ما بين ديون ضخمة ستتوارثها الأجيال، ونسب نمو تحولت إلى انكماش، واستثمارات أجنبية كانت بمليارات الدولارات تتجه حالياً إلى الانخفاض بنسب قياسية، واحتياطي كان يكفي لأكثر من عام، واتجه أخيراً إلى النزف الحاد، كل ذلك هو حصاد الأخطاء القاتلة لتدخل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في إدارة الملف الاقتصادي للبلاد، وتحديداً السياسة النقدية.
الغريب أن الإحصاءات الرسمية التي ينشرها البنك المركزي التركي تشير إلى أزمات خانقة بالفعل يواجهها الاقتصاد التركي، سواء على صعيد التضخم المرعب الذي يلوح في الأفق مع استمرار انهيار الليرة مقابل الدولار، أو على صعيد الديون الخارجية التي تتجاوز نصف ديون أكثر من 21 دولة عربية.
وعلى رغم هذه البيانات والأرقام الصادمة، خرج الرئيس التركي منتصف العام الماضي ليبرر تدخله في سياسة البنك المركزي التركي قبل إقالة المحافظ السابق، وقال "أبلغناه مراراً خلال اجتماعات اقتصادية أنه ينبغي خفض أسعار الفائدة. أبلغناه أن خفض سعر الفائدة سيسهم في خفض التضخم. لم يفعل ما كان ضرورياً".
وفي رده على سؤال حول الأزمات التي يشهدها الاقتصاد التركي، قال أردوغان، إنه المسؤول عن اقتصاد بلاده، في إشارة لمزيد من الضغط على البنك المركزي لخفض معدلات الفائدة على رغم تسارع التضخم وتراجع العملة المحلية.
وتابع أمام تجمع لمؤيديه "أنا المسؤول عن الاقتصاد التركي، من هو على رأس الدولة الآن؟ إنه رجب طيب أردوغان إلى جانب 14 وزيراً". وجدد أردوغان هجومه على قيادات البنك المركزي التركي، وقال إن القضية الرئيسة هي معدلات الفائدة، ومع خفضها سيتباطأ التضخم مضيفاً "أنا أيضاً خبير اقتصادي."
169 مليار ديون مستحقة خلال عام واحد
لكن البيانات الحديثة التي أعلنها البنك المركزي التركي قبل أيام، تشير إلى أن السياسات والتدخلات المستمرة من الرئيس التركي في الملف الاقتصادي تسبّبت في أن ترتفع الديون الخارجية المستحقة على تركيا في غضون عام أو أقل إلى نحو 169.5 مليار دولار في نهاية مايو (أيار) الماضي، مرتفعة بنحو 5 مليارات دولار عن الشهر السابق. وشكلت ديون القطاع العام 23.2 في المئة من الإجمالي، وديون البنك المركزي 11.4 في المئة، وبلغت ديون القطاع الخاص نحو 65.4 في المئة.
قبل ذلك، كانت وزارة الخزانة والمالية التركية أعلنت أن إجمالي الدين الخارجي لتركيا وصل إلى 431 مليار دولار في نهاية مارس (آذار) الماضي. وقالت إن نسبة الديون الخارجية إلى الناتج الإجمالي المحلي بلغت في مارس (آذار) نحو 56.9 في المئة، مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي، وبلغ صافي الدين الخارجي للبلاد نحو 256.5 مليار دولار بما نسبته 33.8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأظهرت البيانات أن إجمالي الديون الخارجية المضمونة بالخزانة بلغ 14.2 مليار دولار حتى نهاية الربع الأول. وبلغ رصيد الدين الحكومي العام الذي حدده الاتحاد الأوروبي نحو 1.55 تريليون ليرة تركية (235 مليار دولار)، أو 35.1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية الربع الاول، وبلغ صافي الدين العام 782.2 مليار ليرة تركية (118 مليار دولار) في الشهر ذاته.
كما بلغ العجز في الحساب الجاري لتركيا خلال الربع الأول من العام 12.9 مليار دولار، ومن المتوقع أن يصل إلى 30 مليار دولار بنهاية العام، وهو ما يعني أن حاجة تركيا للتمويل الخارجي ستصل إلى 195 مليار دولار.
كان إجمالي ديون تركيا الخارجية قد بلغ 1.4 تريليون ليرة تركية (225.8 مليار دولار) حتى نهاية فبراير (شباط) الماضي.
وتلجأ الحكومة التركية إلى الاستدانة من الداخل عبر طرح سندات حكومية لدعم الليرة التركية المتراجعة بقوة أمام العملات الأجنبية.
نصيب الفرد من الديون يقفز بشكل صاروخي
وتشير الأرقام إلى أنه منذ العام 2003 الذي تولى فيه أردوغان رئاسة تركيا وحتى العام 2020 قفز الدين العام الخارجي للبلاد بنسبة 210.34 في المئة بمتوسط زيادة سنوية تبلغ نحو 12.37 في المئة. حيث ارتفع الدين الخارجي من 144 مليار دولار خلال العام 2003 إلى نحو 446.9 مليار دولار خلال العام 2020، بزيادة بلغت نحو 302.9 مليار دولار، بمتوسط زيادة سنوية تبلغ قيمتها 17.817 مليار دولار.
