في الجنوب الشرقي للمغرب، لا تزال بعض العائلات تعيش حياة الرّحل، وتتنقل من مكان إلى آخر بحثاً عن الكلأ والماء، ويُحرم أطفالها من الذهاب إلى المدرسة للتعلم، وتُجهض أحلامهم بمستقبل أفضل على أوتاد الخيام.
"يجب أن أساعد عائلتي في جلب الحطب"
"كُنت أرغب في أن أواصل تعليمي وأن أساعد عائلتي، لكن والدي منعني وقال لي إنني لن أستفيد أي شيء من التعلّم، وأنّه يجب أن أساعد عائلتي في جلب الحطب والماء ورعي الغنم"، تقول فاطمة البالغة من العمر 13 سنة، وهي التي تعيش في خيمة بنواحي مدينة ورزازات في الجنوب الشرقي للمغرب.
وتُضيف "نحن نتنقل كثيراً من مكان إلى آخر، وكان من الصعب أن أواصل تعليمي، ولا يُمكنني أن أقطع مسافات طويلة بمفردي للالتحاق بالمدرسة، لن يسمح لي والدي بذلك، ولم أرغب في ترك مقاعد الدراسة لكن الظروف منعتني".
طفولة لا تشبه غيرها
ووفقاً لإحصاءات المندوبية السامية للتخطيط (مؤسسة حكومية رسمية مغربية تختص بالإحصاء والتخطيط)، فقد بلغ عدد السكان الرّحل في عام 2014، 25 ألفاً و274 شخصاً.
وتُضيف الإحصاءات أن 2.68 في المئة من عائلات الرّحل تتكون من خمسة أشخاص وأكثر، و8.32 في المئة تضم ثمانية أشخاص، و6.10 في المئة تتكون من أربعة أفراد، و1.8 في المئة من ثلاثة، و1.7 في المئة من شخصين، و1.6 في المئة من شخص واحد.
وتُتابع الطفلة فاطمة "تنعدم لدينا هنا أبسط الإمكانات، حياتنا صعبة جداً، لا نعيش طفولتنا كبقية الأطفال، نرغب نحن أيضاً في أن نتعلم ونلعب ونُشاهد التلفاز".
"أرغب في أن لا يعيشوا مثلي"
وتتخوف عائشة أم فاطمة، من أن يعيش أطفالها نفس حياتها، وتُضيف في هذا السياق، "نُكافح كل يوم لأجل لقمة العيش، أشعر بالحزن الشديد عندما أرى أطفالي لا يذهبون إلى المدرسة، وأرغب في ألا يعيشوا نفس حياتي، لكن ليس باليد حيلة".
وتتابع "نلتحف السماء ونفترش الأرض، ونتحمل قسوة المناخ في فصل الصيف والشتاء، والجفاف وندرة الماء، مأوانا الوحيد هذه الخيام البسيطة، نحن نعيش وأطفالنا على هامش المجتمع".
"تتزوج الفتيات في سن صغيرة"
وأطلقت جمعية "أسكاويس" للتنمية مبادرة لتعليم الرّحل في نواحي مدينة ورزازات جنوب المغرب. وفي هذا الصدد يقول محمد مطيع رئيس الجمعية، "يعيش أطفال الرحل متنقلين ويُحرمون من حقهم في التعليم، ومن بينهم من لم تطأ أقدامه المدرسة، وتتزوج الفتيات في سن صغيرة".
ويُضيف "كنا أطلقنا في الجمعية مبادرة لتعليم الرحل، وبسبب أزمة كورونا أوقفنا أنشطتنا هذه السنة".
"صعوبة في التواصل"
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويُتابع "هؤلاء أطفال محرومون من أبسط الأشياء، يعيشون في ظروف صعبة وينشأون في بيئة قاسية ويجدون صعوبة في التواصل مع الآخرين".
ويمضي قائلاً "عدد قليل من أبناء الرّحل نجحوا في الوصول إلى مستوى الثانوي، وهم يُعانون من التهميش والإقصاء".
ويعتبر محمد مطيع أن "من الصعوبات التي تواجههم في الجمعية أنهم يتنقلون باستمرار ومن الصعب مُلاحقتهم إلى أي مكان وجدوا فيه لتعليم أطفالهم".
تجربة ناجحة
وفي المقابل نجح جييد إبراهيم من رحل مدينة طاطا جنوب المغرب، في إكمال تعليمه وتحقيق طموحه في أن يصبح أستاذ مادة علوم الحياة والأرض.
وهو يقول "ولدت في عائلة رحّل تتنقل من مكان إلى آخر، لكني واصلت تعليمي، واستفدت من تجربتي في الترحال لأدرس مادة علوم الحياة والأرض".
ويُضيف في هذا السياق، "لقد تعلمت في حياة الترحال كيفية التعامل مع الطبيعة، لقد منحتني تجربة خاصة جعلتني أنجح في دراستي وفي تخصصي الجامعي". وهو يعتبر أن حياتهم ليست فقط معاناة بل تشمل جوانب أخرى، مشيراً إلى أن "الرّحل مرتبطون بالطبيعة وبالحياة فيها، ويُفضلون حياة بسيطة".
يشار إلى أن جمعية "شمس" للتنمية والأعمال الاجتماعية والخيرية، كانت قد أطلقت أول مبادرة لتعليم أبناء الرحل في مدينة ورزازات وميدلت، وأنشأت مدارس متنقلة، بدعم من وزارة التربية الوطنية المغربية وشركاء أجانب.