برغم توصيف تقارير الأمم المتحدة، والمنظمات الدولية المعنية بالمياه، للمنطقة العربية كـ"أكثر مناطق العالم ندرة في المياه" لوقوعها جغرافياً في "حزام المناطق الجافة وشبه القاحلة"، تنقسم تفسيرات الخبراء والمختصين لـ"تحديات الأمن المائي في المنطقة" لفريقين، أحدهم يرجعها لـ"سوء إدارة المورد الأهم للحياة" وسط تحديات الزيادة السكانية، وتأثيرات النزاعات، وتغير المناخ، والأزمات الاقتصادية، والآخر يقول إنها بسبب "تسييس القضية، واعتبارها وسيلة ضغط حيث تأتي67 في المئة من مياه الأنهار من منابع خارج العالم العربي"، وإن أجمعوا في تنبؤاتهم المستقبلية على "خطورة التحدي" مع ترجيح أن تشكل المياه تهديداً مصيرياً لاستقرار المنطقة وتنميتها بشكل مستدام.
فمورد المياه، وبعد أن كانت "وفرته" سبباً لازدهار أقدم الحضارات الإنسانية في العالم (الحضارة الفرعونية في مصر، والسومرية في بلاد ما بين النهرين نموذجاً)، باتت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مهددة بأن تكون أكثر مناطق العالم نضوباً متوقعاً لمصادر المياه العذبة، وفق التقديرات الدولية. وذلك في وقت يخيم شبح الأزمات السياسية (في بقاع عدة) بداخله، أبرزها ذلك الخلاف المحتدم بين مصر، والسودان، وإثيوبيا بشأن سد النهضة الذي تبنيه الأخيرة على النيل الأزرق، وتحويل إسرائيل مجرى نهر الأردن، فضلاً عن الخلاف المستمر حول أنهار اليرموك والليطاني، والضغوطات المائية التي تمارسها تركيا فيما يتعلق بنهري دجلة والفرات على سوريا والعراق.
وعلى خلفية "الندرة المائية" القائمة في المنطقة، فضلاً عن التوترات الحالية بشأن بعض من مصادرها، والتنبوءات المستقبلية "القاتمة"، تحاول "اندبندنت عربية" استجلاء حقيقة الوضع المائي العربي في ظل توقعات أن تتحول الصراعات، والحروب في المستقبل على ذلك المورد الأهم للإنسان.
أرقام صادمة
تبعث الأرقام المتعلقة بالمياه العذبة عالمياً بشيء من القلق، إذ لا يمثل ذلك المورد الهام نحو 3 في المئة فقط من مجمل المياه الموجودة في كوكب الأرض (77.6) في المئة منها في هيئة جليد، 21.8 في المئة مياه جوفية، فيما نحو 0.6 في المئة فقط هي النسبة المسؤولة عن تلبية احتياجات أكثر من7.7 مليار نسمة في كل ما يتعلق بالنشاط الزراعي، والصناعي، وسائر الاحتياجات اليومية.
وفي تقريرها الصادر في مارس (آذار) 2018 بشأن تنمية المياه، قالت الأمم المتحدة إن 3.6 مليار إنسان، أو نصف سكان العالم يعيشون في مناطق يمكن أن تصبح فيها المياه نادرة في شهر واحد على الأقل في السنة. وإن هذا العدد مرشح للارتفاع إلى 5.7 مليار بحلول 2050. فيما أوضح في توقيت متزامن، معهد الموارد العالمية (مركز أبحاث في العاصمة الأميركية) أن سكان نحو 400 منطقة في العالم تعاني من "إجهاد مائي شديد". وأن ثمة مخاوف من أن تؤدي ندرة المياه إلى نزوح الملايين من الأشخاص، وأن تسهم المياه في حدوث صراعات، وانعدام الاستقرار السياسي.
وبحسب معهد الموارد العالمية ذاته، يعيش نحو ثُلث سكان العالم، أي 2.6 مليار شخص، في دول تعاني من "إجهاد مائي شديد"، بينهم 1.7 مليار في 17 دولة تُصنف على أنها تعاني من "إجهاد مائي شديد للغاية"، وذلك في وقت تعد أكثر من عشر دول، في المناطق القاحلة في الشرق الأوسط، من أكثر دول العالم معاناة من الإجهاد المائي.