ووفق هذه الأرقام فقد قفز نصيب كل مواطن في تركيا من الدين الخارجي لبلاده بنسبة 156.6 في المئة صاعداً من نحو 2123 دولار خلال العام 2003 إلى نحو 5449 دولار لكل مواطن خلال العام الحالي، حيث كان تعداد تركيا يبلغ في عام 2003 نحو 67.803 مليون نسمة، فيما تشير آخر إحصاءات رسمية أجريت عام 2018 إلى أن تعداد سكان تركيا يبلغ نحو 82.003 مليون نسمة.
وعند مستوى ديون يبلغ 446.9 مليار دولار، فإن الدين الخارجي لتركيا يعادل نحو 61.9 في المئة من الدخل القومي، فيما بلغ صافي ذلك الدين نحو 268.3 مليار دولار بنسبة 37.2 في المئة للدخل القومي. بينما كانت نسبة صافي الدين الخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي تبلغ نحو 38.4 في المئة خلال العام 2002، أي قبل تولي "أردوغان" رئاسة وزراء تركيا بعام واحد فقط.
وكان المعهد المالي الدولي أشار في بيانات سابقة، إلى أن الديون التركية تتراكم، وأن أنقرة يمكنها فقط سداد نصف ديونها الخارجية قصيرة الأجل، البالغة أكثر من 120 مليار دولار، لافتاً إلى أن تركيا أكثر دولة تحتاج إلى تمويل أجنبي لسداد دين خارجي قصير الأجل يبلغ 120 مليار دولار.
ولفت التقرير إلى أن حجم الدين الخارجي للدول النامية، الذي من المتوقع أن يزداد خلال العام الجاري ليبلغ نحو 800 مليار دولار، وهو ما يعني أن إجمالي الدين الخارجي لتركيا يوازي نحو 55.86 في المئة من إجمالي ديون الدول النامية.
وبحسب المعهد، فإن تركيا لا تستطيع سوى سداد نصف ديونها فقط، بسبب تراجع الاحتياطي النقدي الخاص بها، وهو ما أشار إليه رئيس البنك المركزي التركي مراد أويصال، الذي صرّح بأن احتياطي النقد الأجنبي بلغ مستوى سيمكّن تركيا من سداد الديون الخارجية قصيرة الأجل.
تركيا تفقد 27 في المئة من الاحتياطي خلال 20 يوماً
على صعيد احتياطي النقد الأجنبي، فقد هوى بنسبة 81.83 في المئة منذ نهاية العام 2013 وحتى منتصف شهر مارس (آذار) الماضي، حيث تراجع حجم الاحتياطي من نحو 136 مليار دولار إلى نحو 24.7 مليار دولار في منتصف مارس (آذار) الماضي، ليفقد نحو 111.3 مليار دولار خلال 7 سنوات، بمتوسط يبلغ نحو 15.9 مليار دولار سنوياً.
وحذرت مجموعة "إس إي بي" الاقتصادية، من عدم قدرة القطاع المصرفي التركي على الوفاء بالتزاماته وسداد الديون المستحقة في فبراير (شباط) من عام 2021، إذا ما واصلت الليرة تهاويها أمام الدولار، رغم تدخلات بنوك مملوكة للدولة في السوق من أجل محاولة استقرار الليرة.
وفي وقت سابق، أشارت وكالة "بلومبيرغ" إلى أن صافي الاحتياطي الأجنبي للبنك المركزي التركي انخفض إلى أدنى مستوى له منذ مايو 2019، لافتة إلى أن موقف الاحتياطي الخاص بالبنك المركزي التركي غير مطمئن، ومع مواجهة الاقتصاد خروج التدفق الأجنبي في ظل وباء كورونا، فإن الاحتياطي التركي قد يستنفد كلياً.
وتشير البيانات إلى أن تركيا تصدرت قائمة الدول العالم التي هوى احتياطي النقد لديها بالنسبة، حيث فقد بنكها المركزي أكثر من 15 في المئة من الاحتياطي النقدي بقيمة 19.2 مليار دولار، وذلك خلال شهر واحد فقط.
فيما تحدثت صحف تركية معارضة عن أن صافي الاحتياطي النقدي بالبنك المركزي انخفض من 33.9 مليار في نهاية يناير (كانون الثاني) الماضي إلى 24.7 مليار دولار في 20 فبراير (شباط) الماضي. ويعني هذا أن صافي الاحتياطي النقدي بالبنك المركزي التركي هوى بنسبة 27 في المئة خلال 20 يوماً فقط. كما انخفض إجمالي الاحتياطيات، بما في ذلك الذهب، بأكثر من 17 مليار دولار هذا العام ليصل إلى أقل من 88 مليار دولار.