إنها الكارثة الكاملة، إذ بات من الممكن الآن أن ينكمش الاقتصاد اللبناني، المكروب بالفعل من قبل الانفجار الذي دمّر ميناءه الرئيسي، بمثلي المعدل المتوقع سابقاً للعام الحالي، مما سيزيد صعوبة تدبير التمويل الذي يحتاجه هذا البلد للوقوف على قدميه من جديد.
ويقول الاقتصاديون إن انفجار الثلاثاء 4 أغسطس (آب) الحالي، الذي ألحق أضراراً بأجزاء كبيرة من المرافق التجارية لبيروت، قد يفضي إلى انكماش الناتج المحلي الإجمالي بحوالي 20 إلى 25 في المئة هذا العام - ليتجاوز بكثير توقعاً حديثاً من صندوق النقد الدولي لتراجع نسبته 12 في المئة بسبب الأزمة الاقتصادية والسياسية المتفاقمة.
إهمال الإدارة
وتشير تقديرات المسؤولين اللبنانيين إلى أن الخسائر الناجمة عن الانفجار، الذي أودى بحياة أكثر من 150 شخصاً وأصاب الآلاف فضلاً عن تشريد عشرات الآلاف، قد تصل إلى مليارات الدولارات.
وكانت أزمة مالية أجبرت لبنان بالفعل على الدخول في مفاوضات مع صندوق النقد في مايو (أيار) الماضي، بعدما تخلف عن سداد ديونه بالعملة الصعبة، لكن تلك المحادثات تعثرت في غياب الإصلاحات.
ويقول المحللون إن الانفجار يسلط الضوء على إهمال الإدارة اللبنانية ويفرض مزيداً من الضغوط على الحكومة للتعجيل بالإصلاحات كي تحصل على المساعدة الضرورية لإعادة بناء الاقتصاد.
شرط الإصلاحات
وعلى الرغم من إبداء التعاطف الواسع مع لبنان هذا الأسبوع، لوحظ غياب أي التزامات بتقديم المساعدة حتى الآن، عدا عن الدعم الإنساني الطارئ.
وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يوم الخميس (6 أغسطس)، بينما كان يتفقد الدمار الذي أصاب مرفأ بيروت، "في حالة عدم تنفيذ إصلاحات، فإن لبنان سيستمر في الغرق".
في غضون ذلك، تبدي دول الخليج العربية، التي لطالما سبق أن مدت يد العون للبنان، عزوفاً عن المساعدة في إنقاذ بلد لـ "حزب الله" المدعوم من إيران نفوذ قوي فيه، علماً أن دولاً عربية من بينها السعودية والكويت والإمارات والبحرين والعراق وتونس وغيرها أرسلت طائرات محمّلة بالمساعدات إلى لبنان.
وقال جيسون توفي، كبير اقتصاديي الأسواق الناشئة في "كابيتال إيكونوميكس"، "من المستبعد للغاية أن يتمكن لبنان من تدبير التمويل الذي يحتاجه للتغلب على مشاكله الاقتصادية العميقة. بعض الشركاء قد يبدون تردداً في تقديم الدعم نظراً إلى الدور المؤثر لحزب الله المدعوم من إيران داخل الحكومة اللبنانية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الضغط على الليرة
وكانت الأزمة المالية اللبنانية بلغت مرحلة حرجة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، في ظل تباطؤ تدفق رؤوس الأموال واندلاع احتجاجات ضد الفساد وسوء الإدارة، بينما حدت أزمة في العملة الصعبة، بالبنوك فرض قيود صارمة على سحب السيولة وتحويل الأموال إلى الخارج.
وجدد الانفجار الضغط على الليرة اللبنانية، التي جرى تداولها عند نحو 8300 ليرة للدولار الأميركي الواحد في السوق السوداء عقب الانفجار، مقارنة مع ثمانية آلاف قبله، حسبما قال متعاملون.
ويتوقع الاقتصاديون مزيداً من التآكل في القوة الشرائية للعملة، التي فقدت نحو 80 في المئة من قيمتها منذ أكتوبر 2019 وسط تضخم فلكي يتجاوز 56 في المئة، من شأنه أن يؤجج التوترات الاجتماعية.
ويقول الاقتصاديون إن الإصلاحات الأشد إلحاحاً التي يجب تطبيقها لاستئناف المحادثات مع صندوق النقد تشمل معالجة عجز الميزانية الجامح وتنامي الديون والفساد المزمن.
وقال باترك كوران، كبير الاقتصاديين بشركة "تِليمر للأبحاث" في بريطانيا، "نرى أن الانفجار قد يؤخر عملية الإصلاح في ظل محاولة الحكومة التنصل من المسؤولية، مما سيؤدي إلى تآكل رأس المال السياسي الضروري لإجراء إصلاحات صعبة لكن الحاجة إليها تشتد".
ويقول رجال أعمال واقتصاديون إن ميناء بيروت - أحد أكبر موانئ شرق المتوسط والذي تتوجه 40 في المئة من شحناته العابرة إلى سوريا ومنطقة الشرق الأوسط - فقدَ بالفعل إيرادات وأعمالاً منذ الانفجار لصالح موانئ منافسة مع قيام شركات النقل البحري بتحويل اتجاه شحنات.
كعب أخيل
وقال الوزير الأردني السابق جواد العناني، الاستشاري الاقتصادي الإقليمي، "اتضح أن الميناء هو نقطة ضعف لبنان... الاعتماد عليه كان أكبر مما ينبغي، لذا عندما لحقه الدمار اتضح أنه كان كعب أخيل".
ولن تفضي التوترات السياسية المتصاعدة منذ الانفجار إلا إلى مزيد من التدهور وتعقد جهود تسريع الإصلاحات، مما يدفع البلد صوب مستقبل مجهول.
ويقول كمال حمدان، مدير مؤسسة البحوث والاستشارات في بيروت، إن "النظرة المستقبلية تبعث على الاكتئاب في ظل الصراعات الدائرة بين طبقة سياسية غير متوافقة على سبيل للخروج من الأزمة وغير مستعدة لتناول الدواء المر".