قال مسؤول كبير في الإدارة الأميركية، الجمعة، إن مسؤولين أميركيين يعدون وثيقة رسمية باعتراف واشنطن بسيادة إسرائيل على الجولان، ومن المرجح أن يوقعها الرئيس الأميركي دونالد ترمب الأسبوع المقبل.
وقال المسؤول إنه من المرجح أن يوقع ترمب الوثيقة الرئاسية أثناء زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى واشنطن الأسبوع المقبل.
وكان ترمب أعلن، قبل نحو أسبوعين من موعد الانتخابات الإسرائيلية، في 9 إبريل (نيسان)، وقبل أربعة أيام من زيارة نتنياهو إلى الولايات المتحدة الأميركية، أن الوقت حان لدعم السيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان السورية التي احتلتها إسرائيل في حرب العام 1967.
وبرر ترمب موقفه، في تغريدة على حسابه في تويتر، بأن لهضبة الجولان "أهمية استراتيجية وأمنية حيوية لدولة إسرائيل والاستقرار الإقليمي".
وكان ترمب افتتح تغريدته على حسابه على تويتر، الخميس 21 مارس (آذار)، بعبارة "بعد 52 عاماً"، ويقصد موعد احتلال إسرائيل الهضبة السورية، وكأن في ذلك إشارة إلى أن الزمن كفيل بشرعنة الأمر. علماً أن واشنطن لم تجارِ في العام 1981 تل أبيب التي أعلنت ضمّ الجولان المحتل إلى دولة إسرائيل. وكذلك فعلت دول العالم ومنها الأربع الكبرى، أي الاتحاد السوفياتي السابق والصين وفرنسا وبريطانيا.
وفيما نقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) أن "الجمهورية العربية السورية تدين التصريحات اللامسؤولة للرئيس الأميركي بشأن الجولان المحتل الذي كان وسيبقى عربياً سورياً"، سارع نتنياهو إلى توجيه الشكر إلى ترمب. وكتب على تويتر "في وقت تسعى إيران إلى استخدام سوريا منصة لتدمير إسرائيل، يعترف الرئيس ترمب بجرأة بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان".
ونشرت (سانا) أن "الشعب السوري أكثر عزيمة وتصميماً وإصراراً على تحرير هذه البقعة الغالية من التراب الوطني السوري بكل الوسائل المتاحة".
واعتبرت دمشق، الجمعة وفق الوكالة الرسمية، "الاعتراف بسيادة الدولة العبرية على مرتفعات الجولان ازدراء وانتهاكاً سافراً للشرعية الدولية".
ونقلت "سانا" عن مصدر مسؤول في وزارة الخارجية أن "الولايات المتحدة بسياساتها الرعناء التي تحكمها عقلية الهيمنة والغطرسة باتت تمثل العامل الأساس في توتير الأوضاع على الساحة الدولية وتهديد السلم والاستقرار الدوليين". ودعا المصدر السوري "دول العالم لوضع حد للصلف الأميركي وإعادة الاعتبار للشرعية الدولية والحفاظ على السلم والأمن والاستقرار في العالم".
صنع التاريخ
ويمثل الإعلان تحولاً كبيراً في السياسة الأميركية، وسيعطي دفعة لنتنياهو في حملته للفوز بفترة جديدة في السلطة في الانتخابات. وهو يواجه اتهامات بالفساد ويستعد لإلقاء خطاب أمام لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (أيباك) خلال زيارته واشنطن.
وضغط نتنياهو على الولايات المتحدة للاعتراف بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان، وأثار إمكان الاعتراف الأميركي بالسيادة الإسرائيلية في الاجتماع الأول له مع ترمب في البيت الأبيض في فبراير (شباط) 2017.
وذكر مكتب نتنياهو أن رئيس الوزراء قال لترمب في اتصال هاتفي بعد الإعلان "إنه صنع تاريخاً".
وكشف مسؤول كبير في الإدارة الأميركية طلب عدم نشر اسمه، لوكالة "رويترز"، أن وزير الخارجية مايك بومبيو، ومستشار الأمن القومي جون بولتون، ومستشار ترمب وصهره جاريد كوشنر، والمبعوث الأميركي للشرق الأوسط جيسون جرينبلات، والسفير الأميركي لدى إسرائيل ديفيد فريدمان، "أيّدوا الفكرة" عندما ناقشها ترمب معهم.
