أعلن فرع "جماعة الإخوان المسلمين" في مدينة الزاوية الليبية، غرب العاصمة طرابلس، عن استقالة جماعية لأعضائه من الجماعة العامة في ليبيا، في خطوة اعتُبرت مفاجِئَةً، ونظر إليها الكثيرون في البلاد بعين الشك، وتعاملوا معها بحذر، بسبب تجارب سابقة مُماثلة لأعضاء فاعلين في الحزب، استقالوا على الورق، وظلوا أوفياء لأجنداته السياسية حتى هذه اللحظة.
اللافت في هذه الاستقالة الجديدة أنها المرَّة الأولى التي تصدر بصفة جماعية، بأحد الفروع الهامَّة لحزب الإخوان في ليبيا، كون مدينة الزاوية هي أحد أضلاع المثلث الكبير، لنشاطات تيارات الإسلام السياسي في البلاد، مع مصراتة وطرابلس.
أسباب الاستقالة
قالت الجماعة في بيان الاستقالة الذي صدر الخميس 13 أغسطس (آب)، إن قراره اتُّخذ بسبب "تجاذُبات واصطفافات وتصنيفات وحرب على الوطن والمواطن، وسعي الانقلابيين لعسكرة الدولة، تحت اسم مُحاربة "الإخوان المسلمين"، والحرب على الإرهاب، وما الحرب على طرابلس منَّا ببعيد".
أضاف البيان "استجابةً لنداء كثير من المخلصين من أبناء الوطن، بشأن عدم ترك فرصة لمن يتربَّص بنا كشعب، أراد الحرية وإقامة دولة مدنية، يعيش فيها المواطن مُتمتعاً بحق المُواطنة، أياً كان توجُّهه الفكري، أو انتماؤه السياسي، فإن جماعة الإخوان المسلمين قامت بمراجعات بهذا الخصوص، وبناءً على ذلك قرَّرت إحداث تغيير في وجودها، يغلب المصلحة العُليا للوطن والمواطن".
تابع "بسبب المُماطلة والتأخير المستمر في تطبيق القرار، فقد قرَّرنا نحن أبناء مدينة الزاوية، الذين كنا ننتمي لجماعة الإخوان المسلمين الليبية، الاستقالة الجماعية من جماعة الإخوان المسلمين الليبية، وبهذا يُعتبر فرع الجماعة بمدينة الزاوية مُنحلاً اعتباراً من هذا التاريخ".
سابقة تُثير الشك
سبقت تلك الاستقالة الجماعية خطواتٌ مُماثلة على الصعيد الفردي لأعضاء في الحزب، استقالوا فجأةً من عضويته في السنوات الماضية، وأشهر هذه الحالات: استقالة رئيس مجلس الدولة الحالي خالد المشري، في يناير (كانون الثاني) 2019 من الحزب من دون حدوث تغيير ملحوظ في توجُّهاته الفكرية وسلوكه السياسي، وكل الأعضاء المُستقيلين في السنوات الماضية، بحسب اتهامات مُعارضين لجماعتهم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كان المشري قد قال في بيان استقالته في ذلك الوقت "إنه انطلاقاً من المُقتضيات الوطنية الفكرية والسياسية، أُعلن استقالتي وانسحابي من جماعة الإخوان المسلمين، مع استمراري في العمل السياسي والحزبي، والاحتفاظ بكل الود والاحترام لكل أعضاء الجماعة، على أمل أن تجد المراجعات طريقها إلى التنفيذ، لما أرى أنها تنطوي عليه من مصالح عليا لهذا البلد"، داعياً إلى "العمل مع أبناء ليبيا كافَّةً، بعيداً عن أي شعارات أو أسماء قد تُستخدم لضرب وحدة وتماسُك المجتمع، والاندماج في العمل الوطني".
تغيير حقيقي أم "تقية"؟
اعتبر كثير من الأوساط المُعارضة لفكر جماعة الإخوان في ليبيا وسياساتها، هذه الاستقالات المُفاجئة، نوعاً من الالتفاف الذي تتخذه الجماعة في المراحل الحرجة التي تمر بها، لإعادة التنظيم والتَّموقُع، إذ رأى الأكاديمي الليبي عقيلة دلهوم أن "إعلان جماعة الإخوان بمدينة الزاوية حل حزبهم وتقديم استقالاتهم الجماعية، يأتي في سياق سلوك الإخوان المُعتاد، والمعروف بالتقية ضمن مناهجهم، منذ تأسس التنظيم على يد حسن البنا".
