دافع رجال دين يمثلون المجلس الإسلامي الأعلى في الجزائر (هيئة تتبع رئاسة الجمهورية) عن مرسوم تنفيذي وقعه رئيس الحكومة عبد العزيز جراد يتيح منح ألقاب عائلية لفئة "مجهولي النسب" في أعقاب جدلية "دينية" شككت في "شرعية" القرار، بعد ساعات فقط من إعلان الرئيس الجزائري إنشاء "هيئة علمية" على مستوى "جامع الجزائر"، دون أن يعلن موقفه من مطالب بتعيين "مفتٍ للجمهورية".
وأعلنت الحكومة، تعديلاً قانونياً يتيحُ للأطفال الذين يجهلون نسبهم، أن يحصلوا على لقب من يتولون كفالتهم، في حال أرادوا ذلك.
وصدر القرار في العدد السابع والأربعين من الجريدة الرسمية، نهاية الأسبوع الماضي، ليعدّل مرسوماً صادراً عام 1971 بشأن تغيير اللقب.
وحدّد المرسوم التنفيذي (اختصاص رئيس الحكومة) شروط طلب تغيير اللقب. وأوضح القرار أن الشخص الذي يريد تغيير اللقب، لسبب ما، عليه أن يقدم طلباً لدى وكيل الجمهورية (النائب العام)، سواء في مكان الإقامة أو في مكان ميلاد الطفل.
وبموجب التعديل، بوسع الشخص الذي يتولى الكفالة، منح لقبه للطفل المكفول، أو أن يقوم بتغيير لقبه. أما في حال كانت والدة الطفل معروفة وعلى قيد الحياة، فإن طلب تغيير اللقب يحتاجُ إلى الحصول على موافقة رسمية منها.
وإذا تعذر الحصول على هذه الموافقة المباشرة من الأم، يظل بإمكان رئيس المحكمة أن يمنح ترخيصاً لأجل مطابقة لقب الطفل المكفول مع لقب الأب الكافل. لكن الترخيص بمنح اللقب، يشترط أن يتعهد الأب الكافل بأنه بذل جهداً لأجل الاتصال بالأم الفعلية لكن مساعيه لم تتكلل بالنجاح.
جدلية دينية
لم يمر قرار الحكومة الجزائرية مرور الكرام أمام بعض السجالات الدينية في غياب موقف ابتدائي من لجنة الفتوى على مستوى وزارة الشؤون الدينية، أمر استغربه المحامي ورجل القانون، عمار خبابة.
من جهته، اعتبر خبابة أن الجديد في المرسوم الأخير لا يتعدى إضافة تفصيل واحد على مرسومين سابقين يتثمل في حالة "عدم العثور على الأم المعلومة".
ويذكر خبابة أن "مرسوم تغيير اللقب الصادر في 1971 تُمّم بإضافة مطابقة لقب الكفيل بالمكفول عام 1992، أما تعديل الأسبوع الماضي فقد جاء لسد ثغرة كانت في المرسوم بالنسبة إلى مجهول النسب في حالة غياب الأم إلى جانب غياب الأب".
ويضيف في حديث لـ"اندبندنت عربية"، "لقد كان مرسوم 1992 محل جدل يومها، وصدر بعد أخذ رأي المجلس الإسلامي الأعلى وعلى رأسه آنذاك الشيخ الراحل أحمد حماني، إذ بات ممكناً للكافل أن يوجّه طلباً إلى وزير العدل، حافظ الأختام لمنح لقبه العائلي للمكفول القاصر".
ويتابع "بالتالي إذا كان المكفول مجهول الأب وأمّه معلومة، فإنّ طلب التغيير لا يجوز إلّا بالموافقة الصريحة للأمّ، في عقد رسمي، إلاّ في حالة ما إذا كانت متوفاة أو مسمّاة في شهادة ميلاد المكفول من دون بيانات أخرى تمكّن من التعرّف عليها، أو قدّم الكافل شهادة مسلّمة من المصالح الاجتماعية المختصة تثبت عدم العثور عليها".
في المقابل، قال الشيخ عبد الكريم الدباغي، عضو المجلس الإسلامي الأعلى "يحدُث أن يختلط لدى البعض وجهُ الفرق بين التبنّي وإعطاء اللقب، فيُطلقون أحكام التحريم على ما ليس فيه نصٌّ أو يدل عليه دليل قاطع، أو يُحلُّون ما ليس حلالاً".