ولم يوضح البيت الأبيض متى ستصدر وثائق رسمية تؤكد ما أعلنه ترمب على تويتر. علماً أن عدداً من أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي تقدموا قبل نحو شهر بمشروع قرار يهدف إلى الاعتراف بـ"سيادة إسرائيلية" على مرتفعات الجولان.
دعم نتنياهو
وظل تأييد ترمب القوي لإسرائيل موضع جدل في الولايات المتحدة. وقد وصف معارضوه في الحزب الديمقراطي بأنهم "ضد إسرائيل" و"ضد اليهودية" بعدما أقرّ أعضاء مجلس النواب الذي يسيطر عليه الديمقراطيون قراراً في وقت سابق من مارس، يندّد بكل أشكال التعصب، وذلك من دون توجيه توبيخ للنائبة الديمقراطية إلهان عمر بشأن تعليقات مزعومة ضد السامية.
وقد يساعد الإعلان بشأن الجولان الرئيس الأميركي في تحسين موقفه في المعسكر المؤيد لإسرائيل داخل الولايات المتحدة، بالتزامن مع تنظيم (أيباك)، أقوى جماعة ضغط مؤيدة لإسرائيل، مؤتمرها السنوي المقرر الأسبوع المقبل.
ويُشكّل تصريح ترمب دعماً قويّاً لنتنياهو الذي يُطالب بهذا الاعتراف ويستغلّ علاقته المميّزة بالرئيس الأميركي في حملته الانتخابيّة بوجه خصومه.
وكشف ترمب، في مقابلة مع شبكة "فوكس بيزنس" بعيد التغريدة، عن أنّه كان يُفكّر في قراره هذا "منذ فترة طويلة"، مشدّداً على أن لا علاقة للقرار بالانتخابات الإسرائيليّة.
وحظي قرار ترمب بموافقة سريعة من السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام الذي يدفع الكونغرس إلى الاعتراف بالسّيطرة الإسرائيليّة على الجولان.
وكتب غراهام على تويتر "إنّ قرار الرئيس ترمب الاعتراف بالجولان جزءاً من إسرائيل حكيمٌ استراتيجيّاً ورائع عموماً. أحسنت سيّدي الرئيس".
وتزامن إعلان ترمب مع زيارة وزير الخارجيّة الأميركي مايك بومبيو القدس، حيث أصبح أرفع مسؤول أميركي يزور حائط المبكى (البراق) إلى جانب نتنياهو.
إلا أنّ ليون بانيتا الديموقراطي الذي شغل منصبَي مدير وكالة الاستخبارات الأميركيّة (سي آي إيه) ووزير الدفاع، انتقد ترمب "لإطلاقه في تغريدة سياسة أخرى من الواضح أنّها لم تنجح مع شركائنا الدوليين".
شلال دم فى منطقتنا
عربيّاً، أسفت دول الخليج لتصريحات ترمب، ورد الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط على ما أعلنه ترمب، معتبراً أن "أي اعتراف أميركي بسيادة إسرائيل على الجولان سيمثل ردة خطيرة في موقف الولايات المتحدة من الصراع العربي الإسرائيلي".
أضاف أبو الغيط، الخميس 21 مارس، "الجامعة العربية تقف بالكامل وراء الحق السوري في أرضه المحتلة، ولدينا موقف واضح مبنيّ على قرارات في هذا الشأن، وهو موقف لا يتأثر إطلاقاً بالموقف من الأزمة في سوريا".
وقال إن هذا الاعتراف "إن حصل لا ينشئ حقوقاً أو يرتّب التزامات ويعتبر غير ذي حيثية قانونية من أي نوع".
ودعا الأمين العام للجامعة العربية الولايات المتحدة إلى العودة عن هذا النهج "ومراجعة هذا الموقف المخطئ".
وقالت مصر إن الجولان أرض عربية محتلة. وأشارت وزارة الخارجية المصرية في البيان الذي نشرته وكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية إلى قرار مجلس الأمن الدولي رقم 497 لعام 1981 "بشأن بطلان القرار الذي اتخذته إسرائيل بفرض قوانينها وولايتها القضائية وإدارتها على الجولان السوري المحتل".
وشددت الوزارة على "ضرورة احترام المجتمع الدولي مقررات الشرعية الدولية وميثاق الأمم المتحدة من حيث عدم جواز الاستيلاء على الأرض بالقوة".
