قفزت أسعار أسهم "أبل" الأسبوع الماضي، ما أوصل قيمة الشركة الجمعة إلى ما يقرب من 2.1 تريليون دولار. وباستثناء "أرامكو السعودية" ذات الوضع الخاص – هي مدرجة في البورصة لكنها مملوكة في شكل شبه كامل للسعودية – تكون "أبل" أول شركة في العالم تبلغ قيمتها تريليوني دولار.
هكذا تتجاوز شركة أميركية واحدة، على رغم كونها شركة عالمية مهمة، الشركات كلها المدرجة على مؤشر "فايننشال تايمز 100" من حيث القيمة. وفي مقارنة معيارية أخرى، أصبحت "أبل" تساوي 80 في المئة من الدين الوطني البريطاني، الذي اخترق سقف تريليوني دولار الشهر الماضي.
إنها قصة مذهلة بل قصتان مذهلتان. تتعلق الأولى بالشركة نفسها، أما الثانية فتتصل بما يعنيه الأمر لتقييمات الأسهم الأميركية والاقتصاد الأميركي عموماً. وسنتحدث بعض الشيء عن "أبل" ثم عن الصورة الأكبر (حتى).
في ما يخص الشركة، هي شركة جيدة جداً بالطبع. لكن الأهم من التميز العام أن "أبل" تمكنت بطريقة ما أن تضفي الطابع المؤسسي على عبقرية ستيف جوبز، فقد استطاعت أن تفهم ما يريده الناس حتى قبل أن يعرفوه هم أنفسهم – ثم أن تصنع منتجاً أو خدمة يلبيان هذه الرغبات. وخشي كثير منا أن تموت هذه الميزة مع موت جوبز، لكنها لم تمت إلى الآن على الأقل.
وهكذا لم تتمكن الشركة فقط من تكرار منتجاتها الرابحة الموجودة، وفي طليعتها الآيفون، بل استطاعت أيضاً أن تصنع خدمات يقدّرها الناس كثيراً. وهكذا تنمو "آبل بيي" Apple Pay أسرع من "بيي بال" PayPal بأربع مرات. وسنرى ماذا سيحل بقسم الخدمات في المستقبل، لكنه ينمو بسرعة قد تجعل "أبل" خلال عقد من الزمن تقريباً شركة للخدمات أساساً بدلاً من شركة للمنتجات.
ولا يتلخص التحدي الكبير حين تحتل شركة ما المرتبة الأولى في البقاء في هذه المرتبة فقط، بل كذلك في التمكن من فهم التغير الاجتماعي والتموضع في الجانب الصحيح من هذا التغير. وثمة أمثلة كثيرة على شركات أخفقت في ذلك. ففي عام 2000 كان التكتل الأميركي "جنرال إلكتريك"، بإدارة جاك ويلش الشهير، يمثّل أعلى الشركات قيمة في العالم إذ سجل 500 مليار دولار في ذروته. ولا يزال يقوم بكثير من الأعمال كما كان يفعل وقتذاك، بما في ذلك صنع محركات الطائرات، لكنه عانى عقدين من الزمن صعبين حقاً، وبات الآن يساوي 55 مليار دولار.
وليس تفوّق أي شركة تجارية هشاً فحسب، بل من الصعب جداً التكهن بشأنه. كان ويلش الذي توفي في وقت سابق من هذا العام البطل الأميركي العظيم في مجال الإدارة، إذ اشتُهِر بصلابته وفاعليته. وحاولت كتب كثيرة في الإدارة أن ترصد سره. وحققت كتبه "هو" أفضل المبيعات. لكن قراءتها اليوم بعدما عرفنا ما حصل تبدو أمراً عفَّى عليه الزمن.
تتمتع "أبل"، وفق اعتقادي، بأمن أكبر بكثير مقارنة بـ"جنرال إلكتريك" في أي وقت من الأوقات. لقد انتفخت قيمة "جنرال إلكتريك" بفضل دعاية ذكية صورت ويلش رمزاً للتميز الإداري الأميركي. أما تقييم "أبل" فيستند إلى تحليل أكثر حرصاً لإمكانات الشركة. لكن قصة "جنرال إلكتريك" ذات مغزى لقطاع التكنولوجيا الفائقة في الولايات المتحدة اليوم.
وخلال 20 سنة أخرى، سنظل في حاجة إلى المنتجات والخدمات التي توفرها "أبل" و"فيسبوك" و"غوغل" وغيرها، مثلما سنبقى في حاجة إلى محركات الطائرات. لكن القيم الخاصة بأسهم هذه الشركات تقول أكثر من ذلك. فهي تقول إن الهيمنة العالمية لهذه الشركات ستستمر لجيل آخر – أي إن ما يجري ليس تكراراً لفقاعة التجارة الإلكترونية، بل أمر أصلب بكثير منها.
وتنقسم الآراء حول ذلك، كما هي الحال دائماً في الأسواق. والأمر الصعب هو الفصل بين قصة "أبل" التكنولوجيا، وقصة الاقتصاد الكلي، التي تتعلق بإغراق المصارف المركزية للعالم بالسيولة فترفع بالتالي أسعار الأصول في كل مكان. فقطاع التكنولوجيا الفائقة في الساحل الغربي الأميركي، يمارس هيمنة استثنائية على العالم.
دفعت هذه الهيمنة إلى معارضة مفهومة في أوروبا وأمكنة أخرى، وستستدعي هذه الضغوط إدارة أكثر حذراً مما جرى إلى الآن. لكن إذا تمكنت هذه الشركات من تحسين أوضاعها والتعامل في شكل أكثر حساسية مع المزاج الاجتماعي، فستستمر الهيمنة الأميركية. وباستثناء الصين جزئياً، ما من بلد آخر يشارك في هذا المضمار.
لكن ماذا عن هذه التقييمات؟ هي مقلقة لي. ففي مرحلة ما – لا نستطيع أن نعرف متى – سيتوقف تدفق المال. وحين يحصل ذلك، ستهبط أسعار الأصول، ومن المرجح أن تشهد الأصول ذات الأسعار الأعلى التراجعات الأكبر.
© The Independent