وباعتبار المنطقة العربية أحد أكثر مناطق العالم "فقراً مائياً"، فإن أرقامها تشي بمزيد من "القلق والخوف"، بحسب توصيف المراقبين، إذ لا تحتوي تلك المنطقة التى تضم نحو عشر مساحة اليابسة على الأرض، إلا على أقل من1 في المئة فقط من كل المياه العذبة السطحية على وجه الأرض، وحوالي2 في المئة من إجمالي الأمطار في العالم، الأمر الذي انعكس على الاحتياج المائي للفرد الذي يقدر وفق المعدل العالمي بـ"ألف متر مكعب سنويا".
ويوضح المجلس العربي للمياه، أنه في السنوات الأخيرة وصل متوسط حصة الإنسان العربي من المياه إلى ما دون 500 متر مكعب في العام في بعض المناطق، كما بلغت أعداد الدول العربية الواقعة تحت خط الفقر المائي (أقل من ألف متر مكعب للفرد سنوياً) 19 دولة، منها 14 دولة تعاني شحاً حقيقياً في المياه إذ لا تكفي المياه سد الاحتياجات الأساسية لمواطنيها، ما يرجح توقعات بتصحر ما يقارب من 30 في المئة من أراضي تلك الدول الصالحة للزراعة.
المجلس ذاته، ذكر في تقرير له، أن استهلاك العالم العربي من المياه تضاعف خمس مرات خلال الخمسين عاماً الماضية، وبحسب منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو)، تبلغ الموارد المائية في العالم العربي نحو 340 مليار متر مكعب، لا يستغل منها سوى 50 في المئة فقط، والباقي معرض للهدر والضياع، ويقول تقرير البنك الدولي لعام 2018 بشأن تنمية المياه، إن نصيب الفرد السنوي من الموارد المائية المتجددة، والقابلة للتجدد في الوطن العربي (مع استبعاد مخزون المياه الكامنة في باطن الأرض) قد يصل في الإجمال إلى667 متراً مكعباً بحلول 2025، وذلك بعدما كان 3430 متراً مكعباً في عام 1960، أي بانخفاض بنسبة 80 في المئة.
وفي العام 2015 قدم "معهد الموارد الدولي"، صورة قاتمة عن الوضع المائي في العالم العربي. إذ صنف في تقرير له الدول الـ33 الأكثر تضرراً في العالم من نقص الموارد المائية بحلول عام 2040. إذ جاءت البحرين، وقطر، والكويت في المراكز الثلاثة الأولى، بينما حلت السعودية، وعُمان ولبنان في المراكز التاسع، والعاشر، والحادي عشر على التوالي. وجاء الأردن في المركز الرابع عشر، وليبيا في المركز الخامس عشر، واليمن في السادس عشر، فيما حلت سوريا في الترتيب الخامس والعشرين. أما دول المغرب، والجزائر، وتونس، فقد احتلت المراكز التاسع عشر، والثلاثين، والثالث والثلاثين على الترتيب.
وبحسب بيانات وأرقام من الجمعية العربية لمرافق المياه (أكوا)، نقلاً عن البنك الدولي، يؤثر النمو السكاني المتزايد في بعض الدول العربية، والأنشطة الاقتصادية غير المتوازنة، وكذلك التغيرات المناخية في تعزيز الضغوط على مصادر "المياه المستنزفة". وهو ما قد ينعكس في زيادة التصحر والتغير في نمط الأمطار، وانخفاض أنماط التخزين الجوفي، فضلاً عن انعكاس الاختلالات البيئية على الطبيعة.
مصادر المياه في العالم العربي
برغم شح المياه وندرتها في المنطقة العربية، تتعدد مصادر المنطقة من المياه بين الأنهار، والمياه الجوفية، والأمطار، والآبار، وتحلية مياه البحار فضلاً عن الاعتماد على تقنية معالجة المياه. ووفق الأرقام الرسمية، فإن معدل موارد المياه المتجددة سنوياً في العالم العربي يقدر بنحو 350 مليار متر مكعب، منها نحو 125 مليار متر مكعب، أي 35 في المئة منها يأتي عن طريق الأنهار من خارج المنطقة، حيث يأتي من طريق نهر النيل 84 مليار متر مكعب، و28 مليار متر مكعب من نهر الفرات، و38 مليار متر مكعب من نهر دجلة وفروعه.
وتشير الجغرافية العربية إلى أن أبرز الأنهار في المنطقة ممثلة في نهر النيل، ونهري دجلة والفرات، ونهر الأردن، ونهر الليطاني، وعدد آخر من الأنهار الصغيرة. ونهر النيل يعد أطول أنهار العالم (يمتد من الجنوب إلى الشمال بطول 6695 كيلو متراً، وتشترك فيه 11 دولة من بينها السودان ومصر).
