وُجّهت اتهامات لوزراء بريطانيين بمحاولة التكتّم على نتائج التحقيقات في وفاة مئات العاملين في قطاع الصحة والرعاية الاجتماعية، المرتبطة بفيروس كورونا، بعد أن تبيّن أنه لن يُعلن عنها.
وكانت "اندبندنت" قد كشفت يوم الثلاثاء أنّ الوزراء طلبوا من الأطباء الشرعيين في إنجلترا، وويلز التحقيق في أكثر من 620 حالة وفاة وقعت خلال فترة الجائحة لعاملين في الخطوط الأمامية.
وسوف ينظر كبار الأطباء في الظروف والأسباب الطبية التي أدت إلى كل وفاة، ويحاولون التأكد من احتمال التقاط هؤلاء الأشخاص الفيروس أثناء تأدية مهامهم.
لكن وزارة الصحة والرعاية الاجتماعية، صرّحت الآن أنّ نتائج التحقيقات ستظلّ سرية بهدف مساعدة المستشفيات المحلية على التعلّم، وتعزيز حماية موظفيها.
أثار الإعلان انتقادات من كافة الأطراف على الساحة السياسية ودعوات من حزبي العمّال، والديمقراطيين الأحرار للمزيد من الشفافية، وتحذيرات من "التستّر" على أي نتائج.
على صعيد منفصل، حثّت الاتحادات العمالية، والجهاز الذي يمثّل مستشفيات هيئة الخدمات الطبية الوطنية، الحكومة على ضمان إجراء تحقيقات شاملة في كل حالة وفاة، والتعامل بشفافية مع نتائج التحقيقات من أجل طمأنة العاملين في قطاعي الصحة والرعاية الاجتماعية، قبل وقوع أي موجة ثانية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال الزعيم المؤقت للديمقراطيين الأحرار السير إد دايفي "عدد وفيات العاملين في قطاعي الصحة والرعاية الاجتماعيةة عندنا هو حالياً بين الأعلى في أوروبا. وفشلت الحكومة فشلاً ذريعاً في حماية العاملين في المستشفيات ودور الرعاية. ومجرّد محاولتها طمس أسباب وطريقة وقوع كل وفاة مأساوية أمرٌ مخزٍ".
"وهذا سبب إضافي من أجل إجراء تحقيق فوري ومستقلّ في أزمة فيروس كورونا".
من جانبه، قال جاستن مادرز، وزير الصحة في حكومة الظل عن حزب العمّال "نظراً لأنّ المملكة المتحدة لديها أعلى نسبة وفيات للعاملين في الرعاية الصحية بسبب كوفيد-19 في العالم، من المهم أن يكون أي تحقيق شفافاً بالكامل".
"يجب أن تتصدّر المساءلة أي تحقيق. إن الحكومة تدين للعائلات الذين فقدوا عزيزاً أثناء قيامه بواجبه بالصراحة التامة حيال ما حدث، وإثبات استخلاصها للدروس. لا يمكن السماح لهم بالتستر على هذه المسألة".
وحين يحكم الطبيب الشرعي أنّ أحد العاملين قد توفّى بسبب التقاطه الفيروس في مكان عمله، سوف يؤدي هذا الاكتشاف إلى رفع تقرير من الهيئة إلى مديرية الصحة والسلامة- التي يمكنها أن تجري تحقيقها الخاص في الطريقة التي اعتمدتها المستشفى لضمان حماية موظفيها.
كما ستُحال الوفيات إلى محققين طبيين قد يُجرون بدورهم تحقيقاتهم الخاصة.
وسوف يُفرَض على الأطباء الشرعيين، استشارة عائلات العاملين المتوفّين، وأخذ مخاوفهم مهما كانت بعين الاعتبار.
قالت وزارة الصحة والرعاية الاجتماعية، إنّ سلامة الموظفين "بالغة الأهمية" مضيفةً، "إن أرباب العمل ملزَمون بالفعل قانونياً بإعلام مديرية الصحة والسلامة بوفاة العاملين، الذين خسروا حياتهم بسبب تعرضهم لفيروس كورونا في إطار عملهم. لن يقرر الأطباء الشرعيون أي حالات وفاة يجب رفعها إلى المديرية، لكنهم سيساعدون على ضمان عدم إغفال أي حالة".
يُرتقَب أن يُرفع إلى الطبيب الشرعي الوطني والاستشاري في طبّ الطوارئ، الدكتور آلان فليتشر ملخصٌ عن كل حالة وسيراجع النتائج.
لكن وزارة الصحة والرعاية الاجتماعية، قالت إن العملية تهدف إلى دعم مسار التعلّم المحلي، ولن تصدر النتائج في العلن.
وناشدت ميريام ديكن، مديرة السياسة والاستراتيجية في هيئة الخدمات الصحية الوطنية، الحكومة أن تُعتمَد مقاربة صريحة وقالت "نحن ندعم انتهاج مقاربة شفّافة بقدر الإمكان، تسهم في ضمان تحلّي الموظفين بالثقة، فيما يؤدون عملهم في علاج المرضى والاعتناء بهم".