وأوضح "أما التبنّي فهو حرام في الإسلام من غير شك، وأما إعطاء الاسم العائلي، أو اللقب فهو منح اللقب العائلي لمجهول النسب، دون ترتب آثار ذلك عليه من جهة الإلحاق، والإرث والحرمة، وعليه فحكمه الجواز أي يحلّ شرعاً لكافل الطفل اليتيم أو مجهول النّسب أن يضيف لقب عائلة ذلك الكافل إلى اسم الطفل، بحيث يظهر مطلق الانتماء إليها دون الإخلال أو التدليس بأنه ابنه أو ابنته من صلبه، حتى لا يدخل في نطاق التبني المحرم شرعاً".
قضية إنسانية
من ناحية أخرى، لا ترى الكاتبة الصحفية حدة حزام، أي تعقيدات دينية في المسألة الجديدة بخصوص "مجهولي النسب"، فهي قضية إنسانية برأيها "والقرار الذي وقعه رئيس الحكومة في قمة الإنسانية، بما أن من شأنه أن يحل المشاكل الإدارية والنفسية لآلاف الأطفال وحتى الكبار ممن ولدوا خارج مؤسسة الزواج ولم يعترف بهم آباؤهم".
وتضيف أن "فئة كبيرة من الجزائريين تواجه رحلة نفسية معقدة حين يسجلون بخانة مجهولي النسب في شهادة الميلاد، لتبدأ معها رحلة معاناة إدارية ونفسية، ورحلة بحث عن والديهم وعن أصولهم، تنتهي أحياناً ببعضهم إلى السخط على الحياة، لأن معرفة النسب مهمة للتوازن النفسي للفرد".
وفي السياق ذاته، أصدر المجلس الوطني المستقل للأئمة رأيه في هذا التعديل، حيث صرح رئيسه جمال غول لـ"اندبندنت عربية" بأن "الأنباء التي تحدثت عن مراسلتنا المجلس الإسلامي الأعلى للاعتراض غير صحيحة، بعد الاطلاع على تفاصيله ننصح الناس بألا يختلط عليهم الأمر بسبب التسمية وعدم الخلط بين التبني ومنح اللقب، فالتبني محرم قطعاً، أما المباح، فما يعرف بالكفالة وهو أمر محمود لصالح اليتيم أو كل أصناف اليتم بمن فيهم مجهولو النسب الذين فقدوا آباءهم قبل سن البلوغ".
مفتي الجمهورية
وأعادت سجالات ملف "مجهولي النسب" طرح مشكلة "الفتوى" في الجزائر، تزامناً وما يشبه النية من الرئيس عبد المجيد تبون، تأسيس هيئة علمية مرفقة بالمسجد الكبير الذي زاره قبل ثلاثة أيام وأعلن عن تدشينه رسمياً في ذكرى الثورة التحريرية أول نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
وقال تبون إنه "يأمل في رؤية هذه النية تتحقق هيئة علمية على أعلى مستوى تتكفل بالجانب العلمي في الصرح الديني، لا مانع من الاستعانة بالمعاهد الكبرى في العالم، شرط احترام المرجعية الدينية الوطنية الوسطية وكذا الاستعانة بإسهامات دولية من العالم الإسلامي، ما عدا ما يتعارض مع توجهات الجزائريين".
ولعل فكرة "الوسطية" هي أحد أسباب تخلف الجزائر لعقود عدة عن تأسيس منصب "مفتي الجمهورية" الذي كان يفترض أن تسند له مهام تقديم الفتوى وتوحيد المرجعية الدينية.
وكانت شخصيات إسلامية فاعلة في الجزائر، تنتظر أن يقترح اسم الشخص المرشح لتولي منصب مفتي الجمهورية لأول مرة في تاريخ الجزائر المستقلة، بناء على خطوات سابقة لوزارة الشؤون الدينية.
وتعطي الوزارة للمشروع، بعداً في تنظيم الفتوى في البلاد، كمركز للاستقطاب الديني وواجهة للإسلام "المعتدل"، وتنظر الجزائر إلى ملف "الفتوى" من منظار تجربتها مع الإرهاب، بحيث إن الوزارة تقترح تعيين مفتٍ يساعده أمين عام ومديرون مركزيون ومجلس علمي "ويكون المفتي من بين العلماء البارزين، وأن يكون صاحب دراسات وبحوث أكاديمية وكفؤاً في الميدان الفقهي والشرعي".