ورغم سقوط نحو 1660 مليار متر مكعب من مياه الأمطار سنوياً داخل حوض نهر النيل (منها 450 مليار متر مكعب داخل نطاق إثيوبيا)، تبلغ حصة مصر من النهر السنوية 55.5 مليار متر مكعب (تعتمد عليها في تلبية نحو 95 في المئة من احتياجاتها المائية)، فيما تبلغ حصة السودان 18.5 مليار متر مكعب، وذلك وفقاً لاتفاقية تقاسم المياه الموقعة بين البلدين عام 1959. ويواجه البلدان أزمة محتدمة منذ 10 سنوات مع إثيوبيا، التي تبني سد النهضة العملاق على النيل الأزرق.
أما عن نهري دجلة والفرات، اللذان ينبعان من حوض الأناضول في تركيا، ويعبران تركيا وسوريا والعراق (يلتقيان معاً في القرنة شمال البصرة ويشكلان معاً شط العرب)، فيمثلان الاحتياجات الأكبر لكل من سوريا والعراق. إذ تعتمد سوريا على نهر الفرات بنسبة 90 في المئة، بينما تعتمد العراق عليه كلياً.
وكما في نهر النيل، يواجه نهرا دجلة والفرات تحديات وضغوطاً من قبل دولة المنبع (تركيا) مع إصرارها على بناء المزيد من السدود في الجزء الجنوبي الشرقي منها. وفي حالة نهر الفرات، فبالرغم من أن الإيراد السنوي له لا يتجاوز 27 مليار متر مكعب في السنة، إلا أن احتياجات سوريا من مياه الفرات تتجاوز 11 مليار متر مكعب، واحتياجات تركيا بلغت 15.7 مليار سنوياً، واحتياجات العراق 13 ملياراً، ليصبح المجموع 39.7 مليار. وبشكل خاص، يثير استغلال مياه نهر الفرات الجدل، فهذا النهر حيوي للغاية بالنسبة إلى سوريا، لأن مياهه تغطي 90 في المئة من احتياجات سوريا للمياه.
وفي ظل المشاكل الداخلية التي تعاني منها كل من الدول الثلاث "سوريا، والعراق، وتركيا" يغيب الإطار القانوني لتسوية الخلافات بينهما، الأمر الذي قد ينجم عنه مشاكل تتعلق بشح الموارد المائية. لاسيما في ظل طموحات تركية متعلقة بمشروع سد الأناضول الجنوبي (يشمل 22 سداً على طول نهري دجلة والفرات) لكن سوريا والعراق تنظران بتشكك إلى تلك المشاريع.
وفي منطقة الشام العربية، يأتي نهر الأردن، وهو ذلك النهر الصغير الذي يشكل الحدود بين فلسطين والأردن، ويمتد على طول 360 كيلو متراً ينبع من الحاصباني في لبنان، واللدان وبانياس في سوريا، حيث يخترق النهر سهل الحولة ليصب في بحيرة طبرية ثم يجتاز الغور، وتنضم إليه روافد اليرموك، والزرقاء، وجالود، ويصب في البحر الميت. ويتشارك في مياه هذا النهر كثير من الدول هي الأردن، وسوريا، وفلسطين، ولبنان، وإسرائيل، وتضغط الأخيرة بتحويل المياه على حساب الاحتياجات المائية للدول الأخرى، فضلاً عن استمرار قضية المياه كإحدى قضايا الصراع بين الفلسطينين والإسرائيليين.
وبجانب الأنهار، تأتي الأمطار التي تعد في طبيعتها أول مصادر المياه في العالم العربي. حيث تعتمد عليها الكثير من الدول العربية في قطاعاتها الزراعية والصناعية بشكل أساسي، كالمغرب، والجزائر، وتونس، وسوريا، ولبنان، والعراق، والصومال، والسودان، والأردن. وتقدر منظمة الزراعة والأغذية التابعة للأمم المتحدة (الفاو)، حجم الأمطار الساقطة سنوياً على المنطقة العربية، بنحو 2100-2300 مليار متر مكعب.
وبحسب تقديرات مجلس المياه العربي، تتوزع الأمطار في الوطن العربي على الوجه التالي، 60 في المئة من مياه الأمطار تتساقط في فصل الصيف، معظمها في حوض السودان، والقرن الأفريقي، واليمن، وموريتانيا، فيما تسقط ـ40 في المئة الأخرى في فصل الشتاء في بلاد المغرب العربي والشمال الأفريقي، وبقية الدول العربية المطلة على ساحل البحر الأبيض المتوسط.
