على الحدود بين لبنان وإسرائيل لعبة خطيرة، لكنها مضبوطة لئلا تصبح خطرة، لبنان الرسمي خارجها، وإن كان دوره أن يغطيها دبلوماسياً، ولبنان الشعبي يدفع الثمن، وهي لعبة تدار، منذ حرب 2006، ليس بمفاعيل القرار الدولي 1701 ومهمة قوات "اليونيفيل" والجيش اللبناني بل بقاعدة "الردع المتبادل" بالمعنى العسكري بين "حزب الله" و"إسرائيل"، وبالمعنى الجيوسياسي بالحسابات الإيرانية والإسرائيلية.
دمار كبير
حرب 2006 التي دامت أكثر من 30 يوماً وأحدثت دماراً كبيراً في لبنان، انتهت بما سماه "حزب الله" "النصر الإلهي" وما رأته تل أبيب "ضمان الهدوء" على حدودها الشمالية، لكن الترجمة الاستراتيجية جاءت من المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي الذي قال إن حرب 2006 أسهمت في "الهندسة الجديدة للمنطقة"، أي "هندسة"؟
ترتيب النفوذ الإقليمي لجمهورية الملالي في العراق وسوريا ولبنان وغزة ولاحقاً في اليمن، وبعد التظاهرات السلمية المطالبة بالديمقراطية في سوريا عام 2011 والتي جرى تحويلها إلى حرب اندفعت طهران عسكرياً واقتصادياً، مباشرة وبالواسطة، للدفاع عن النظام السوري، وكان السلاح الأبرز والأقوى في الترسانة الإيرانية هو انخراط "حزب الله" في المعارك، وما حدث ويحدث أخيراً على الحدود بين لبنان وإسرائيل هو من مضاعفات ما يدور في سوريا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ذلك أن طهران مصممة على بناء مواقع عسكرية لها ولـ "حزب الله" بالطبع في الجنوب السوري المحاذي للجولان المحتل، حيث تصبح قادرة على تهديد إسرائيل من جبهة واحدة في لبنان وسوريا، وتل أبيب مستمرة في ضرب المواقع الإيرانية في سوريا ضمن ما يسميه نتنياهو منع التمركز العسكري الإيراني في سوريا كلها، لا فقط في الجنوب.
إيران لا ترد على الضربات، ولا تستطيع، ولو أرادت، الرد من سوريا لأن روسيا تمنع، لكن "حزب الله" الملتزم بـ "قواعد اللعبة" في الجنوب اللبناني، فتح مخرجاً هو الرد من لبنان على أي ضربة إسرائيلية تقتل أي عنصر منه في سوريا آخرهم علي محسن كامل، وما ظهر حتى الآن هو أن الحزب يريد رداً يعيد الاعتبار إلى "قواعد اللعبة" من دون التسبب بتصعيد، وإسرائيل قامت بما لا يقود إلى تصعيد، فهما لا يريدان الذهاب إلى حرب، كذلك هي الحسابات في واشنطن وطهران.
عداء مفيد للطرفين
ولا أحد يجهل أن العداء بين إيران وإسرائيل مفيد للطرفين معاً، تل أبيب لا تستطيع العيش من دون أعداء، وطهران لم تكن قادرة على "اختراق" العالم العربي والهيمنة على "أربع عواصم" من دون أن ترفع راية العداء والمقاومة لإسرائيل.
أحمدي نجاد رئيس إيران السابق هدد مراراً بـ "محو إسرائيل من فوق الخريطة"، أحد الملالي الكبار تحدث عن تدمير تل أبيب خلال "سبع دقائق ونصف"، وقائد الحرس الثوري الجنرال حسين سلامي كرر القول أخيراً إن "تدمير إسرائيل لم يعد حلماً بل صار هدفاً يمكن تحقيقه".
لكن فضيحة "إيران غيت" أيام الرئيس ريغان كشفت أن إسرائيل زودت طهران بالأسلحة حين بدت محشورة خلال الحرب مع العراق أيام الرئيس صدام حسين، ولا شيء يوحي أن حرباً مباشرة بين طهران وتلّ أبيب هي على جدول الأعمال، ولعل ما ينطبق على العداء بينهما هو قول الشاعر قسطنطين كفافي في قصيدة "في انتظار البرابرة" "ماذا يحدث لنا من دون البرابرة؟ إنهم نوع من الحل".
الحساب مفتوح
و"الحساب مفتوح" بين "حزب الله" وإسرائيل لكن الفاتورة على لبنان المثقل اليوم بالأزمات، فهو في حسابات تل أبيب "قاعدة إيرانية"، وهو في حسابات المشروع الإقليمي الإيراني وإحضاره "مساحة جغرافية" لا بلداً، و"أرض ميدان" لا أرض شعب عربي ضد إسرائيل، لكنه أيضاً ضدّ الهيمنة الإيرانية ويريد أن يعيش حراً ويبني اقتصاداً مزدهراً.
وهذا وضع خطير وخطر جداً على لبنان، فلا بلد في الدنيا يترك قرار الحرب والسلم في يد حزب من مذهب واحد مرتبط بـ "ولاية الفقيه"، ولا سلطة تستحق اسمها إن لم تمارس "حصرية السلاح" في يدها وتجعل الدفاع عن البلد مهمة الجيش وحده، فكيف إذا كان الحوار حول "الاستراتيجية الدفاعية الوطنية" مقطوعاً، والنقاش في إدارة السلاح ممنوعاً؟ وكيف إذا كنا في هاوية أزمات نقدية ومالية واقتصادية وسياسية ووطنية، وعلينا مهاجمة العرب والغرب وإخراج أميركا من "غرب آسيا" دفاعاً عن مصالح طهران؟
لبنان يستحق ما هو أفضل.