وقال في منشور مُطوَّل على حسابه الخاص على "فيسبوك": "مع إعلان بعض من أبناء مدينة الزاوية، استقالتهم من حزب الإخوان، ومع سعادتنا بهذا القرار المُفاجئ، لكن السؤال يظل يطرح نفسه من جديد، هل هي التوبة من أجل إحداث تغيير حقيقي في أفكار هؤلاء المُعتزلين، أم إنها تكرار جماعي لمحاولة (المشري)، غايتها الالتفاف والتلون الباهت، أمام عُزلة جماعة الإخوان في ليبيا؟".
إشادة من الداخل
ما أثار استغراب الكثيرين وعزَّز شكوكهم حول الهدف الحقيقي من وراء خطوة الاستقالة الجماعية لـ"إخوان الزاوية" هو الإشادة والترحيب اللذان حظيت بهما من كثيرين في التنظيم والجماعة بليبيا، حيث وصف عضوها "المستقيل أخيراً" محمد غميم، هذه الخطوة بـ"الشجاعة"، داعياً باقي أعضاء الجماعة في المدن الليبية كافَّةً "للاقتداء بهذا الموقف الوطني، المُنطلق من فهم صحيح للواقع الليبي، فالبلد يسع الجميع من دون الحاجة إلى تنظيمات ضيقة، ما عليها أكثر مما لها"، مبيِّناً أن هناك معارضة من أعضاء الجماعة خارج ليبيا، لهذه الاستقالات الفردية والجماعية، بقوله "أما إخوان ليبيا في الخارج، الرافضون لحل الجماعة مثل رفضهم العودة إلى البلاد، فدعوهم لشعاراتهم التي يرفعونها من مقر إقامتهم مع أسرهم، في عواصم الدول الأجنبية".
إعادة تدوير
"ما هي إلا محاولة لإعادة التدوير"، هكذا وصف الباحث والأكاديمي الليبي، محمد العنيزي، الاستقالات المُتتابعة الجماعية والفردية لأعضاء حزب و"جماعة الإخوان المسلمين" في ليبيا.
تابع قائلاً لـ"اندبندنت عربية"، "هذا النهج في تغيير الجلد وإعادة تدوير الأعضاء، عهدناه من إخوان ليبيا منذ عام 2012، مع أول انتخابات ليبية بعد الثورة، حينما أقدم أعضاء في الجماعة على هذه الخطوة، لمعرفتهم بضعف شعبية تنظيمهم وجماعتهم في الشارع، ونجحوا في هذه الخدعة وقتها، حتى فُوجئ جميع من في ليبيا بأغلبيتهم في البرلمان، التي اكتسبوها من مرشحيهم عبر القوائم الفردية، على الرغم من اكتساح حزب محمود جبريل، من التيار المدني للقوائم الحزبية، بفارق شاسع".
أضاف "في انتخابات البرلمان الحالي عام 2014، اكتشف الشارع الخدعة وخسر التيار الإسلامي السباق الانتخابي بشكل مُدوٍّ، ما دفعه إلى عرقلة المسار الديمقراطي ورفض نتائج الصندوق، والذهاب بنا إلى التعقيد الذي نُعانيه، حتى يومنا هذا"، مُعتبراً أن "ما تقوم به الجماعة اليوم، من محاولات لإقناع الشارع الليبي بقيامها بمراجعات عميقة، ما هو إلا خطوة استباقية لأي رهان انتخابي مُقبل يبدو أنها بدأت تتلمَّس وقوعه في وقت قريب، عبر ما يُطرح من الخارج كحلول للأزمة الليبية".
وتستند مصادر ليبية أخرى للسلوكيات التي قامت عليها "جماعة الإخوان المسلمين" في ليبيا وخارجها، للتشكك في أغراض الاستقالات بفرعها الليبي، إذ تقول إن انتماء أعضائها لها ليس انتماءً وظيفياً، بل هو انتماء فكري وأيديولوجي، وبالتالي لا تُعتبر الاستقالة هنا فك ارتباط حقيقي بينهم وبينها، كون "البيعة هي أساس الانتماء لجماعة الإخوان، وليس التدرُّج الوظيفي الذي تُنهيه الاستقالة، لأن المُستقيل لم ينضم له بالتعيين، بل بالبيعة والولاء".