرت واشنطن بكين فجأة هذا الأسبوع بإغلاق قنصليتها في هيوستن، دعا بومبيو إلى إنهاء "التواصل الأعمى" مع الصين وكرر الاتهامات الأميركية لها بأن ممارساتها التجارية غير عادلة وبانتهاك حقوق الإنسان والسعي للتغلغل في المجتمع الأمريكي.
ولاحظ أن الجيش الصيني أصبح "أقوى وأكثر تهديداً" وأن نهج التعامل مع بكين يجب أن يكون "لا تثق وتحقق"، على غرار نهج الرئيس الراحل رونالد ريجان "ثق لكن تحقق" في التعامل مع الاتحاد السوفياتي السابق في الثمانينات.
واعتبر بومبيو أن "سياساتنا وسياسات الدول الحرة الأخرى أعادت إحياء اقتصاد الصين المنهار، لنرى بكين بعدها تعض الأيدي الدولية التي امتدت لها".
توقيف أربعة صينيين
وسط أجواء التوتر المتصاعد بين بكين وواشنطن، أعلن مسؤول في وزارة العدل الأميركية الجمعة، إيقاف باحثة صينية متهمة بإخفاء علاقاتها مع جيش بلادها للحصول على تأشيرة دخول للولايات المتحدة، وذلك بعد لجوئها إلى قنصلية الصين في سان فرانسيسكو.
وكانت وزارة العدل قالت، في بيان الخميس، إن "أربعة أشخاص اتهموا أخيراً بالاحتيال في التأشيرات لكونهم كذبوا في شأن انتمائهم إلى الجيش الصيني" بهدف الحصول على تصاريح إقامة تسمح لهم بإجراء بحوث أو الدراسة في الولايات المتحدة. وأضافت أن "ثلاثة منهم أوقفوا ويبحث مكتب التحقيقات الفيدرالي عن الرابع وهو سيدة هاربة لجأت إلى مبنى القنصلية الصينية في سان فرانسيسكو".
وتُدعى المرأة جوان تانغ وهي متخصّصة في معالجة السرطان، وعملت منذ يناير (كانون الثاني) في مختبر تابع لجامعة كاليفورنيا. ووفق لائحة الاتهام، اكتشف محققون صوراً لها وهي ترتدي زيّاً نظامياً، وثبت لهم أنها عملت في مستشفى عسكري صيني.
وأضافت الوزارة أنها "رهن الحبس الاحتياطي وستمثل للمرة الأولى أمام محكمة خلال اليوم"، من دون أن توضح الظروف التي جرى فيها إيقافها. وأشارت الوزارة أيضاً إلى أنها لا تتمتّع بحصانة دبلوماسية.
تهديدات ومضايقات
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكانت وزارة الخارجية الصينية وصفت الإجراء الأميركي، في خصوص قنصليّتها في هيوستن، بـ"التصعيد غير المسبوق"، وهدّدت باتخاذ إجراءات انتقامية لم تحددها.
وأعلنت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية هوا تشونينغ أن السفارة الصينية في واشنطن تلقت تهديدات "بالقتل والتعرض لهجمات بالقنابل... نتيجة حملات التشوية والكراهية التي تؤججها الحكومة الأميركية".
ودعت المتحدثة الولايات المتحدة إلى "سحب قرارها البغيض، وأنها سترد بالتأكيد بإجراءات مضادة صارمة".
وعبّرت الخارجية الصينية غير مرة أن الحكومة الأميركية تضايق الدبلوماسيين الصينيين والموظفين في القنصلية منذ فترة من الوقت، علاوة على "ترهيب الطلاب الصينيين واستجوابهم ومصادرة أجهزتهم الإلكترونية الشخصية، بل واحتجازهم".
ووفق الخارجية الصينية، فإن الولايات المتحدة تدخلت في شؤون بعثات دبلوماسية صينية، بما في ذلك اعتراض حقائب دبلوماسية ومصادرة مواد صينية "لأغراض الاستخدام الرسمي". ولم يحدد إذا ما كانت لهذه الإجراءات صلة بالقنصلية في هيوستن.
حرق وثائق
وفيما اعتبرت وزارة الخارجية الأميركية أن قرار إغلاق القنصلية الصينية في هيوستن اتخذ "لحماية الملكية الفكرية الأميركية والمعلومات الخاصة للأميركيين"، أشار الرئيس ترمب، خلال مؤتمر صحافي في البيت الأبيض، إلى أنه تم رصد حريق في مقر قنصلية هيوستن، بعدما أمرت الوزارة بإغلاق المقر في غضون 72 ساعة.
وأضاف "أعتقد أنهم كانوا يحرقون الوثائق والأوراق".
وتوجه رجال إطفاء إلى القنصلية بعد رؤية دخان. وقال مسؤولان في الحكومة الأميركية إن لديهما معلومات تفيد بإحراق وثائق هناك.
وتدهورت العلاقات بين واشنطن وبكين بشكل حاد هذا العام بسبب مجموعة من القضايا، بدءاً من فيروس كورونا وعملاق تكنولوجيا الاتصالات هواوي، إلى مطالب الصين بالسيادة في بحر الصين الجنوبي، وفرض بكين قانوناً أمنياً جديداً على هونغ كونغ.
"رسالة لبكين لوقف التجسّس الاقتصادي"
وفي ضوء التطورات، أكّد مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأميركية الجمعة، أن أمر الولايات المتحدة للصين بإغلاق قنصليتها في هيوستن رسالة إلى بكين لوقف أنشطة التجسّس الاقتصادي في الولايات المتحدة.
ورأى المسؤول الذي أصرّ على عدم الكشف عن هويته، أنه "يأتي وقت يتعيّن عليك فيه أن تقول كفى"، مشيراً إلى أن بكين "أساءت بشكل فاضح استخدام قدرتها على الدخول الحر والمفتوح" إلى المجتمع الأميركي من خلال إدارة عمليات لجمع الملكية الفكرية الأميركية بشكل غير قانوني. وأضاف أن إغلاق قنصلية "هيوستن دليل قوي على أننا جادون".
وقال مسؤول آخر في وزارة العدل للصحافيين، طالباً عدم الكشف عن هويته أيضاً، إنه في حين تتوقّع الولايات المتحدة أن تقوم البعثات الأجنبية ببعض أعمال التجسّس وسرقة الملكية الفكرية، غير أن ما كان يجري في قنصلية هيوستن "تجاوز الحدود". وأضاف أن هذه الجهود تضمّنت توجيه الطلاب والباحثين الصينيين بشأن أنواع المعلومات والتكنولوجيا التي يجب الحصول عليها، واستقطاب أميركيين في برنامجهم التكنولوجي، واستهداف معارضين صينيين مقيمين في الولايات المتحدة.
وأشار المسؤول في وزارة العدل إلى أن الأمثلة العلنية على مثل هذا السلوك، والتي عُرفت من خلال سلسلة من القضايا الجنائية على مدى السنوات الثلاث الماضية، "ليست سوى جزء بسيط" ممّا تعرفه الاستخبارات الأميركية.
كذلك قال مسؤول استخباراتي أميركي للصحافيين، إن "جامعي" المعارف المتصلة بالعلوم والتكنولوجيا في قنصلية هيوستن "تصرفوا بجرأة وكانوا ناجحين بشكل خاص".