أما عن ثالث تلك المصادر الطبيعية للمياه في المنطقة العربية، فتأتي، المياه الجوفية التي يقدر مخزونها في العالم العربي بنحو 7734 مليار متر مكعب، يتجدد منها سنوياً 42 ملياراً، ويتاح للاستعمال 35 مليار متر مكعب. ويقع المخزون الأكبر والأكثر تجدداً في الدول العربية في منطقة شمال أفريقيا وشرقها (مصر، وتونس، والجزائر، والسودان، والصومال، وليبيا، والمغرب). كما تتوزع بشكل رئيس على ثلاثة أحواض كبيرة هي، حوض النوبة بين مصر، وليبيا، والسودان (يقدر حجم مخزونه بنحو عشرين ضعفاً من الإمدادات السنوية المتجددة في العالم العربي)، وحوض العرق الشرقي الواقع جنوب جبال الأطلس في الجزائر، ويمتد إلى تونس (يقدر مخزونه بنحو أربعة أضعاف الإمدادات المتجددة من المياه في المنطقة العربية)، وحوض الديسي الواقع بين الأردن والسعودية، وتبلغ مساحته نحو 106 آلاف كيلو متراً مربعاً.
وبجانب المياه الجوفية، تنتشر في البلدان العربية مئات الآلاف من الأودية الموسمية (تجري فيها المياه لفترات محدودة في السنة لا تتجاوز بعض الأيام، أو بعض الشهور على أقصى التقديرات) التي تتجمع فيها المياه، إلا أنه لا توجد دراسات موثقة تقيس كميات المياه التي توفرها هذه الأودية، برغم بعض التقديرات التي تتحدث عن احتوائها على عشرات المليارات من الأمتار المكعبة.
المعالجة وتحلية مياه البحر خياران لمواجهة الندرة المائية
فضلاً عن مصادر المياه المتجددة في المنطقة العربية، تأتي محاولات بعض الدول لتحلية مياه البحر ومعالجة المياه العذبة لإعادة استخدامها. ففيما يتعلق بتحلية مياه البحر، يقول البنك الدولي، إن المنطقة العربية تتصدر العالم في هذا المجال، وتستخدمه لأغراض الشرب، لا سيما في دول الخليج العربي، وليبيا. وتتوقع الأمم المتحدة، أن يرتفع مستوى استعمال تقنية تحلية المياه في العالم العربي من 1.8 في المئة إلى نحو 8.5 في المئة بحلول عام 2025.
الأمم المتحدة ذاتها، تقول، إن مياه البحر المحلاة تمثل أكثر من 75 في المئة من المياه المستخدمة في دول الخليج العربي، ونحو 90 في المئة من إجمالي إنتاج المنطقة العربية من المياه المحلاة، مشيرة في الوقت ذاته، إلى أن 65 في المئة من إجمالي محطات إزالة الملوحة من مياه البحار في العالم موجودة في العالم العربي.
بالإضافة لتحلية مياه البحر، تأتي تقنية "إعادة المعالجة"، كوسيلة لمواجهة الندرة المائية التي من خلالها تتم إعادة استخدام مياه الصرف الزراعي، والصناعي، والصرف الصحي في الزراعة والصناعة. وتقدر كميات الصرف الزراعي والصحي المستخدمة في العالم العربي بأكثر من7 مليارات متر مكعب.
لماذا "خطر الندرة" يلوح في المنطقة؟
يرجع مراقبون أسباب المخاطر التى تهدد الأمن المائي العربي لمجموعة من الاعتبارات، أولها، وجود منابع أو مرور أهم مصادر المياه العربية المتمثلة في الأنهار الكبيرة في دول غير عربية (كما هو الحال في نهر النيل بمنابعه الإثيوبية والأوغندية، وفي نهر دجلة والفرات بمنابعه التركية، ونهر الأردن بمنابعه الخاضعة لسيطرة إسرائيل)، وهو ما يجعل خطط التنمية الاقتصادية مقيدة بتصرفات الدول التي تنبع منها المياه، كما تسهل تلك الميزة لدول المنبع ممارسة ضغوط مستمرة على الدول العربية، وهو ما يصعد من احتمالات نشوء نزاعات إقليمية بسبب المياه، وذلك في ظل عدم وجود اتفاقات دولية، وخلافات بشأن الاتفاقات القائمة بين دول المنابع والدول العربية.
