في خطوة جديدة في مواجهة الممارسات التركية المتصاعدة في منطقة شرق البحر المتوسط، وقعت مصر واليونان اتفاقية لتعيين الحدود البحرية بين البلدين والتي من شأنها أن تزيد العراقيل القانونية أمام الاتفاق الذي عقده الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والحكومة الحليفة له في طرابلس بليبيا، لترسيم الحدود البحرية المزعومة بين تركيا وليبيا في نوفمبر (تشرين الثاني) 2019.
في هذا السياق وخلال مؤتمر صحافي في القاهرة، الخميس، عقده وزير الخارجية المصري سامح شكري ونظيره اليوناني نيكوس دندياس، قال الوزير اليوناني إن "الاتفاق مع مصر يأتي في إطار القانون الدولي ويحترم كل مبادئ القانون الدولي للبحار وعلاقات الجوار الطيبة ويساهم في أمن واستقرار المنطقة". مشيراً إلى أن الاتفاق الذي عقدته تركيا وحكومة الوفاق الوطني في ليبيا "باطل" و"لا أساس له من الناحية القانونية". وتابع بلهجة يملؤها التحدي لتصريح تركيا بشأن اتفاقيتها مع حكومة الوفاق "مكانها سلة المهملات".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
غضب تركي
في المقابل، أثارت الاتفاقية المصرية اليونانية رد فعل تركي غاضب، فسرعان ما أصدرت وزارة الخارجية التركية بياناً أعلنت فيه رفضها للاتفاقية بين القاهرة وأثينا، وقالت إنها "باطلة بالنسبة لأنقرة"، وإن تركيا لا تعترف بوجود حدود بحرية بين البلدين. وزعم بيان الخارجية التركية أن الاتفاقية مخالفة للحقوق البحرية الليبية وتخص منطقة تعتبرها تركيا جزءاً من جرفها القاري.
ومن جهته رد أحمد حافظ، المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، على حسابه الرسمي على موقع تويتر، قائلاً إنه "بالنسبة لما صدر عن الخارجية التركية بشأن الاتفاق الذي تم توقيعه اليوم لتعيين المنطقة الاقتصادية الخالصة بين مصر واليونان... فإنه لمن المستغَرب أن تصدر مثل تلك التصريحات والادعاءات عن طرف لم يطلع أصلاً على الاتفاق وتفاصيله".
أهمية الاتفاق
يذكر أن اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين مصر واليونان يمثل خطوة مهمة على الصعيد الاقتصادي لمصر إذ يتيح المزيد من اكتشافات الغاز في البحر المتوسط. وخلال المؤتمر الصحافي، قال شكري إن "الاتفاق يتيح لكلا البلدين المضي قدماً في تعظيم الاستفادة من الثروات المتاحة في المنطقة الاقتصادية الخالصة، خاصة احتياطات النفط والغاز الواعدة".
وفي حديثه لـ"اندبندنت عربية" قال سمير غطاس، رئيس منتدى الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية والأمن القومي، إن "محادثات قديمة تعود لعام 2003 جمعت مصر واليونان قبل توقيع الاتفاق، حيث كان هناك بالفعل مذكرة تفاهم بين البلدين بشأن ترسيم الحدود البحرية". وأضاف أنه بموجب الاتفاقية ستجني مصر مكاسب اقتصادية واسعة، إذ سيكون من حقها التنقيب غرب حقل ظهر والحقول الصغيرة التي بجواره والتي تم الكشف عن إحداها الأسبوع الماضي.
إضافة إلى الأبعاد الاقتصادية للاتفاق، يقول غطاس إنه "على صعيد الأمن القومي فإنه يقطع الطريق على الأطماع الاقتصادية لتركيا في غاز المتوسط ويحرمها من ادعاءاتها بامتلاك حقوق في المنطقة، فبموجب هذه المزاعم كانت أنقرة تريد السيطرة حتى على عملية تصدير الغاز من دول منتدى غاز المتوسط إلى أوروبا".
