يوشك المريخ أن يصبح أكثر ازدحاماً بكثير. فقد أرسلت كل من الصين ودولة الإمارات العربية المتحدة بعثتها المستقلة الأولى إلى الكوكب، وتستعد "ناسا" لإطلاق عربة متجولة جديدة لاستكشاف سطحه، وحصل ذلك كله خلال بضعة أيام.
ولا تمثل سلسلة الإطلاقات صدفة أو إشارة محددة إلى حماسة جديدة ما للمريخ: فالكواكب تتراصف في شكل يسمح بالإطلاقات كل 26 شهراً ما يتيح نافذة صغيرة يجب أن تستغلها أي بعثات فضائية. (وإذا فوتت الفرصة، فإنها تفوتها في شكل كبير: فوكالة الفضاء الأوروبية عزمت على إطلاق رحلتها الخاصة إلى المريخ، لكن الإعداد للمهمة تأخر، ووجب تأجيل الموعد لسنتين).
غير أن سلسلة البعثات الجديدة تمثل بالتأكيد إشارة إلى أن هذه البلدان تريد إثبات شيء: فقد توفرت نوافذ مماثلة من قبل، ولم يحصل عادة أن عمدت مجموعة من الدول من أنحاء مختلفة من العالم إلى استغلالها. يشهد الفضاء بالتأكيد سباقاً جديداً.
وفي المرة السابقة، تلخص الدافع وراء السباق في الفضاء في الحرب الباردة وخوف كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي من أن يسبق أحدهما الآخر في استكشاف الفضاء في شكل مقنع. وكان السباق عبارة عن بديل لحرب حقيقية، فالبلدان استخدما كل تلك الصواريخ وألسنة اللهب للتسابق بدلاً من محو بعضهما بعضاً عن الخريطة.
والآن يتملكنا الشعور المقلق بأن ما يجري قد يشير إلى حرب باردة مقبلة، مع التردي البطيء في علاقات الولايات المتحدة والصين وروسيا وكل بلد آخر تقريباً. ولا شك في أن بعضاً من السباق الجديد في الفضاء يرتبط بهذه الخصومة الجديدة، لكن لنأمل بأن يجري في شكل سلمي أكثر بقليل هذه المرة.
من السهل جداً أن نضيع في غمار السحر الذي يكتنف الفضاء، ونطمئن إلى الاعتقاد بأن استكشافه كان في الواقع دائم التشابك في شكل مخاتل مع الحرب. فالصواريخ التي تبهرنا من خلال ذهابها إلى الفضاء وتلك التي تدمرنا من خلال توجيهها من بلد إلى آخر، تأتي من المصدر نفسه. ولا يبدو أن هذا الموقف سيتغير في أي وقت قريب. ويتحدث الآن أصحاب المليارات المهتمين بالفضاء عن استعمار المريخ من دون النظر بما يكفي إلى مدى السوء الذي أصاب المشروع على الأرض.
لكن كل مهمة تبدو مخصصة لاستكشاف كوكب آخر هي مهمة يمكن أن تكون موجهة لمهاجمة بلد آخر؛ وكل عمل علمي يتم وتجري مشاركته مع العالم هو خطوة صغيرة نحو التعاون وليس التدمير. ولم تكن هذه البلدان الثلاثة، والبلدان الأخرى الكثيرة التي تطلق مهامها الفضائية الطموحة الخاصة، مضطرة إلى القيام بذلك.
وعبّر جيم بريدينستاين، المدير الجديد نسبياً لـ"ناسا"، عن هذا الإحساس بالتحديد حين غرّد أثناء انطلاق صاروخ الوكالة الصينية للفضاء.
وكتب يقول "مع الإطلاق الجاري اليوم، تسير الصين باتجاه الانضمام إلى المجتمع الصغير للمستكشفين العلميين الدوليين في المريخ. فالولايات المتحدة وأوروبا وروسيا والهند وقريباً دولة الإمارات العربية المتحدة سترحب بكم في المريخ للشروع في سنة مثيرة من الاكتشاف العلمي. أتمنى رحلة آمنة لتيانوين-1!"
وبريدينستاين عينه دونالد ترمب، وهو عمل سابقاً عضواً جمهورياً في الكونغرس. لكن موقعه لا ينطوي على أيٍ من التهديد أو الشك أو العداء التي تتعامل الولايات المتحدة بها مع الصين، بل يجسد موقفاً مفاده بأننا جميعاً نستطيع أن نستفيد من قليل من الفضاء الحر.
© The Independent