وتشير منظمة الزراعة والأغذية التابعة للأمم المتحدة (الفاو) إن "ثماني دول مجاورة للدول العربية تتحكم بأكثر من85 في المئة من منابع المياه الداخلية"، مشيرة إلى أن تلك المعضلة، بجانب "الزيادة السكانية المطردة التي يقابلها تناقص في نصيب الفرد من المياه بسبب محدودية مواردها، والتغيرات المناخية وكثرة النزاعات الداخلية" من شأنها أن تعقد من سبل مواجهة تحدي "الندرة المائية بالمنطقة".
من جانبها، توقعت دراسة عن مستقبل المياه في المنطقة العربية، أجرتها المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، تعرض المنطقة لعجز مائي بنحو 261 مليار متر مكعب بحلول عام 2030، مشيرة فى الوقت ذاته إلى أن هذا التوقع لن يكون في سبيله إلى التحسن في المستقبل المنظور، وحتى عام 2050 .
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي العام 2018 قال تقرير مشترك صادر عن "الفاو"، والبنك الدولي إن ندرة المياه في منطقة الشرق الأوسط، وشمال أفريقيا يمكن أن تكون "إما عاملاً مزعزعاً للاستقرار، أو دافعاً يقرّب المجتمعات من بعضها بعضاً، حيث يعتمد الأمر على السياسات المتخذة للتعامل مع هذا التحدي المتنامي"، وحذر التقرير من أن عدم الاستقرار المقترن بضعف إدارة المياه يمكن أن "يتحول إلى حلقة مفرغة تزيد من تفاقم التوترات الاجتماعية، مع التأكيد على أن الإجراءات اللازمة لكسر هذه الحلقة يمكن أن تكون أيضاً عناصر أساسية للتعافي وتعزيز الاستقرار". مشيرة إلى أن أكثر من 60 في المئة من سكان المنطقة يتركزون في أماكن متضررة من إجهاد مائي سطحي مرتفع أو مرتفع جداً، مقارنة مع متوسط عالمي يبلغ حوالي 35 في المئة، وأنه من المتوقع أن تتسبب ندرة المياه المرتبطة بالمناخ بخسائر اقتصادية تقدر بـ6 إلى 14 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2050، وهي النسبة الأعلى في العالم.
وبحسب، باسكال ستيدوتو، منسق البرامج الاستراتيجية الإقليمية في المكتب الإقليمي للفاو، فإن "الخسائر الاقتصادية تعني ارتفاع معدلات البطالة، يفاقمها تأثير ندرة المياه على سبل العيش التقليدية مثل الزراعة. والنتيجة يمكن أن تكون انعدام الأمن الغذائي واضطرار الناس للهجرة، إلى جانب تزايد الإحباط بشأن ضمان تقديم الخدمات الأساسية، وهو ما قد يصبح محركاً آخر لعدم الاستقرار الواسع في المنطقة". معتبراً، أن "حصة الفرد من الموارد المائية في المنطقة باتت تعادل سدس المتوسط العالمي، وهي آخذة في الانخفاض. بالتوازي مع مشكلة استنزاف المياه الجوفية في ظل معدلات السحب العالية للغاية من المياه السطحية والجوفية على حد سواء. وهذا يعني أن قطاع الزراعة يصارع للمنافسة على المياه مع قطاع الصناعة وغيره من الصناعات".
من جانبه، كتب أندرس جاجيرسكوج، كبير خبراء إدارة الموارد المائية، في قطاع الممارسات العالمية للمياه في البنك الدولي، في دراسته المعنونة "الماء والغذاء والطاقة في العالم العربي: تحد جماعي"، في موقع البنك الدولي، في نوفمبر (تشرين الثاني) 2018. إن "موارد المياه الجوفية تنضب بوتيرة سريعة في منطقة الشرق الأوسط، وشمال أفريقيا، وإذا استمر نهج بقاء الأمور على حالها في استغلال هذه الموارد الشحيحة، فمن المتوقع أن تتلاشى خلال ما يقرب من 30 عاماً، وسيكون لذلك تأثير مدمر على المجتمعات المحلية، حيث سينخفض الإنتاج الزراعي في بعض البلدان بنسبة قد تصل إلى 60 في المئة، ما لم تُتخذ الإجراءات الكفيلة بالحد من الاستخراج الجائر لهذه المياه".