بفارغ الصبر، ينتظر السنّان حمادة موسم عيد الأضحى ليزيل الغبار عن صديقته آلة السكاكين التي ترافقه كل عام في هذا الموسم، ينظفها من الغبار، ويجهّز شفراتها، ليعرضها أمام محله الضيق القديم الذي مضى عليه حوالى 50 عاماً، يعمل فيه كل موسم على تحضير الأدوات الحادة استعداداً لذبح الأضاحي.
بمجرد عرض السنّان حمادة آلته على باب محله وسط السوق الشعبية، يفهم الناس ذلك إشعاراً لهم ببدء التحضير لموسم عيد الأضحى، ويسارعون إلى تفحّص سكاكينهم، علّها تحتاج إلى شحذٍ لتعاد لها قوتها في الذبح، أو إلى صيانة لتتمكن من تقطيع لحم الأضاحي.
استلّ سكيناً
ارتدى حمادة زياً خاصاً بمهنة السنّان، وجلس على باب محله خلف آلته التي باتت جاهزة للعمل، شمّر عن ساعديه، وارتشف فنجاناً من القهوة، وسرعان ما بدأ يتوافد إلى محله الزبائن، كلّ واحد منهم يحمل سكينه التي تحتاج إلى سنّ.
لم ينتظر حمادة الكثير من الوقت، حتى استلّ سكيناً متهالكة، نظر إليها بتمعّن، وقال لصاحبها "هذه من صناعة أهل غزة، مضى عليها حوالى 20 عاماً، ولا تزال قوية، على الرغم من أن منظرها يبدو متهالكاً، لكن انتظر وسترى كيف ستكون"، يتفاخر السنّان بمهنته ويطلق على نفسه اسم مهندس السكاكين.
دقائق مضت، وعاد للسكين بريقها، يقول "أحييت السكين من العدم، هذه مهنة صعبة". ورث حمادة حرفته عن جدّه وتعلّمها منه قبل حوالى 50 عاماً، يستذكر تلك الأيام "كنت في التاسعة عندما رافقت جدي للمرة الأولى، وبدأ يعلمني كيف أشحذ الأدوات الحادة وأرجع لها قوتها في الذبح".
وتعد مهنة السنّان من الحرف القديمة جداً وتصارع الاندثار، ويرجع أصحاب التاريخ بدايتها إلى فلسطين وبالتحديد في مدينة نابلس، حيث كان يتوافد إلى السنانين زبائنهم من سوريا والأردن ولبنان، يشحذون هناك الساطور والسكين والبلطات.
وتنشط هذه المهنة في غزّة، في موسم عيد الأضحى فقط، وبقية العام تعاني من الكساد أو الاندثار الجزئي، يقول حمادة "يقتصر عملي على الأيام الـ 10 من شهر ذي الحجة، وقد يمتد قليلاً إلى ما بعد ذلك، وبعدها أقفل المحل وانتظر العام المقبل حتى أعود إلى شحذ السكاكين".
حرفة موسمية
في هذا الموسم يعمل السنانين حوالى 12 ساعة يومياً، يقول حمادة "لولا التعب لواصلت الليل بالنهار في شحذ السكاكين، هذه المهنة ممتعة جداً، خصوصاً لمَن يتقنها أو يبدع في إعادة اللمعان للسكين".
وترتبط مهنة شحذ السكاكين، أساساً بعيد الأضحى، إذ ينصب العديد من أصحاب المهنة آلاتهم البسيطة في الشوارع وبمحاذاة بعض الأسواق الشعبية، وكذلك ورش الحدادة، ليقبل عليها المواطنون بسكاكينهم من أجل شحذها حتى تصبح حادة وجيدة لعملية النحر، وبالعادة يلجأ الجزارون إلى سنّ السكاكين لأنّهم يحتاجونها بكثرة في الموسم، يضيف حمادة "تتطلب هذه المهنة انتباهاً ويقظة، ولكلّ سكين طريقة في السّن تتناسب مع طبيعة الشيء الذي تستخدم لأجله، لذلك نعمل بكلّ حذر، حتى لا نتعرض للخطر".
إلى خمسة دولارات
وفي خضم عمله، يتطاير الشرار من السكين كلما التصقت بحجر الجلخ، على عجالة يقول حمادة "لا تعتقد أن هذه المهنة مربحة، بالعكس نحصّل منها الفتات"، يبلغ سعر شحذ السكين دولاراً واحداً، بينما الساطور يبلغ ثمن سنّه دولارين، والبلطات والأدوات الثقيلة تصل إلى خمسة دولارات.
فعلياً، الدولار والخمسة، لا تعدّ كافية لتكون مصدر دخل لرب أسرة، يقول حمادة "نحن لا نعتمد على هذه المهنة كمصدر دخل، بل هي شغف وحب في العمل"، واقعياً، التحصيل من شحذ السكاكين يكون مقابل ما تستهلكه أدوات السنّ من كهرباء وبدل أتعاب العمال.
ويعتمد حمادة في عمله على المسنّ اليدوي لإعادة الحدة للسكين، وأيضاً على المسن الحجري، والجلخ، والبرداخ الكهربائي والديسك، وأدوات أخرى لتجعل شفرة السكين قويّة وقادرة على نحر الأضاحي، وبعد عملية السنّ يقول "نضعها بالكاز لتصبح أكثر قوة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ركود ووفرة
وعلى الرغم من وصف حركة السنانين بالنشطة إلا أنّ نسبة شراء الأضاحي في غزّة تعاني من ركود حاد، بسبب تردي الأوضاع المالية وبلوغ نسبة الفقر معدلات عالية تصل إلى 25 في المئة، وارتفاع معدل البطالة إلى 75 في المئة.
ويقول إبراهيم النجار صاحب مزرعة المواشي "إجراءات الوقاية فرضت واقعاً مريراً في غزّة، حيث يتم حجر المواشي أسبوعاً قبل وصولها إلى المزارع، أضف إلى ذلك هناك حالة ركود مالي يعاني منها الناس الأمر الذي أثر في نسبة البيع".
وأوضحت وزارة الزراعة على لسان الناطق باسمها أدهم البسيوني أن كميات المواشي المتوافرة في الأسواق، تقدر بحوالى 12 ألف رأس عجل، و30 ألف رأس من الأغنام والخراف تتناسب مع الظروف الراهنة، وأن هناك انخفاضاً في أسعار المواشي في قطاع غزة يجعل من شراء الأضاحي في متناول أيدي المواطنين.