ألقى الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي خطبةً في قصر قرطاج، لمناسبة الذكرى الـ 63 لاستقلال البلاد عن فرنسا في العام 1956، أعلن فيها أن بحوزته نسخة جاهزة لاقتراحات تعديل الدستور، مبرراً ذلك بوجود اختلاف في تأويل بعض فصوله.
وأوضح الرئيس التونسي أن المادة 71 من الدستور تنص على أن "السلطة التنفيذية يمارسها رئيس الجمهورية وحكومة يرأسها رئيس حكومة"، لافتاً إلى أن تشكيل الحكومة الأخيرة "جرى من دون استشارة الرئيس، بتوافق بين رئيس الحكومة وحركة النهضة".
وكان البرلمان التونسي صوّت في نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، بأغلبية مطلقة، على منح الثقة لتعديل وزاري اقترحه رئيس الحكومة يوسف الشاهد، من دون استشارة السبسي، عُيِّن بموجبه 13 وزيراً جديداً وخمسة كتّاب دولة برتبة وزير. وكانت حصلت قطيعة بين السبسي والشاهد منذ سنة تقريباً، وتعمّق الخلاف بتأسيس الأخير، الشهر الماضي، حزباً جديداً باسم "تحيا تونس"، يضم أغلب المستقلين من حزب "نداء تونس" الذي أسسه السبسي.
وأكد السبسي أن "الذهاب إلى برلمان الشعب لطلب الثقة على الحكومة من دون المرور برئيس الجمهورية ... مخالف للدستور"، معتبراً أن "السلطة التنفيذية أصبحت برأس واحد بعكس ما ينص عليه الدستور".
وتطرق السبسي في حديثه عن دواعي إجراء التعديل، إلى "الخلاف بينه وبين بعض الجهات السياسية في تونس، بشأن قراءة النص الدستوري بخصوص المرجعية الدينية"، في إشارة إلى حركة "النهضة" الإسلامية الرافضة مبادرته بشأن إقرار المساواة في الميراث بين الرجل والمرأة.
واعتبر السبسي أن "الدستور واضح في فصله الثاني، وينص على أن تونس دولة مدنية"، في حين ترى "النهضة" أن المبادرة الرئاسية تتعارض مع الدستور في مادته الأولى التي تنص على أن "تونس دينها الإسلام".
في السياق ذاته، اعتبر السبسي أن الدستور يخوّله طرح مبادرة المساواة في الميراث، مؤكداً أنه على الرغم من الاختلافات فإن "تونس لا يمكن أن تواصل مسيرتها إلا بالوحدة الوطنية".
"النهضة" ترفض التعديل
في المقابل، رفض الشاهد التعليق عمّا جاء في خطاب السبسي، في حين اعتبر نائب رئيس حركة "النهضة" علي العريض أن "الوقت ليس مناسباً حالياً لتعديل الدستور قبل الانتخاب".
وأكد ممثل "النهضة" الشريكة في الحكم منذ "ثورة يناير 2011" في تصريح على هامش أعمال ندوة نظمتها الحركة بشأن "الاستقلال والذاكرة"، أن رئيس الجمهورية كلَّف لجنةً وضع اقتراحات متصلة بتعديل الدستور، فضلاً عما تقدمت به أطراف عدة في هذا الشأن، مشيراً إلى أنه سيتم خلال الدورة التشريعية المقبلة بلورة اقتراحات عدة لتعديل مزيد من احكام الدستور.
واعتبر العريض أن رئيس الدولة "لم يدعُ الى تغيير الدستور وإنما ارتأى بعد حوالي خمس سنوات على صدوره أنه يحتوي على نقاط تستحق المراجعة، من ضمنها أحكام العلاقة بين رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية"، ملاحظاً أن "العلاقة يجب أن تكون في اطار الدستور ويجب تلافي الغموض في حال وجوده".
وليست هذه المرة الأولى التي تُثار فيها مسألة تعديل الدستور التونسي الذي صادق عليه المجلس التأسيسي في 26 يناير (كانون الثاني) 2014. وفي كل مرة يكون المستهدف الأساسي من التعديل هو النظام السياسي الذي تسبّب وفق مراقبين بعدم استقرار الحكم.
التعديل ضرورة أم اعتراف بالفشل؟
وتراوحت آراء المختصين في القانون الدستوري بين مؤيد لمشروع الرئيس لتعديل الدستور وبين من حمّله مسؤولية الأزمة السياسية متهماً إياه باختراق الدستور.
وقال الدكتور قيس سعيد المختص في القانون الدستوري "تحدث رئيس الجمهورية عن وجود مشروع لتعديل الدستور لكنه لم يتحدث عن أي حكم أو أي تصوّر يتعلق بهذا التعديل"، مضيفاً "مع العلم أنه كان أشار في أكثر من مناسبة إلى وجود نقائص، ويبدو أن النية تتجه إلى البناء على تصريحات سابقة بشأن تنظيم جديد للسلطة التنفيذية"، موضحاً أن "الأمر لا يتعلق لا بالباب الأول ولا بالأبواب المتعلقة بالحقوق والحريات ضمن الدستور، ولكن يبدو بالأساس أنه يتعلق باختصاصات رئيس الجمهورية".
واعتبر أستاذ القانون الدستوري جوهر بن مبارك أن "السبسي انتهى سياسياً". وأرجع ذلك إلى "خياراته السياسية الخاطئة". وأضاف بن مبارك أن "السبسي لم يحترم المنظومة التي أوصلته إلى الحكم وتسبب بخرق الدستور مرات عدة"، معتبراً أنه "فشل في إدارة مؤسسة رئاسة الجمهورية وهو الآن يتحمل مسؤولية خياراته السياسية المخطئة".
ويرى أستاذ القانون الدستوري أمين محفوظ أنه من الضروري التفكير جدّياً في تعديل الدستور في اتجاه ضمان توازن أكبر بين السلطتين التنفيذية أي بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة ورئاسة السلطة التشريعية والتفريق في ما بينها"، مضيفاً "فضلاً عن تبسيط المشهد العام بما يجعل أغلبية تحكم ومعارضة تعارض وناخب يوفق في الفصل بينهما وتحميل المسؤولية لكل منهما إذا أخطأ أو أصاب "
وقال محفوظ إن "النظام السياسي الحالي في تونس هجين ومعقد"، مفسراً "لا نعرف مَن يحكم في تونس".