يبدو أن حروباً جديدة تلوح في الأفق، فبخلاف الحروب التجارية والجمركية القائمة منذ قرابة العامين، بدت في الأفق حرب من نوع جديد تتعلق بفيروس كورونا الذي شغل العالم منذ بداية 2020.
وتسبب الفيروس القاتل في صراع بين أكبر شركات أدوية في العالم، وتدخلت الحكومات في هذا الصراع، وعلى نفس الخط بدأ رجال أعمال يزاحمون في هذه السوق للفوز بإنتاج أول لقاح لفيروس كورونا طمعاً في حصد مليارات ضخمة من المكاسب التي من المتوقع أن يجنيها أول من يعلن إنتاج هذا اللقاح.
قبل أيام، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أن بلاده طورت أول لقاح ضد فيروس كورونا، مع الإشارة إلى أن ابنته تناولت هذا اللقاح الذي حمل اسم "سبوتنيك في".
وأضاف "على الرغم من أنني أعلم أنه يعمل بشكل فعال، فإنه يشكل مناعة مستقرة، وأكرر أنه اجتاز جميع المراجعات اللازمة". وأوضح أن إحدى بناته طُعمت ضد فيروس كورونا، قائلاً "بهذا المعنى، شاركت في التجربة".
وفي نهاية يوليو (تموز) الماضي، قالت منظمة الصحة العالمية، إن "هناك 26 لقاحاً مرشحاً في مرحلة التقييم السريري بما في ذلك اللقاح المسجل في روسيا والذي طوره معهد الجمالية للأبحاث العلمية للأوبئة وعلم الأحياء الدقيقة".
واللقاح الروسي الذي طوره معهد أبحاث "غاماليا" ووزارة الدفاع الروسية، واحد من بين 28 لقاحاً بلغت المرحلة الثالثة، لكن منظمة الصحة العالمية تدرجه في المرحلة الأولى.
وقالت المنظمة في بيان، إنها "على اتصال بالعلماء الروس والسلطات الروسية وتتطلع إلى مراجعة تفاصيل التجارب"، مضيفة أنها "ترحب بجميع التطورات في الأبحاث الجارية على اللقاحات المضادة لكوفيد 19 وفي مجال تطوير اللقاحات".
طبيب روسي يكشف حقيقة اللقاح
وخلال الساعات الماضية، قدم طبيب روسي بارز في مجال الجهاز التنفسي استقالته، بسبب ما قال إنها "انتهاكات جسمية" لأخلاقيات مهنة الطب، رافقت ما وصفه بـ"الإعلان المستعجل" عن لقاح فيروس كورونا، الذي أعلن عنه الرئيس فلاديمير بوتين قبل أيام.
ووفق وسائل إعلام بريطانية، فإن البروفيسور ألكسندر تشوتشالين أنهى عمله في مجلس أخلاقيات وزارة الصحة الروسية، بعد ما شن هجوماً شرساً على لقاح "سبوتنيك في" الجديد ومبتكريه. حيث سمح الرئيس الروسي بإقرار المصل قبل أن يحصل على موافقة الهيئة التي يعمل فيها البروفيسور تشوتشالين.
واتهم تشوتشالين اثنين من الأطباء البارزين المشاركين في تطوير لقاح كورونا بأنهما وضعا أخلاقيات الطب جانباً، عبر تسريح إنتاجه. وقال إن الطبيبين هما مدير مركز أبحاث غماليا لعلم الأوبئة وعلم الأحياء الدقيقة، إلكسندر غينسبرغ، وكبير علماء الفيروسات في الجيش الروسي، سيرغي بوريسيفيتش.
وأضاف تشوتشالين أنه سألهما "هل اجتزتم جميع المسارات اللازمة التي تفرضها جهات التشريع العملية الروسية والدولية؟ وكانت الإجابة: لا". ورأى أن المهمة لم تنجز على النحو المطلوب، وبالتالي، فقد انتُهك أحد المبادئ الأخلاقية للطب بشكل صارخ، أي التأكد من خلو اللقاح من أي أضرار جانبية. وتابع "أشعر بالإحباط من موقف بعض علمائنا الذين يدلون بتصريحات غير مسؤولة عن اللقاحات الجاهزة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكان الطبيب الروسي قد حذر خلال مقابلة سابقة مع مجلة علمية "من أنه في حال إقرار أي لقاح أو دواء، فإننا كمراجعين أخلاقيين، نحاول أن نحدد مدى أمانها على البشر". وشدد على أن السلامة تأتي دائماً في المقام الأول. وقال إن "العقاقير التي تنتج هذه الأيام لم تجرب على البشر من قبل، ولا يمكن التنبؤ بالكيفية التي سيتعاطى بها الجسم مع الدواء".
وأضاف تشوتشالين، الذي أنشأ معهد الأبحاث الروسي لأمراض الرئة، أنه من المستحيل تحديد الأعراض الجانبية على الإنسان من دون الموازنة بين الحقائق العلمية كلها. لذلك، فإن المهمة الأولى للمجلس الأخلاقي هي استخراج البيانات العلمية، بناء على ما يعرف بـ"الطب القائم على الأدلة"، لمعرفة ما إذا كان العقار لن يضر شخصاً ما. ورأى أن المشكلة في بعض الأدوية والعقاقير هي أن المواد البيولوجية لا تظهر على الفور، بل يستغرق الأمر عاماً أو عامين.
روسيا ترفض التشكيك
في المقابل، رفضت روسيا الانتقادات والشكوك الدولية تجاه لقاح فيروس كورونا، مع التأكيد على أن هذا العقار آمن وناجح في علاج المصابين بالوباء.
وقال وزير الصحة الروسي، ميخائيل موراشكو، إن المزاعم بأن اللقاح غير آمن لا أساس لها من الصحة وتحركها المنافسة. بينما أشار الرئيس التنفيذي لصندوق الثروة الروسي السيادي، كيريل ديميترييف، إلى أن انتقاد اللقاح من جانب الغرب وخاصةً الولايات المتحدة كان متحيزاً.
وأشار إلى أن هذا الإعلان تسبب في انقسام العالم حقاً إلى بعض الدول التي تعتقد أنها أخبار رائعة وإلى بعض وسائل الإعلام الأميركية وبعض الأشخاص الأميركيين الذين شنوا بالفعل حرباً إعلامية على اللقاح الروسي.
وتابع "لم نكن نتوقع شيئاً آخر، ولا نحاول إقناع الولايات المتحدة.. لدينا هذه التكنولوجيا ويمكن أن تكون متاحة في بلدك خلال نوفمبر (تشرين الثاني) أو ديسمبر (كانون الأول) إذا كانت تتماشى مع القواعد التنظيمية في بلدك... لكن المتشككين لن يحصلوا على هذا اللقاح".
في ذات السياق، تدخلت الولايات المتحدة الأميركية التي تنافس في سوق اللقاح، حيث اتهمت الحكومات الأميركية والكندية والبريطانية قراصنة روسيا بمحاولة سرقة أبحاث اللقاحات. لتواجه هذه الاتهامات بنفي روسي قطعي، مقابل توالي التأكيدات على أن لقاحهم مبني على تصميم طوره علماء روس منذ سنوات لمواجهة فيروس إيبولا.