وفي ذات السياق، أوضح أن أهمية ترسيم الحدود زادت بعد اكتشافات الغاز المهمة التي شهدتها المنطقة بدءاً بحقول الغاز في المناطق الاقتصادية لإسرائيل وقبرص واليونان، وهو ما فتح شهية تركيا للحصول على حصة في شرق المتوسط للتنقيب عن الغاز لذا عقدت الاتفاقية المعروفة بينها وبين حكومة الوفاق في ليبيا، ومنحت لنفسها حقوقاً ليس فقط للتنقيب عن الغاز في شرق المتوسط، حتى ذهب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للقول بأن كل من يريد التنقيب عن الغاز والنفط في هذه المنطقة عليه أن يحصل أولاً على إذن مسبق من تركيا وهذا أمر يعكس تغطرساً تركياً"، حسب وصفه.
اتفاق اليونان-إيطاليا
يأتي اتفاق مصر واليونان بعد شهرين من توقيع الأخيرة اتفاقاً مع إيطاليا بشأن ترسيم المنطقة الاقتصادية الخالصة بين البلدين في البحر الإيوني، في خطوة أولى أبطلت اتفاق أردوغان-السراج. من جهته، طالب البرلمان الليبي بالانضمام إلى اتفاق اليونان-إيطاليا، باعتباره إطاراً متوسطياً عادلاً لترسيم الحدود بما يحقق الأمن والسلم والاستقرار في حوض البحر المتوسط، بحسب بيان للجنة الدفاع والأمن القومي في البرلمان الليبي في 10 يونيو (حزيران) الماضي.
وفي يناير (كانون الثاني) الماضي رفض البرلمان الليبي التصديق على اتفاق السراج -أردوغان، وقرر إحالة الموقعين على الاتفاقيات البحرية والأمنية مع تركيا إلى القضاء بتهمة الخيانة العظمى. يذكر أنه بموجب "اتفاق الصخيرات" الموقع في ديسمبر (كانون الأول) 2015 برعاية الأمم المتحدة، فإنه يخول لرئيس الحكومة الليبية عقد الاتفاقيات والمعاهدات الدولية شريطة أن تتم المصادقة عليها من قبل مجلس النواب المنتخب.
قانون البحار
ومن الجدير ذكره، أنه إضافة للرفض المحلي، لقي اتفاق أردوغان-السراج رفضاً إقليمياً واسعاً، فضلاً عن رفض أوروبي باعتباره يتنافى مع القانون الدولي للبحار والقوانين الداخلية لليبيا. ويتيح الاتفاق لأنقرة الوصول إلى مناطق واسعة من البحر المتوسط، بما في ذلك جزيرة كريت اليونانية، وهي المناطق التي تؤكد اليونان أنها جزء من مناطق سيادتها البحرية. ورسّم الاتفاق المثير للجدل محوراً بحرياً افتراضياً بين "دالامان" الواقعة على الساحل الجنوبي الغربي لتركيا و"درنة" الموجودة على الساحل الشمالي الشرقي لليبيا بعيداً عن مجال السيطرة الفعلية لـ"حكومة الوفاق"، ومن وجهة نظر أردوغان، يتيح له هذا الخط اعتراض التكتل البحري الناشئ بين قبرص ومصر واليونان وإسرائيل.
كما تزعم أنقرة أن لها الحق في الاستكشاف في المياه القبرصية اليونانية والوصول إلى احتياطات الغاز الطبيعي بالقرب من قبرص، التي تحتل تركيا شطرها الشمالي وتطلق عليه اسم جمهورية شمال قبرص التركية. وللدفاع عن موقفها، نشرت تركيا سفن التنقيب والحفر في المياه القبرصية اليونانية وأرسلت السفن البحرية لمضايقة عمليات الشركات الدولية. غير أنه بعد أشهر من التحذيرات الأوروبية والأميركية لأنقرة والتهديد الأوروبي بفرض عقوبات، تراجعت تركيا وأعلن أردوغان وقف التنقيب عن النفط قبالة سواحل اليونان مؤقتاً حتى يتم التفاوض على تلك القضية.
