تصاعد قلق المنظمات البيئية في موريتانيا بعد نفوق أسماك ضخمة على الشواطئ الموريتانية خلال الأسبوعين الماضيين. إذ سجلت مصالح وزارة الصيد والاقتصاد البحري في العاصمة الاقتصادية نواذيبو (470 شمال موريتانيا) نفوق سمكة قرش، يُقدر وزنها بـ 2 طن ويبلغ طولها 8 أمتار.
لكن هذا الحادث لم يكن هو الوحيد خلال النصف الأول من مارس (آذار) الحالي. إذ شهدت شواطئ المحيط الأطلسي المطلة على مدينة كرمسين، جنوب البلاد، نفوق حيتان كبيرة أخرى. وقبل ذلك بفترة قذف المحيط الأطلسي العشرات من الدلافين إلى الشاطئ.
وأعادت هذه الحوادث إلى الأذهان المخاوف المتكررة، التي كان المدافعون عن البيئة يكررونها في وسائل إعلام محلية، عن مخاطر الصيد الجائر واحتمال أن تكون لحالات النفوق علاقة بعمليات التنقيب عن الغاز في أعماق المحيط الأطلسي.
الخطر المحدق
يرى سيد محمد الطالب أعلي، رئيس جمعية النهوض لحماية البيئة، أن "تكرار حالات نفوق الحيوانات البحرية سبب قلقاً لدى المنظمات العاملة في مجال البيئة لاحتمال ارتباطه بعمليات التنقيب في المحيط الأطلسي".
ويعتبر الطالب أعلي أن "نفوق الحيتان أمر شائع في موريتانيا. ووفق المتابعة التي يقوم بها المعهد الموريتاني لبحوث المحيطات والصيد هناك العشرات من الحالات سنوياً".
ويوجه رئيس جمعية النهوض أصابع الاتهام إلى العاملين في الصيد الصناعي، إذ إن "الأسباب المثبتة لبعض حالات نفوق الحيتان تعود إلى حوادث الصيد التي يمكن مشاهدة آثارها".
إلا أن الطالب أعلي لا يُبرئ الشركات العالمية العاملة في عمليات التنقيب عن الغاز، التي تنشط قبالة السواحل الموريتانية. ويرى أنه "علمياً تستخدم هذه الشركات تقنيات مغناطيسية من طريق قنابل صوتية ارتدادية، تؤثر سلباً في تواصل الثدييات في ما بينها، لأنها قد تؤثر في مساراتها وتُسبب ضياعها، إلا أنه لم يثبت بعد أنها تسبب نفوق هذه الحيوانات".
لائحة بيضاء ولكن...
بالتزامن مع انشغال الرأي العام الموريتاني بقضية نفوق الحيوانات البحرية على شواطئ البلاد، قدم وزير الصيد والاقتصاد البحري الموريتاني السيد يحي ولد عبد الدائم بياناً إلى مجلس الوزراء، في آخر جلسة له، حول السياسة العامة لقطاع الصيد.
وأشار الوزير في بيانه إلى أنه "حصل اهتمام كبير بالشؤون البحرية طاول القضايا المتعلقة بحماية البيئة البحرية وأمن البحر وسلامته، وقد صُنفت الموانئ الموريتانية اليوم على اللائحة البيضاء، التي تصدرها سنوياً الولايات المتحدة الأميركية وذلك لاستجابتها المعايير الدولية".
ولم يتطرق بيان الوزير إلى حالات النفوق الأخيرة التي سجلت فى موريتانيا.
وعلى الرغم من إنشاء هيئات للرقابة البحرية في موريتانيا منذ سنوات واستحداث خفر سواحل ينشطون في مراقبة المياه الإقليمية الموريتانية، إلا أن المتابعين للشأن البيئي البحري يرون أن نقص الأدوات الحديثة للفرق الموريتانية يحول دون مراقبة الصيد الجائر الذي تعتمده بعض الشركات الأجنبية المسموح لها بالصيد في المياه الموريتانية.
ويدعو المهندس سيد الخير، وهو باحث في الجمعية الموريتانية لحماية المستهلك وسلامة البيئة، إلى "إعادة النظر في دراسة تقييم الأثر البيئي التي قامت بها إحدى شركات التنقيب، لأنها أغفلت الشعاب المرجانية في المنطقة وتجاهلت الكثير من الحقائق. إذ يجب أن تعتمد موريتانيا على خبرات لمساعدتها في تقييم المخاطر بشكل أفضل وإعداد خطة واضحة للاستجابة للكوارث".
منظمات تستنجد
قبل العثور على الحيوانات البحرية النافقة بأسابيع، وجهت منظمات موريتانية مهتمة بالبيئة والسلامة، نداءات إلى الشركات العاملة في التنقيب في السواحل الموريتانية لإثارة قضية الخطر البيئي الذي يهدد الشواطئ الموريتانية.
وخصت المنظمات شركة "بريتيش بيتروليوم"، العاملة في المياه الإقليمية الموريتانية برسائلها، وحذرتها من خطر البنية التحتية للشركة على الشُعب المرجانية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ونبهت المنظمات إلى "خطورة التدهور العميق في هذه المنطقة البحرية البيئية بالنظر إلى عمليات الصيد غير المستدام، وزحف التحضُر إلى المناطق الشاطئية والتغيرات المناخية".
وأشارت إلى أن تقييم الشركات الأثر البيئي والاجتماعي لا يعالج في شكل مناسب الآثار التراكمية للمشروع في سياق عوامل الإجهاد البيئي المذكورة، وفق البيان.
ويؤكد المهندس سيد الخير على تعرض البيئة البحرية الموريتانية "لتعديات كثيرة من أهمها الصيد بالشبك الجارف العميق والذي يقضي على الشعاب المرجانية وقد حذر مراكز عدة من خطره ".
ليست المرة الأولى
حالات نفوق الحيوانات البحرية التي شهدتها موريتانيا أخيراً، ليست الوحيدة التي عرفتها شواطئ البلاد، التي تملك أحد أطول الشواطئ الأفريقية، إذ يمتد على مسافة تقدر بـ 750 كلم.
ووفق عبد الباقي العربي، وهو صاحب صفحة في "فيسبوك" مهتمة بتاريخ نواذيبو القديم، "شهدت شواطئ المدينة نفوق حوت عظيم في منتصف ثمانينيات القرن الماضي، وتسبب هيكل الحوت في انقلاب سفينة نقل كانت تحمل شحنة موز، ما تسبب في قذف حمولتها إلى شاطئ المدينة".
ويعمل المعهد الموريتاني لبحوث المحيطات والصيد IMROP منذ العام 2012 على برنامج خاص لمتابعة نفوق الكائنات البحرية على الشاطئ الموريتاني، وذلك بالتعاون مع بعض الهيئات المهتمة بالبيئة البحرية، ورُصد أكثر من 40 حالة نفوق منذ بداية المشروع.
وتوصي الجمعية الموريتانية لحماية المستهلك وسلامة البيئة السلطات الموريتانية بإعادة النظر في بنود الاتفاق بينها وبين هذه الشركات العاملة في مجال استخراج الغاز المتعلقة بالبيئة، وتؤكد على رسالة واحدة بشكل واضح وقوي "الغاز مورد نابض ويجب ألا يسبب فناء ثروة مستدامة".