وأضافت "نرحّب بأي تحقيق يعلّمنا المزيد عن وقع الفيروس الذي أزهق أرواح زملاء وأصدقاء كثر".
"إن سلامة المرضى والموظفين هي أولوية قصوى، لذا من المهم أن يتم تشارك الدروس وتطبيقها حيث وُجدت".
"ومن الضروري الاعتراف بالتحديات الصعبة للغاية، التي واجهتها مستشفيات الهيئة في سياق عملها على حماية الموظفين والمرضى. لا فائدة من الملامة بالنسبة لأي طرف".
قال رئيس الجمعية الطبية البريطانية الدكتور تشاند ناغبول لـ"اندبندنت" إن عائلات الأشخاص الذين فقدوا حياتهم تستحقّ الحصول على إجابات.
وأضاف "لقد شنّت الجمعية الطبية البريطانية حملات، وبذلت مساعي كبيرة لمدة طويلة تناولت سوء حال موارد معدات الوقاية الشخصية خلال الجائحة، وإن كان هذا العامل أو أي عامل آخر ضمن بيئة العمل هو ما أدّى إلى وفاة الأطباء وزملائهم، فيجب الإفصاح عن هذه المعلومات. هذه هي السبيل الوحيدة، من أجل الحرص على الاعتبار بدروس ما جرى، واتخاذ الخطوات الضرورية لحماية حياة العاملين في قطاع الرعاية الصحية. هذا أقل ما تستحقّه عائلات المتوفّين وزملائهم، الذين يواصلون الكفاح في الصفوف الأمامية ضدّ الجائحة".
قالت هيلغا بايل، نائبة رئيس شؤون الصحة في الاتحاد العمالي يونيسون "كل حياة فقدها عامل في قطاع الرعاية أو في هيئة الخدمات الصحية الوطنية جرّاء كوفيد-19 هي خسارة فادحة".
"من الواضح أنّه يجب بذل المزيد من العمل بهدف الحفاظ على سلامة الموظفين. وأعربت النقابات العمالية بالفعل عن مخاوفها من أنّ أصحاب العمل لا يبلغون عن كافة الوفيات والأمراض المتعلقة بكوفيد-19".
"والأمل هو في أن يصوّب هذا التحقيق هذا الموضوع ويضمن تعلّم الدروس".
اعتبرت كلية التمريض الملكية من جهتها خسارة الأرواح ضمن طاقم هيئة الخدمات الصحية الوطنية خلال الجائحة أمراً "يفطر القلب".
وأضافت كيم سانلي من الكليّة هذه "كل وفاة مأساة. يجب إجراء تحقيق وافٍ في كل حالة وفاة، وفهم الظروف المحيطة بها بشكل واضح، لا سيّما الدور الذي لعبه التعرض للفيروس في مكان العمل، من أجل ضمان حماية العاملين في قطاع الرعاية الصحية في المستقبل".
قال رئيس جمعية الأطبّاء في المملكة المتحدة الدكتور رينيش بارمار "من حقّ عائلات زملائنا الراحلين، أن يعرفوا ما الذي حدث، والظروف المحيطة بالوفاة، حتى لو كان نقص معدات الوقاية الشخصية المناسبة، هو ما أدّى إلى فقدانهم أحبّتهم. ويجب تشارك هذه المعرفة بشكل موسّع ضمن إطار هيئة الخدمات الصحية الوطنية، مايؤدي إلى أن نتعلّم بدل إلقائنا اللوم، ونحسّن أداءنا، ونمنع وقوع مآسٍ مستقبلية، ونحمي الموظفين والمرضى على حدٍ سواء. هذا الأمر غير ممكن بكل بساطة إن جرى طمر النتائج بدل نشرها علناً".
قد يساعد حكم الطبيب الشرعي (بأنّ الوفاة مرتبطة بالعمل)، العائلاتِ على الحصول على مبلغ 60 ألف جنيه في إطار مخطط التعويضات الذي وضعته الحكومة.
وأكّدت وزارة الصحة والرعاية الاجتماعية، أنّه يمكن استخدام تقارير الطبيب الشرعي من أجل المساعدة على حسم هذه القرارات.
لكن أحد الناطقين باسم الوزارة، رفض التلميحات بأنّها تتستّر على النتائج، قائلاً "إن سلامة العاملين في هيئة الخدمات الصحية الوطنية والرعاية الاجتماعية، أولوية قصوى وتوفّر تحقيقات الأطباء الشرعيين فرصة للتعلم والتفكير العميق والتحسّن داخل نظام الصحة والرعاية الاجتماعية".
"يتلقّى الطبيب الشرعي الوطني ملخصاً عن كل حالة تم التدقيق فيها، ويراجع هذه النتائج ويحرص على الاتصال بأصحاب العمل إن لزم الأمر. نحن نراقب تقدّم تحقيق الأطباء الشرعيين، وسوف ننظر في ضرورة اتخاذ خطوات إضافية في الوقت المناسب".
© The Independent