نشأت على هامش الأزمة الاقتصادية في سوريا، مشاريع فردية بالغة الصغر لشباب جامعيين أو خرجين جدد، أو مشاريع صغيرة ومتوسطة لرواد أعمال حاولوا من خلال ما يتقنوه من مهارات تحويل هواياتهم البسيطة إلى عمل فعلي منتج.
وقد استطاع بعض الرواد الحصول على مساحة عمل وتسويق جيدين، بعد توقف عمل المصانع الكبرى التي كانت ترفد السوق، وتراجع سوق الحرف اليدوية الكبرى كالفخار والمنسوجات اليدوية والنحاسيات وغيرها من الأعمال اليدوية، التي كانت توفر السياحة النشطة في السابق سوق تصريف رئيسة لها.
الأمر الذي فتح المجال لانتشار صناعات يدوية منزلية ورواج أفكار قديمة برؤية جديدة كصناعة الصابون الطبيعي والكريمات والشموع والإكسسوار والحلويات وغيرها، حيث حوّل أصحابها منازلهم إلى معامل صغيرة وبعضها انتقل بعد مدة إلى ورش صغيرة متخصصة.
الصابون العلاجي
اتجه في الآونة الأخيرة كثير من النساء إلى البحث عن المنتجات والمواد الطبيعية، بخاصة في ظل الحصار الاقتصادي وصعوبة الحصول على المنتجات التجميلية العالمية وعدم الوثوق بمصدرها، فنشأت على أثر هذه الحاجة مشروعات فردية عدة، قدم مؤسسوها منتجات طبيعية بجودة ونتائج جيدة. تتحدث إلهام وهي صاحبة مشروع خاص لإنتاج الصابون العلاجي عن مشروعها، قائلة إنها تنتج الصابون والكريمات العلاجية والزيوت الطبيعية مستفيدة من خبرتها وخبرة عائلتها بعالم الأعشاب وأسرار وفوائد المواد الطبيعية، مشيرة إلى أنها تجرب فاعلية خلطاتها على مدار شهر إلى شهرين، وبعد التأكد منها وتثبيت صحة نتائجها تبدأ عملية طرحها والترويج لها، كبديل عن الكريمات المستوردة. وتؤكد أن منتجاتها مصنوعة من مواد طبيعية مئة في المئة ولا تأثيرات جانبية لها.
تنتج إلهام أنواعاً عدة من الصابون الطبيعي، الذي يدخل في تركيبه أعشاب طبيعية وزيوت، مثل صابون الألوفيرا الذي تضيف إليه إلى جانب الألوفيرا الطبية، الكولاجين وماء الورد، وكذلك صابون اللافندر وصابون القهوة مع العسل وصابون إكليل الجبل (روز ماري). كما تستخدم في صناعة الكريمات الطبيعية العلاجية للبشرة، مواد وزيوتاً مرطبة كزيت الغار والنعنع وجوز الهند وفيتامينات كفيتامين E وغيرها. وتقول إن لكل نوع منها فائدة مجربة كإزالة البقع والتصبغات والهالات السوداء والترطيب والتغذية.
أما زينة، صاحبة مشروع مماثل، فتقول إنها إلى جانب الاهتمام بجودة منتجاتها وفاعليتها، كانت تحاول منذ البداية الخروج بأشكال وقوالب غير مألوفة، ومع الوقت طوّرت أسلوب التغليف والتعبئة حتى بدأت ترتبط منتجاتها بمناسبات اجتماعية كأعياد المعلم والأم والميلاد وحفلات الزفاف.
الشموع العطرية
بدأت الفكرة من رمزية الشموع وما يرتبط بها من طاقة إيجابية، وما تحمله من مشاعر سلام ومحبة وسكينة لبلد في أمس الحاجة لهذه المفاهيم التي افتقدها خلال الحرب، فنشأت مشاريع فردية صغيرة لصناعة الشموع من المنزل.
تقول كلير، التي تعمل في هذه الصناعة، إن الهدف الأوليّ منها الاستقلال المادي وتأمين احتياجاتها اليومية والدراسية التي أصبحت تشكل عبءاً في زمن التضخم وارتفاع الأسعار، بالإضافة إلى أن المشروع وفر لها مساحة لتحقيق ذاتها وعكس أفكارها الفنية ومهاراتها. إذ يتطلب هذا النوع من الصناعات دقة وإبداعاً في تحويل المادة السائلة إلى مجسمات واختيار اللون والشكل وتوظيفهما، والتفنن في إدخال العناصر التزينية من شرائط ملونة وورود ورسومات وعناصر طبيعية وإخراجها بتشكيلات جذابة وقوالب غير معتادة، حتى أن بعض التشكيلات تتطلب مهارة في النحت والإخراج الفني. وهذا ما دفع جانيت (خريجة فنون جميلة) للخوض في هذا المشروع الذي ساعدها في توظيف دراستها ومهاراتها في اختيار تدرجات الألوان ومراعاة تأثيرها النفسي، والانتقاء في اختيار المعطرات المناسبة لكل تشكيل. وتقول إن هدفها الأول كان تحسين دخل أسرتها، لكن المشروع تطور بشكل غير متوقع وتحول إلى مهنة، تطلبت منها في ما بعد إنشاء ورشة صغيرة متخصصة.
فرنكات ذهبية
بعض المشاريع سُوّقت بشكل مدروس وتطورت بشكل كبير وذاعت شهرتها خارج سوريا، كمشروع "فرنكات" الذي انطلق عام 2015، من فكرة استخدمت فيها صاحبته حنان مشعل عملة الفرنك السوري في صناعة الإكسسوار، حيث كانت البداية من ظهور الحاجة لتصميم هدايا تذكارية ترافق السوريين المسافرين خارج سوريا لتذكرهم بتراث بلدهم وتاريخه، وحكايات وذكريات الآباء والأجداد المرتبطة بهذه العملة، بخاصة أن المسافر سيتوقف عن استخدام عملة بلده في الخارج.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تُعرّف حنان مشروعها الذي بدأ بمجهود فردي وعمل يدوي شخصي، كمشروع صغير لإحياء العملة القديمة غير المتداولة. وتقول "بدأ المشروع يموّل نفسه بشكل تدريجي من مبيعاته، إلى أن أدخلت عليه تطويرات عدة من طلي الفرنكات بماء الذهب، إلى إضافة عناصر تزينية والاهتمام بالتفاصيل الدقيقة وطريقة التغليف، ثم استخدام رموز سوريا التاريخية من ياسمينها وسيفها الدمشقي وأسماء مدنها الكبرى".
الفكرة لاقت رواجاً كبيراً في الأوساط العامة بين الإعلاميين والفنانين، مما جعلها تتحول من مشروع محلي فردي إلى براند رائج على مستوى عربي.
كان السوريون، خلال الحرب، يواصلون أعمالهم وخططهم المستقبلية تحت ظروف متردية، باحثين عن أفكار جديدة تتناسب مع الواقع السيء الذي فُرض عليهم، ولو اضطروا أحياناً إلى تغيير بعض مشاريعهم وتأجيل بعضها الآخر، مرددين في كل حين قول محمود درويش: "في دمشق… نمشي إلى غدنا واثقين من الشمس في أمسنا، نحن والأَبدية، سكان هذا البلد!".