لم يكن قرار رئيس السلطة الفلسطينية محمود عبّاس بوقف التنسيق الأمني والمدني مع الجانب الإسرائيلي، والذي اتخذه في 19 من مايو (أيار) الماضي، يحمل معنى التنصل الكامل من الاتفاقيات المبرمة بين الطرفين، بل كان عبارة عن تعليق مؤقت لحين تراجع الإدارة الأميركية والإسرائيلية عن تنفيذ خطة ضم مستوطنات وأجزاء من الضفة الغربية إلى السيادة الإسرائيلية.
وبعد ما أعلنت الإدارة الأميركية في 13 من أغسطس (آب) الحالي، عن إرجاء خطة الضم وتأجيل تنفيذها، قرّرت السلطة الفلسطينية بشكلٍ سري استئناف الاتصالات والتنسيق مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، ولم تتحدث أيّ قيادات فلسطينية عن عودةٍ تدريجيةٍ للعلاقات، وكذلك فيما يتعلق باستئناف التنسيق الأمني مع الجانب الإسرائيلي.
استئناف "خجول"
ويبرر أستاذ العلوم السياسية عبد الستار قاسم ذلك قائلاً، "تحاول السلطة الفلسطينية الحفاظ على ماء وجهها أمام شعبها، ففي حقيقة الأمر الإدارة الأميركية لم تلغِ خطة الضم ولكن أجّلتها إلى وقتٍ غير مسمى، وهذا كافٍ من وجهة نظر قيادة السلطة، لإعادة استئناف العلاقات مع الأطراف الإسرائيلية والأميركية لمصالح مشتركة".
ووفقاً لمراقبين فإنّ الاتصالات الفلسطينية مع الإدارة الأميركية لم تتوقف بشكلٍ نهائي من الأساس، ولكن عبّاس كان يرفض شخصياً التواصل مع الأميركيين، ويولي هذه المهمة إلى قيادات غيره.
ويستدل قاسم على ذلك بأنّ الرئيس ترمب قرّر مسبقاً استئناف الدعم المادي للسلطة الفلسطينية، وبالتحديد للأجهزة الأمنية وللمستشفيات على خلفية تفشي فيروس كورونا، ولولا وجود اتصالات لما استأنفت أميركا دعمها للفلسطينيين.
وعلمت "اندبندنت عربية" من مصادر داخل مكتب الرئيس، أنّ عبّاس أعطى تعليماته إلى دائرة التنسيق مع الإسرائيليين باستئناف العمل تدريجياً، بعد تعثر خطة إسرائيل لضم أجزاء من الضفة الغربية لأراضيها، بعد تراجع الدعم الأميركي لذلك.
جهات عربية ودولية طلبت الاستئناف
كذلك أعطى رئيس الوزراء الإسرائيلي المناوب بيني غانتس وهو وزير الجيش في الوقت ذاته، تعليماته إلى المؤسسة الأمنية بالعمل على تجديد التنسيق الأمني والمدني مع السلطة الفلسطينية، مقدراً أنّه من الممكن التوصل إلى تجديد تدريجي للعلاقات يعزز المصالح الاقتصادية للسلطة، ويساعد إسرائيل أيضاً في الحفاظ على الاستقرار الأمني.
وفي هذا الشأن، قال رئيس الوزراء الفلسطيني محمد أشتية الليلة الماضية "من الضروري أن يكون هناك رد رسمي إسرائيلي واضح بإلغاء الضم للأراضي الفلسطيني، للبدء بعملية حوارٍ سياسيٍ تحت مظلة المجتمع الدولي ووفقاً لقرارات الشرعية الدولية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويرى قاسم في تصريحات أشتية أنّ هناك حراكاً واضحاً داخل السلطة الفلسطينية لعودة العمل بالاتفاقيات مع تل أبيب، وأن ذلك يشمل ملف التنسيق الأمني، موضحاً أنّ الخطوة الإسرائيلية التي اتخذها غانتس بالعمل على تجديد التنسيق الأمني مع السلطة لم تأتِ من فراغ، وإنّما بعد ما أعطى عبّاس تعليمات مماثلة لقيادة دوائر التنسيق الأمني، وعلى حدِ قوله فإنّه لم يتوقف فعلياً.
وبحسب المصدر الذي كشف عن المعلومة، فإنّ عبّاس قرّر إعادة العمل بالتنسيق بعد ضغوطات عربية ودولية عليه، إذ حذرت هذه الجهات القيادة الفلسطينية من أنّها ستواجه عزلة إقليمية ودولية في حال لم تستأنف السلطة الفلسطينية مهام التنسيق الأمني.