وندد مسؤولون فلسطينيون بإعلان ترمب. وكتب كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات على توتير "في الأمس اعترف الرئيس ترمب بالقدس عاصمة لإسرائيل واليوم يقول: من أجل أمن المنطقة يجب أن تكون هضبة الجولان السورية المحتلة تحت سيادة إسرائيل. ما الذى سيأتي به الغد؟ عدم استقرار وشلال دم فى منطقتنا".
وقال عريقات لوكالة "فرانس برس" إنّ "سياسة ترمب لن تُغيّر القانون الدولي الذي يعتبر الجولان وسائر الأراضي الفلسطينيّة أراضي عربيّة محتلّة".
تجاهل للقانون الدولي
قالت بريطانيا، الجمعة، إنها لا تخطط لتغيير موقفها من هضبة الجولان. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية البريطانية في بيان إن "المملكة المتحدة تعتبر هضبة الجولان أرضاً تحتلها إسرائيل. ضم الأرض بالقوة محظور وفقاً للقانون الدولي بما في ذلك ميثاق الأمم المتحدة".
وأضاف البيان "نحن لم نعترف بضم إسرائيل (للجولان) في العام 1981 ولا ننوي تغيير موقفنا".
واعتبرت وزارة الخارجية الفرنسية أن سيادة إسرائيل على الجولان ستخالف القانون الدولي.
وأدرجت روسيا تصريح ترمب في إطار "الدعوات" التي "تهدد بزعزعة استقرار المنطقة... وتضر جهود التوصل إلى تسوية سلمية في المنطقة".
ونقلت وكالة رويترز عن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن "التصريحات الأميركية بشأن هضبة الجولان انتهاك مباشر لقرارات الأمم المتحدة".
ورأى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن "قرار أميركا الاعتراف بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان يضع المنطقة على شفا أزمة جديدة".
أما إيران فوصفت القرار الأميركي بـ"غير المشروع" و"لا مقبول".
وأعلنت متحدثة باسم الاتحاد الأوروبي أن الاتحاد لا يعترف بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان.
ورفضت متحدثة باسم الحكومة الألمانية "الخطوات الأحادية". ووصفت ضم إسرائيل للجولان بـ"الباطل بموجب قرار الأمم المتحدة".
واعتبر وزير الدفاع الأميركي الأسبق ليون بانيتا، في تصريح لشبكة "سي ان ان"، أن الاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان "يعتبر تخلياً عن ورقة يعتقد الجميع أنها يمكن أن تكون ضمن اتفاق سلام في الشرق الأوسط".
أضاف "ذلك سيؤدي إلى مشاكل مع الشركاء العرب في ذلك الجزء من العالم".
ورأى روبرت مالي، رئيس مجموعة الأزمات الدولية، أن قرار ترمب "السياسي جداً" هو "تجاهل للقانون الدولي" و"خطوة مشؤومة في الوقت الذي تتعالى أصوات في إسرائيل بالدعوة إلى ضم الضفة الغربية".
وكتب ريتشارد هاس المسؤول الكبير السابق في وزارة الخارجية الأميركية الذي يرأس مجلس العلاقات الخارجية (منظمة بحثية)، في تغريدة على تويتر أن الإجراء انتهاك لقرار مجلس الأمن الدولي الرقم 242 "الذي يرفض السيطرة على الأرض بالحرب، ويخدم إسرائيل بالقول إن لكل الدول الحق في العيش بسلام".
ودعا القرار، الذي أقرّه المجلس عقب حرب العام 1967، إلى انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي المحتلة، وضمان حق دول المنطقة في العيش بسلام داخل حدود آمنة ومعترف بها.
وانتقدت جماعة الضغط "جيه ستريت" الليبرالية اليهودية- الأميركية تحرك ترمب، وقالت إن هذا الاعتراف الأميركي السابق لأوانه بالسيادة الإسرائيلية على الجولان خطوة استفزازية لا حاجة لها وتنتهك القانون الدولي.
وقال جيريمي بن عامي رئيس الجماعة "من الواضح أن هذه الخطوة لا ترتبط بالمصالح الطويلة الأمد للولايات المتحدة أو إسرائيل، لكنها ترتبط أكثر بتقديم هدية سياسية أخرى لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على أمل دعم فرصه في انتخابه فترة جديدة".