تفاقمت حادثة سيطرة مسلحي العشائر العربية على عدد من مقار لقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، في ريف دير الزور الشمالي الشرقي في 4 أغسطس (آب) الحالي، على المستوى المحلي عقب مصرع زعماء عشائر عربية في كمين نُصب لهم.
وتشهد مناطق عدّة (الشحيل والبصيرة وذيبان والحوايج) في ريف الدير توتراً أمنياً واسعاً بعد اغتيال شيوخ عشيرَتَيْ العقيدات والبكارة واتهام "قسد" بتصفيتهما، مما أثار حفيظة أفراد العشيرتين ودخلتا في نزاع مستعر على مدار الساعات الـ48 الماضية مع "قسد" ذات الغالبية الكردية.
في المقابل، تبرّأت "قسد" من التهم الموجهة إليها حيال مسؤوليتها عن تلك الاغتيالات، وألقتها على عاتق تنظيم "داعش" الذي تعرّض لضربات موجعة في الفترة الأخيرة بعد سلسلة ملاحقات لخلاياه النائمة من قبل ميليشيات "قسد" العسكرية.
وأصدر المركز الإعلامي لقوات سوريا الديمقراطية بياناً صحافياً اتّهم فيه "داعش" بإحداث فتنة كردية ـ عربية بين مكوّنات المنطقة المتعايشة منذ مئات السنوات ومحاولة إعادة الفوضى إلى المنطقة.
النكبة والثأر
في غضون ذلك، تتّسع دائرة الفلتان الأمني وحدّة التوتر عقب التصفيات الأخيرة لزعيمَيْ العشيرتين العربيتين لما يشكّلان من ثقل كبير على الأرض.
ويرى مراقبون تأثير الشيوخ في المكوّن العربي في ظل تراجع دوره وسط سيطرة واسعة للمكوّن الكردي داخل مفاصل مهمة في قيادة قوات "قسد" بدعم من واشنطن للحدّ من تمدّد "داعش" وحماية للمناطق من خطر التنظيم المتشدّد.
ويعدّ الباحث في شؤون العشائر أحمد محمد ربيّع، في حديثه لـ"اندبندنت عربية"، قبيلة العقيدات من أكبر القبائل العربية في بلاد الرافدين سوريا والعراق ولها مكانتها وكذلك قبيلة البكارة، وهي "لن تسكت عن الثأر لشيخ عشيرة البكارة، علي الويس وشيخ عشيرة العقيدات مطشر الهفل، والانتقام سبيلها الوحيد".
كمين وانشقاق
ويتوقّع الباحث في شأن العشائر وأصولها تواصل الاشتباكات ولن يخفت لهيبها حتى ينال المجرم عقابه إن كان "داعش" أو "قسد"، وهذا ما يبرّر انشقاق عناصر عرب من قوات سوريا الديمقراطية بعد الحادثة مباشرة.
ويضيف الربيّع أن تصفيات سابقة حدثت، منها قتل الناطق باسم عشيرة البكارة سليمان الكسار في أول أيام عيد الأضحى.
وكان مسلحون ملثّمون يستقلّون دراجات نارية نصبوا، الأحد، كميناً لشيخ قبيلة العقيدات أمطرت موكبه بالرصاص ومن أسلحة خفيفة أودت بحياته مع سائقه.
تأجّج الصراع
وتحدثت مصادر أهلية في المنطقة ذاتها عن خروج تظاهرات لعرب وقد اشتبكوا مع "قسد"، التي فرّقتهم بالرصاص الحيّ وسط إصابات، بعدما سيطر مسلحون الثلاثاء على مقار لها واحتجزوا سبعة من عناصرها.
الأحداث الأخيرة في شرق البلاد تركت وقعاً سياسياً وتحوّلاً مهماً تنظر إليه دمشق بعين الارتياح لأنه جاء في توقيت تتمدّد فيه السيطرة الكردية وبلغت أوجها بتعاون مع واشنطن لاستخراج النفط في منطقة شرق الفرات التي تعوم على ثروات هائلة.
ويرى مسؤول سياسي سوري أن الغطرسة التي وصلت إليها "قسد" لا تُطاق، مرجّحاً في حديث لـ"اندبندنت عربية" استمرار الفوضى التي تعمّ شرق البلاد "لن تنعم بالاستقرار ما دامت القوات الأجنبية الأميركية التي هيمنت بطريقة غير شرعية موجودة، إضافةً إلى دعمها للميليشيات الكردية".
من جهتها، دانت الولايات المتحدة الأميركية مقتل زعيمَيْ العشيرتين في بيان صادر عن وزارة الخارجية ودعت إلى وقف إطلاق النار في جميع أنحاء سوريا، على النحو الذي دعا إليه الممثل الخاص للأمم المتحدة غير بيدرسن.
وذكر بيان الخارجية الأميركية أن "العنف ضد المدنيين غير مقبول ويعيق الأمل في حلّ سياسي دائم للصراع في سوريا تماشياً مع قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254".
المعارضة لن تسكت
في هذا الوقت ومع تبادل الاتهامات بين مَن يريد زرع الفتنة العربية الكردية وبين مَن يشعل فتيل الحرب، يبرز موقف المعارضة السورية في الخارج والمدعومة تركياً، مستهجنةً ممارسات الميليشيات الكردية "PYD" بحسب وصف الأمين العام للائتلاف الوطني السوري المعارض عبد الباسط عبد اللطيف.
وقال عبد اللطيف إن هذه الميليشيات تمثّل سلطة شمولية وأجنبية، وهذا ما يفسّر الكثير من ممارساتها الإجرامية من تهجير وتغيير ديموغرافي وتجنيد إجباري حتى للأطفال، وأدلجة للمناهج التعليمية وصبغها بأفكار تنظيم PKK الإرهابي في مخالفة صارخة لقيم وعادات أهل المنطقة، وفق رأيه.
وأعرب مصدر عسكري في قوات سوريا الديمقراطية أنه لا مصلحة لقيادته في تأزيم الموقف مع العرب وهي ترغب في إحلال الاستقرار في مناطق نفوذها، لا سيما أن خلايا تنظيم "داعش" لا تزال ناشطة.
وكان شيخ عام قبيلة العقيدات إبراهيم خليل جدعان الهفل حمّل المسؤولية الكاملة لسلسلة الاغتيالات إلى "قسد" وفلول تنظيم "داعش" على حدّ سواء بغرض التخلّص من الوجهاء الذين يرفضون مشاريع الطرفين، خصوصاً في مناطق ريف دير الزور الشرقي.
كل ذلك يأتي وسط انتقادات واسعة من الداخل السوري للإدارة الذاتية الكردية بالتعاقد مع شركة "دلتا كريسينت إينريجي" الأميركية لاستخراج النفط، اعتبرته دمشق مخالفاً للقانون الدولي.