وكان من بين الأشخاص الذين طلبوا من الرئيس الفلسطيني إعادة التنسيق والمفاوضات مع الإسرائيليين، الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي غرّد على حسابه الشخصي عبر "تويتر" باللغة العربية قائلاً، "اتصلت برئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس وعبرت له عن تصميمي على العمل للسلام في الشرق الأوسط، استئناف المفاوضات للوصول لحل عادل يحترم القانون الدولي يبقى الأولوية".
هيئات التنسيق... بعضها أعاد العمل
في الحقيقة، فإنّ التنسيق هو أحد مخرجات اتفاقية أوسلو 1993 بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، ويتمثل في تقديم معلومات متبادلة بين الطرفين، وينقسم إلى التنسيق الأمني الذي يتعلق بتبادل المعلومات فيما يخصّ العمليات العسكرية من الجانب الفلسطيني التي تستهدف إسرائيل، والتنسيق المدني يتعلق بتسيير حياة الناس في مختلف الميادين بما فيها جانب الأحوال الشخصية (إصدار الهوية أي البطاقة القومية، وجواز السفر وتعديل الحالة الاجتماعية وشهادة الميلاد).
وفي تفاصيل عودة الاتصالات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، فإنّ التنسيق الأمني بين الجانبين يجري من خلال ثلاث هيئات، الأولى، اللجنة المشتركة للتنسيق والتعاون في القضايا الأمنية المتبادلة وتتألف من سبعة أعضاء من كلّ طرف، ومهمتها التعامل مع المسائل الأمنية كافة ذات الاهتمام المشترك في الضفة الغربية وقطاع غزة، وتقدم التوصيات للجنة الاتصال الإسرائيلية الفلسطينية، وتجتمع مرة كل أسبوعين. وبحسب المصدر، فقد استأنفت هذه اللجنة عملها من جديد، وأعادت اجتماعاتها مع الجانب الإسرائيلي.
أمّا الهيئة الثانية، فهي اللجنة الأمنية المحلية للتنسيق، وتتلخص مهمتها في توجيه مكاتب ووحدات التنسيق ومعالجة المشكلات الأمنية ونقل المعلومات إلى الجانب الإسرائيلي وتقديم التعاون في القضايا الأمنية المتبادلة، بحسب المعلومات الواردة، فإنّ هذه اللجنة لم تعمل حتى الآن، ولا يوجد معلومات حول متى من المتوقع إعادة عملها.
وبالنسبة إلى الهيئة الثالثة، فهي مكاتب تنسيق المناطق وتنتشر في كل محافظات الضفة الغربية، ومهمتها تنفيذ القرارات ومتابعة مسائل التنسيق في المنطقة التي تشرف عليها، وتؤكّد المعلومات أن الهيئة لا تزال "معطلة"، ولم يصدر أيّ تعليمات بخصوص استئناف تقديم معلوماتها إلى الجانب الإسرائيلي.
عدم اعتراف بالمواليد الجدد
وعندما قرّرت السلطة الفلسطينية إيقاف التنسيق الأمني مع إسرائيل، عطّلت جميع الدوائر التي تقوم بذلك، بما فيها الشق المدني، إذ أوقف الفلسطينيون إرسال تحديثات السجل المدني إلى إسرائيل.
ويقول وكيل وزارة الداخلية يوسف حرب إنّ "إيقاف العمل بالاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل، دفعها إلى عدم الاعتراف بنحو 25 ألف طفل فلسطيني ولدوا بعد القرار، وكذلك الأشخاص الذين أصدروا جواز سفر في ذلك الوقت، وعملت السلطات الإسرائيلية على إعاقة تنقل بعضهم، على الرغم من أنّ الوثائق التي يحملونها رسمية وصحيحة ومعترف بها دولياً ومحلياً.
وبحسب المصادر، فإنّ شق التنسيق المدني قد يباشر عمله خلال الأسابيع المقبلة من دون تحديد موعد، لكنّه بات جاهزاً لإرسال كشوفات الأحوال المدنية وغيرها إلى الجانب الإسرائيلي وهو في انتظار التعليمات ببدء ذلك، على ضوء ما يرد من تعاون من الجانب الإسرائيلي في التأكيد على إرجاء الضم أو إيقافه.