يذكر أن مصر واليونان ولبنان وقبرص وقعت على اتفاقية الأمم المتحدة لقانون أعالي البحار لعام 1982 (UNCLOS)، والتي تحدد المناطق الاقتصادية الخالصة للدول على أنها تمتد 200 ميل من شواطئها. ومع ذلك، لم توقع تركيا على الاتفاقية الأممية ولا تقبل أحكامها، ومن ثم تجادل بأن قبرص يحق لها فقط الحصول على 12 كم من المنطقة الاقتصادية الخالصة. وخلال المؤتمر الصحافي لوزراء خارجية مصر واليونان، لفتا إلى أن الاتفاق يستند إلى قانون البحار وإلي مبدأ (م ا ح) "المياه الاقتصادية المحققة" لكل دولة، بما يتطابق مع القانون الدولي.
الإخوان 2013
يذكر أنه في عام 2013، أجريت اجتماعات ثلاثية، إذ يقول رئيس منتدى الشرق الأوسط إن "الإخوان سعوا للدفع بتركيا في المحادثات حول ترسيم الحدود المصرية اليونانية، ثم توقفت المفاوضات رغم وجود عدة لجان فنية اجتمعت خمس مرات. ووقعت مصر وقبرص اتفاقاً لترسيم الحدود عام 2004، وهي الاتفاقية التي سعى مجلس الشورى المصري في مارس (آذار) 2013، لإلغائها بناء على مشروع قانون قدمه النائب خالد عبد القادر عودة، القيادي بجماعة الإخوان المسلمين".
وفي هذا الشأن استبعد غطاس أن تقدم تركيا على تصعيد عسكري متهور في منطقة المتوسط رداً على الاتفاق المصري اليوناني، مشيراً إلى أن مصر واليونان "ليسا أكراد سوريا والعراق"، فأردوغان إذا بادر بالصدام العسكري سوف يصطدم بقوة عسكرية ضخمة تردعه إذا تطلب الأمر ذلك. ويضيف "سلوك أردوغان منفلت لكنه في النهاية ينسق إجراءاته المنفلتة مع الجانب الأميركي، فمن دون ضوء أخضر أميركي لن يقدم على شيء، ولا أعتقد أن الولايات المتحدة سوف تسمح بأن تقوم منافسة عسكرية بين دولتين من الناتو".
الدعم الأميركي لتركيا
ولفت غطاس إلى تراجع في الموقف التركي يصحبه مؤشرات على تراجع نسبي للدعم الأميركي للرئيس التركي يتمثل في القرار الأخير لوزارة الخزانة الأميركية بفرض عقوبات على ثلاثة ليبيين استخدموا موانئ تقع تحت سيطرة حكومة الوفاق في طرابلس لتهريب النفط والمخدرات عبر مالطا، كما تتمسك الولايات المتحدة بوقف إطلاق النار في ليبيا، ومؤخراً التقي وفد أميركي قيادات الجيش الوطني الليبي، إذ إن اللقاء في حد ذاته يعني أن واشنطن لا تمنح ضوءاً أخضر مفتوحاً لتركيا في ليبيا.
وفي ذات الشأن، أعلنت وزارة الخزانة الأميركية، الخميس، أن الولايات المتحدة فرضت عقوبات مالية على ثلاثة أفراد وشركة مقرها في مالطا لتهريبهم المخدرات والنفط بطريقة غير شرعية من ميناء زوارة الذي تسيطر عليه حكومة الوفاق. ووفقاً لبيانات صدرت عن وزارتي الخارجية والخزانة الأميركية، فإن العقوبات استهدفت "شبكة من المهربين الذين يسهمون في عدم الاستقرار في ليبيا" وأن "الولايات المتحدة ملتزمة بفضح الشبكات غير المشروعة التي تستغل موارد ليبيا لمصالحها الخاصة في حين تلحق الضرر بالشعب الليبي".
وبحسب البيان الأميركي، فمن بين هؤلاء الأفراد المواطن الليبي فيصل الوادي مشغّل السفينة "مرايا" وشركاؤه مصباح محمد وادي ونور الدين ميلود مصباح، وشركة الوفاق المحدودة ومقرّها مالطا.